بعد اغلاق ميناء شنغهاي تعرف على اهم 11 ميناء تعزز النفوذ الاقتصادي الصيني في العالم
بوابة الاقتصاد
كانت السيطرة على البحار عصب نجاح الإمبراطورية البريطانية تاريخيا. لم يكن ذلك لأهداف عسكرية وحسب، لكن لأن السيطرة على البحار تعني باختصار السيطرة على حركة التجارة البحرية الدولية. كان هذا أحد الدروس المستفادة من القرن الـ19، ويبدو أن هذا الدرس لا يزال شديد الأهمية والضرورة للنمو الاقتصادي في القرن الـ21.
مكنت عقود من النمو الاقتصادي الصيني من وضع نفسها في صلب حركة التجارة البحرية العالمية، وساعدت المكانة المميزة للصين في حركة التجارة البحرية العالمية من تحقيق فوائد اقتصادية ضخمة لها، ومنحت بكين تأثيرا أكبر على تدفق السلع حول العالم.
والارتفاع السريع والمتواصل للاقتصاد الصيني على المسرح العالمي كان مدفوعا بالأساس بالزيادة الكبيرة في الصادرات، وحيث إن 80 في المائة من التجارة العالمية تتم عبر البحار والمحيطات، فإن الاستفادة من شبكات الشحن البحري كان أمرا حيويا لاستراتيجية الصين التنموية القائمة على التصدير.
وكانت الخطوة الأولى بدء السلطات الصينية في تسهيل تدفق البضائع داخل وخارج البلاد، ولذلك طورت بعضا من أكبر موانئها وأكثرها ازدحاما. ووفقا لمؤشر ربط الشحن البحري فإن عديدا من موانئ الحاويات في الصين تعد من بين أكثر موانئ الحاويات ارتباطا في العالم.
وكشف مؤشر ربط الشحن البحري للربع الأول من هذا العام، أن الصين تمتلك عشرة من أفضل 100 ميناء في العالم، ويرتفع العدد إلى 11 ميناء إذا تم إدراج ميناء هونج كونج ضمن قائمة الموانئ الصينية، وبذلك تحتل الصين القائمة العالمية، يليها الولايات المتحدة التي لديها تسعة موانئ ضمن القائمة، بل إن الموانئ الصينية تتفوق على نظيرتها الأمريكية بمتوسط درجة اتصال 60.6 وذلك أعلى بكثير من متوسط نقاط الموانئ الأمريكية الذي يبلغ 44.5.
ويقول لـ”بوابة الاقتصاد” وليم استون الخبير في هيئة التجارة البحرية البريطانية، “من الأمور الحاسمة للأداء القوى للموانئ الصينية قدرتها على التعامل مع إنتاجية عالية للحاويات، وهو مقياس لكمية البضائع المعبأة بالحاويات التي يعالجها الميناء، ففي عام 2019 عالجت الموانئ الصينية 242 مليون حاوية من البضائع، وهذا أكثر بكثير من جميع دول شرق آسيا والمحيط الهادئ مجتمعه، التي عالجت 212 مليون حاوية، وأكثر من أربعة أضعاف إنتاجية الولايات المتحدة التي عالجت 55.5 مليون حاوية”.
وحول أهم الموانئ الصينية يشير وليم أستون إلى ميناء شنغهاي الذي عالج بمفرده عام 2019 نحو 17 في المائة من إجمالي إنتاج الحاويات في الصين، وإضافة إلى كونه أكبر ميناء في الصين، فقد احتل أيضا المرتبة الأولى عالميا باعتباره أكثر موانئ الحاويات ازدحاما في العالم منذ عام 2010، عندما تجاوز ميناء سنغافورة.
لكن كفاءة الموانئ الصينية لا تقف من وجهة نظر وليم أستون عند حدود الحجم، فقد طورت الصين قدرتها النوعية في هذا المجال أيضا، وبلغ متوسط الوقت الذي تقضية سفن الحاويات في الموانئ الصينية 0.62 يوما وذلك وفقا لبيانات عام 2020، وفي حين أن هذا أبطأ من بعض الدول مثل اليابان والدنمارك إلا أنه أسرع من منافسين آخرين مثل سنغافورة والولايات المتحدة.
لا شك أن بعض المزايا الجغرافية الطبيعية مكنت الموانئ الصينية من تحقيق النجاح، فالأغلبية العظمى من الخط الساحلي الصيني يتمتع بإمكانية الوصول إليه على مدار العام، بعكس عديد من الموانئ في روسيا وشمال غرب أوروبا وكندا، حيث تؤدي الرياح والعواصف والجليد إلى الحيلولة دون عملها في أشهر الشتاء الطويلة والقارصة.
