اقرأ لهؤلاء

علياء نصر تكتب لبوابة الاقتصاد: قبل أن تكون إنسانا… رحلة الرجل والمرأة

ثعباني الهيئة والحركات، خفيف الوزن سريع الخطوات هادر الحماسةو.. قصير العمر،..في مواجهة ثقيلة الوزن بطيئة الحركة متئدة الخطوات،.و. .طويلة العمر..
هكذا كان حال الرجل والمرأة مذ كانا في عالم العدم،..في كون ما قبل الخلق،…قبل أن يكون أي منهما شيئا مذكورا…
فانتبه لفصول القصة..فهي لم تنته بعد..
تماما كما كنا قبل انتقالنا المقدور إلى هذا الفضاء الواسع،..لحظة كنا جميعا في فضاء يناهز فضاءنا هذا اتساعا ورحابة بمعايير حالنا وقتئذ،حين كانت أحجامنا متناهية الدقة والضآلة،..في ماراثون خضناه جميعا مع ملايين من نظائرنا بذلنا فيه الكثير من الجهد،..وأي بذل كبذلنا وقت كنا نتنافس على بلوغ الغاية الأسمى،..غاية الخروج من ساحة العدم إلى فضاءات الحياة،..حيث رحم الأمهات الدافئ الحصين المكين،.. ومن ثم تجربة رعشة الروح لحظة تنفخ في أجسادنا الضئيلة،..ثم تكورنا كخفاش عالق في جدار الرحم،..استعدادا لخوض مغامرتنا الكبرى،..مغامرة الحياة ،..برؤسنا الثعبانية كافحنا لاقتحام الحواجز القاسية،..في جهادنا الطويل المرهق وفي لهفة جل أن توصف،صمدنا،..و.بمرونة فائقة عبرنا ،..مررنا ،..نجحنا في اختراق جدار الرحم العسير المكين ،..مهمتنا الشاقة لم تنته بعد،. مازال أمامنا الكثير للنجاح في تلك المغامرة التي فزنا فيها على أقراننا،..واختارتنا العناية الإلهية من دونهم لغرض مقدور،..والآن فقط نجحنا مبدئيا،..ها نحن قد بتنا في بيت الحياة،..فضاءنا الانتقالي المؤقت،.. ورعشة الروح بدت كنسمة سرت فجأة في أجسادنا،لحظة لا تكافئ وصفها الكلمات ،..بل وتعجز عنها كل اللغات،..لحظة سريان الروح إلينا،..تجربة مذهلة حقا ،الآن تيقنا أن الأمر استحق كل هذا الجهد وذاك البذل،..سكنت الروح أجسادنا الأولية التي نبتت تدريجيا ..ضئيلة ودقيقة في شكل غير منتظم،..مازال الإصرار حليفنا،..لن نتهاون في بلوغ الغاية الأسمى مهما تكبدنا من عنت ومشقة،..سنبلغ مرادنا،..وننعم بالانتقال من العدم إلى الحياة ،..من كائن تافه ضئيل لا وزن له إلى سيد هذا العالم،..ومدهش هذا الكون..الإنسان.
كنا وكنتم… كان الذكور فينا يتسمون بالخفة والسرعة والحماسة الفائقة أكثر من الإناث ،..غير أنهم كانوا أقصر أعمارا برغم براعتهم وسبقهم وسرعتهم المذهلة ،في حين كانت الإناث _على ما فيها من ضعف وبطء وتثاقل_ أطول أعمارا،..بل أطول كثيرا من الذكور.. .#حقيقة_علمية،.. لقد كانت حقا العبرة بيننا بالخواتيم…
واليوم _وما أشبه يومنا بالأمس_ وبعد أن انتقلنا جميعا إلى كوننا الجديد الكبير،مازال كلانا يحمل الطبيعة ذاتها،..فمع طبيعة الذكور المفعمة بسرعة الحركة والخفة والنشاط،يبدو على النقيض تماما أن الكائن الآخر المبتلى بضعفه البيولوجي والمقدر له معوقات الحركة وتباطؤها لظروف قهرية، إلا أنه يبدو أطول أنفاسا بالفعل،وأكثر جلدا وأشد صبرا وأقوى احتمالا،..تماما كما كنا قديما،..لم يتغير شئ.
لا يدرك الرجل في الحقيقة مقدار ما تحمله المرأة_ذلك الكائن الناعم الهيئة لين الغلاف_من قوة تفوق قوته في بعض الأحيان ،..فالمرأة على ما ابتليت به من آلام ما برحت تطاردها طوال عمرها غير أنها تحمل في طياتها تلك القوة السحرية التي حرم منها الكثير من الرجال،..إنها قوة التحمل والصبر ،الجلد وطول الأنفاس،..وأخيرا العطاء الكثير،..العطاء الذي لا يحده حد،..هذا عن المرأة سوية الفطرة،ولست بملتفتة إلى من تشوهت صبغتها أو فقدت فطرتها القويمة التي فطرها الله تعالى عليها..
من الخطأ الفادح أن ينظر الرجل إلى قوته البدنية الظاهرة بوصفها تميزا عن المرأة،..فبداخل ذلك الغلاف الرقيق وحش قوي لا تجليه إلا المحن والأزمات،..وحينها فقط يدرك الرجل أنه لطالما كان ساذجا في تقديره لضعف المرأة،..بل ربما استلهم الرجل قوته أحيانا من المرأة،..واستقى من احتمالها وجلدها على المكاره احتمالا..
متى ما كانت بعض النساء على درجة من تكبد المحن والابتلاءات فإن عقلها المذهل الذي لا يتوقف لحظة عن التخطيط يسعى لإيجاد المخرج،..ومع قوة المضطر الذي لايملك رفاهية التهاون والضعف تبدي المعجزات،..فقوة الرجل هي منحة سهلة خلق بها الذكور،..أما قوة المرأة هي من المكتسبات الصعبةالتي حازتها المرأة بعد خبرة طويلة وتاريخ حافل،..قصة بدآها سويا منذ بدأ الخلق،..قصة تتشابه فصولها وإن علا في بعضها صوت أحدهما على الآخر.
ينجح الرجل إن تفهم حقا أن المرأة مخلوق قوي جدير بالاحترام،وأنها منه على الطوية نفسها،..يسعد بها سعادة الأكفاء الأنداد بل وينعم معها نعيم طفل آوى إلى رحاب أمه التي تبذل له عمرها راضية قريرة،..فقط حينما يتفهم الرجل حقيقة ذلك المخلوق الذكي الذي قدر له أن يشاركه هذا العالم،..أما حينما سقط الرجل سقوط من هداه فكره لاختزال هذا الكيان الجبار في مجرد أداة لإشباع احتياجاته ،فقد فتح بسذاجته لهذا المخلوق الذكي أبوابا لا تحصى لاستغلاله وامتصاص ناتج جهده وكده،..فتصطاده المرأة إذ يخال نفسه صيادها،..حينها تسخر المرأة من غباءه ومن هذا الدور الساذج الذي اختاره لنفسه وبالتبعية الذي اختاره لها،…ولا تعاب المرأة الذكية إن فعلت هذا برجل غبي لا يصلها منه إلا ما يصل الفريسة من الصياد ،..متى ما قرر الرجل أن يرى المرأة فريسة متوهما أنه صياد ذكي،وقع بغباءه في شباكها وسقط في ذات الحفرة التي حفرها لها..

