د. عادل محمد عبدالقادر يكتب: هل الرزق مكتوب أم له أسباب علينا اتباعها؟
الرزق – د عادل محمد عبدالقادرعلي- جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية unishams
بعض الناس مشغول ومهموم بقضية الرزق ، دائم التفكير في رزق غد، وبعضهم يتحايل للحصول على رزقه، لضعف يقينه بأن الرازق هو الله، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع ” {إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره} مع أن الرزق الذي قسمه الله وكتبه له وهو في بطن أمه لا يزيد ولا ينقص قال الشاعر: أتعبت نفسك فيما لست تدركه … وضاع عمرك في هم وفي نكد وعليك ان تسعى وتأخذ بالأسباب للبحث عن الرزق، لأن طرق الأسباب للحصول على الرزق أمر محمود والقعود عنها مذموم, قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: من الآية 15) . يقول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وجميع المطالب الدنيوية والأخروية، جعل لها أسبابا متى سلكها الإنسان حصل له مطلوبة.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، في كلمة واحدة فقال: ” احرص على ما ينفعك واستعن بالله “،فقوله: ” احرص على ما ينفعك ” أي: في دينك ودنياك، واسلك كل طريق يوصلك إلى هذه المنفعة. ولكن لا تتكل على حولك وقوتك بل توكل على الله، واستعن به. فمن فعل ذلك: فهو عنوان سعادته ونجاحه؛ وإلا فلا يلم العبد إلا نفسه. التوكل من الفرائض ومن شروط الإيمان وهو تفويض الأمر إلى الله تعالى ثقة بحسن تدبيره، وهو مقام عظيم من مقامات5 الأبرار، قال ذو النون: “التوكل هو خلع الأرباب وقطع الأسباب، وهو التعلق بالله في كل الأحوال فيكون الإنسان بين يدي الله تعالى كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء، وهذه العبارة من الألفاظ المجملة التي لا تعطي التوكل معناه الشرعي الحقيقي.
وقد بين أهل العلم أن الالتفات إلى الأسباب بالكلية شرك في التوحيد, ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل, والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع. وأن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها وجرت سنته في خلقه بها. ولكم صور البعض الإسلام أنه دين التواكل والتكاسل- وهو دين الإعداد {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} وهو دين العمل والسعي {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} وهو دين العمل {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} وهودين العمارة {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} “ومن بات كالا من عمل يديه بات مغفورا له” (حديث) تصور كيف يكون هذا الدين دين التواكل ودين التراخي والكسل، واستدلوا على ذلك بالكسالى العاطلين المنتسبين إليه، واتخذوا منهم عنوانا على هذا الدين ومثالا لأبنائه.
ولكن إذا قال قائل: إذا كان الله هو الرزاق، فهل أسعى لطلب الرزق: أو أبق في بيتي ويأتيني الرزق؟ فالجواب نقول: اسع لطلب الرزق، كما أن الله غفور، فليس معنى هذا أن لا تعمل وتتسبب للمغفرة. فإنزال الله للأرزاق وغيرها جعل له سببا هو السعي في الأرض، وطلب الرزق وهذه سنة الله. لقد أخطأ بعض الناس في دعواه أن الإيمان بالقدر لا يحتاج العبد معه إلى العمل، وذهل هؤلاء عن حقيقة القدر، فالله قدرَّ النتائج وأسبابها، ولم يقدر المسببات من غير أسباب، فمن زعم أن الله قدر النتائج والمسببات من غير مقدمتها وأسبابها فقد أعظم على الله الفرية. فالله إذا قدرَّ أن يرزق فلاناً رزقاً جعل لذلك الرزق أسباباً ينال بها، فمن ادعى أن لا حاجة به إلى السعي في طلب الرزق وأنَّ ما قدر له من رزق سوف يأتيه سعي أو لم يسع لم يفقه قدر الله في عباده. وإذا قدر الله أن يرزق فلاناً ولداً، فإنه يكون قدر له أن يتزوج ويعاشر زوجه، فالأسباب هي من الأقدار.
ونصوص الكتاب والسنة حافلة بالأمر باتخاذ الأسباب المشروعة في مختلف شؤون الحياة، فقد أمرت بالعمل والسعي في طلب الرزق، واتخاذ العدة لمواجهة الأعداء، والتزود للأسفار. قال تعالى: (فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) [الجمعة: 10] وقال: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) [الملك: 15] وقال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) [الأنفال: 60] وأمر المسافرين للحج بالتزود (وتزودا فإن خير الزاد التقوى) [البقرة: 197] وأمر بالدعاء والاستعانة (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) [غافر: 60] (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا) [الأعراف: 128] . وأمر باتخاذ الأسباب الشرعية التي تؤدي إلى رضوانه وجنته كالصلاة والصيام والزكاة والحج. وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل حياة المرسلين جميعاً والسائرين على نهجهم كلها شاهدة على أخذهم بالأسباب، والجد والاجتهاد في الأعمال.
د عادل محمد عبدالقادر علي- جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية unishams