كما أن عديدا من أكبر وأغنى المراكز السكانية في الصين تقع على طول الساحل الشرقي، ما يجعل بناء موانئ كبيرة أكثر جدوى من الناحية اللوجستية والاقتصادية.
لكن من وجهة الدكتورة فيرجينيا وولف أستاذة التجارة الدولية في جامعة بروملي فإن أهمية الجغرافيا لا تنفي الدور الذي قامت به الحكومة الصينية لتحفيز نمو موانئ البلاد، لتلبية الطلب المتزايد باستمرار على المواد الخام وتسهيل النمو الاقتصادي الذي تقوده الصادرات، إلى الحد الذي دفع بالرئيس الصيني شي جين بينج إلى القول إن القوى الاقتصادية يجب أن تكون قوى بحرية وقوى شحن.
وتقول لـ”بوابة الاقتصاد” إن “لدى القيادة الصينية رؤية أكبر تهدف إلى تحويل الصين لقوة بحرية عالمية قادرة على تعزيز مصالحها في البحار والمحيطات، وخلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2019 أنفقت الحكومة الصينية 153 مليار دولار لبناء مرافق لموانئ جديدة وتحديث البنية التحتية للموانئ القائمة، وأسهم ذلك في زيادة النشاط في الموانئ الصينية الرئيسة”.
لكنها ترى أن هذا التطور لم يكن إيجابيا على جميع الأصعدة، مضيفة “تطور الموانئ الصينية الرئيسة سواء من حيث القدرة أو النوعية يمثل وجها واحدا، أما الوجه الأخر فإنه يكشف أن عديدا من الموانئ الصينية غير مستغلة بالشكل الأمثل بسبب سوء التخطيط، ففي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي نقلت الحكومة المركزية مسؤوليات بناء وإدارة الموانئ إلى حكومات المقاطعات والبلديات، ما أدى إلى منافسة غير منضبطة بدافع الرغبة في دعم نمو الناتج المحلي الإجمالي، وأدى ذلك إلى إنشاء عديد من الموانئ الكبيرة دون أن يكون هناك طلب تجاري حقيقي عليها”.
وربما يكون الإفراط في إنشاء الموانئ في الصين هو ما دفع بالحكومة لاحقا إلى دمج الموانئ على المستوى الإقليمي لتقليل عدم الكفاءة والهدر في الموارد.
من الواضح أن السلطات الصينية كانت تعي تماما أن جهودها للهيمنة على التجارة البحرية الدولية لا يجب أن تقف عند حدود تطوير الموانئ الصينية، إذ انخرطت الصين في مشاريع للاستثمار والبناء في عشرات الموانئ عبر العالم.
ولا شك أن ما يعرف بطريق الحرير البحري الذي أطلق في عام 2013 يقع في قلب عديد من مشاريع الموانئ الصينية في الخارج، وبما يعكس الاستراتيجية الصينية الطموحة لتعزيز نفوذها الاقتصادي من خلال تعزيز الاتصال بين الصين والدول الأخرى.
بدوره، يشير الباحث في الاقتصاد الآسيوي ج آر هاردي إلى أن بعض التقديرات الغربية تؤكد أن الشركات الصينية المملوكة للدولة استثمرت نحو 11 مليار دولار في الموانئ الخارجية في العقد الثاني من القرن الـ21، كما توجد دراسة صينية كشفت أن الشركات الصينية وقعت صفقات بشأن 80 مشروع ميناء خلال الفترة نفسها، سواء عبر الاستثمار المباشر أو الاستحواذ أو التأجير أو عقود البناء، وأن القيمة الإجمالية لتلك الصفقات بلغت 70 مليار دولار.
ويقول لـ”بوابة الاقتصاد”، إن “الصين تدرك تماما أن مستقبلها الاقتصادي يرتبط بانتعاش التجارة العالمية، وطريق الحرير البحري ليس دعاية صينية، فوفقا لتقرير المؤتمر الـ19 للحزب الشيوعي الصيني فمن المخطط أن تلعب السياسات البحرية دورا مهما في دعم الاستراتيجية الصينية بحلول منتصف القرن الجاري”.
ويؤكد أن هذا تحديدا ما يجعل الصين شديدة الاهتمام بالموانئ العالمية خارج حدودها، حيث إنها نقاط الارتكاز الضرورية لتوسع الفضاء التجاري لها في البحر، ومن ثم انتعاشها واستقرارها اقتصاديا.