كثر الحديث عن كون المرأة مخلوقا معقدا وشريرا،..وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة،..بل إن شرور الرجل هي ما تدفع المرأة للإفراط في الحذر والتدقيق بل والتخطيط،..فالقوي لا يحتاج إلى الحذر بقدر ما يحتاجه الضعيف،..ومتى ما استفحل ظلم الرجل الواقع على المرأة ليوقظ فيها شعور الضعف ذاك،فإنها فورا تسعى لاستخدام قوتها الخفية للانتصار ضد غريم لا تكافؤه في القوة الظاهرية وإن غالبته قوتها الداخلية،..متى ما قهر الرجل المرأة فإنه يتحول فورا في عقلها الواعي والباطن إلى عدو ،لا تبرح تدبر للانتصار عليه بكل وسيلة ممكنة ،وإن كان أضعف هذه الوسائل_وأفتكها على الحقيقة _هي وسيلة النكد،..الذي يعتبر أدنى درجات المقاومة السلبية،..وفيه تبرع المرأة وهي تعنيه تماما في مرحلة أولية من مراحل انتقامها المدروس ضد غريم قهرها من الرجال. ..
لا تخش من القوي الظاهر القوة،..بل اخش ممن ظاهره الضعف وباطنه قوة لايدرك سرها إلا خالقها..
متى ما أحست  المرأة أن الرجل هو سندها وكفؤها وحليفها ضد مخاطر الحياة وقسوتها وشريك كفاحها،منحته محبة صادقة غير مشروطة،واحتواءا لا يكافؤه إلا احتواء الأمهات لأطفالهن في مهدهم،..وليس أصدق من سلوك الرجل المهذب الحكيم مع المرأة إلا عاطفته،…رجل لا تغلب رجولته إلا مشاعره .والتي حتما تستشعرها المرأة بمستقبلاتها القوية الحساسة التي تمايز بها كل صدق وأي ادعاء.. ..فتحيل فيها كل حذر واحتراس إلى سكينة وطمأنينة،..وبهما تفيض عليه فيستحيل ظمؤه رواءا،..وتمسي إرضاء غاياته أولى أولوياتها..
المرأة لا تصبح مخلوقا معقدا إلا بقدر ما تلقى من عنت غريم حاد يجرها إلى معركة غير متكافئة،..تضطر فيها إلى جبر ضعفها البيولوجي بقوة العقل والتدبير..
فلا سكنت قلوب القساة،..ولا فقح بصر الأفظاظ. ..
فانظر لشريكة مشوارك نظرة تقدير الند للند،..وإشفاق الصاحب على صاحبه،..ومحبة الخليل الصادق لخليله..
واسلم بمرونة مضغة القلب من قسوة جمجمة الدماغ..
والزم ( قلبها)…فثم الجنة..
#علياء_نصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى