آخر الاخبارمنوعات

تطلع صيني لكسر احتكار «بوينج» و«إيرباص» .. انقلاب موازين الصناعة بمواجهة حاسمة

بوابة الاقتصاد

يسود لدى صناع القرار الاستراتيجي على المستوى العالمي، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، قناعة راسخة بأن الصين تهدف إلى أن تصبح القوى العظمى المهيمنة على الاقتصاد العالمي في أقرب وقت ممكن.
الأمر المؤكد أيضا لدى هؤلاء الاستراتيجيين – الذي تعززه الوقائع على الأرض – أن تحقيق الصين لهذا الهدف يتطلب منها الاعتماد على الذات، وتحديدا في مجال التقنيات الحاسمة والضرورية لضمان الأمن القومي.
ومن هذا المنطلق تعمل بكين على تطوير قطاع البحث التقني والتصنيع بحيث لا تعتمد على التكنولوجيا الأجنبية قدر الإمكان، وتحقق الاستقلال الذاتي التقني في أكبر قدر ممكن من المجالات المختلفة، ومنطلقها في ذلك أنه أمر ضروري لتحقيق هدفها الأساسي بأن تصبح الاقتصاد الأكبر والأقوى عالميا.
صناعة الطائرات وتحديدا محركات الطائرات بصفتها الجزء الأكثر تعقيدا في صناعة الطائرات مثال حي على سعي الصين لتحقيق استقلالها في المجال التقني، إذ تسعى من وراء ذلك إلى كسر الاحتكار الثنائي لشركتي “بوينج” الأمريكية و”إيرباص” الأوروبية.
وعملت الصين لأعوام على إنتاج محركات طائرة فعالة، ومع ذلك، فإن أغلب التقديرات الموثوق بها لمؤسسة البحث العلمي، تشير إلى أن الصين لا تزال تتعثر في تحقيق هدفها، وأن اعتمادها على الأنظمة الروسية لم يحقق مبتغاه.
في 2019، اتفق الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على توسيع التعاون التكنولوجي بينهما، وشدد الزعيمان حينها على أن العلاقات الصينية – الروسية دخلت حقبة جديدة من الشراكة الشاملة والاستراتيجية، وذلك من خلال عدد من المبادرات لإنشاء مراكز بحثية وتعزيز التبادل الأكاديمي.
والمؤكد أن أحد أبرز جوانب التعاون بين البلدين انصب على تطوير طائرة ركاب عريضة الجسم، التي كان من المحتمل أن يؤدي نجاحهما في إنتاجها إلى إحداث تغيرات نوعية في صناعة الطيران الدولية، بظهور منافس حقيقي وجاد لـ”بوينج” و”إيرباص”، لكن البلدين وجدا أن الطائرة ستحتاج إلى الاعتماد على الموردين الأجانب لمحركها، لأن لا روسيا ولا الصين تمكنا من بناء هذا المحرك.
ومع الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فإن المحاولة الروسية – الصينية لبناء طائرة ركاب عملاقة تكون قد باءت بالفشل في الغالب أو ستتأخر لأعوام طوال حتى ترى النور، ما يوجه ضربة مؤلمة لفكرة الاستقلال الذاتي للصين في واحدة من أبرز مجالات التقنية وهي الطيران.
مع هذا، يرى الدكتور تيم اشفورد، أستاذ الطيران والفضاء في جامعة شيفيلد، أنه رغم تعرض مساعي التعاون الروسي – الصيني في مجال صناعة الطائرات لضربة موجعة نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، فإنه لا يمكن إخراج الصين من المنافسة الدولية في هذا المجال في الأمد الطويل.
وقال لـ”الاقتصادية” إنه “من المقرر أن تدخل الخدمة الطائرة C919 وهي طائرة نفاثة ضيقة البدن تنتجها “كومك الصينية” المملوكة للدولة، وعلى الرغم من عدم قدرتها على منافسة طائرات بوينج 737 ماكس وإيرباص A320neo في الأسواق الدولية، إلا أنها جزء أساسي من خطط بكين لزيادة التصنيع المتقدم في البلاد في الأعوام الخمسة المقبلة، فجميع شركات الطيران الصينية الكبرى وهي مملوكة للحكومة ستطير بها”.
على الرغم من أن الطائرة الصينية C919 لن تغير الموازين الدولية في صناعة الطيران، حيث تحتكر شركتا بوينج الأمريكية وإيرباص الأوروبية صناعة الطيران، إلا أن الولايات المتحدة وأوروبا يشعران بالقلق من إمكانية كسر شركة كومك الصينية للاحتكار الثنائي في صناعة الطيران، خاصة أن العقدين الماضيين أثبتا قدرة الصين على الالتحاق بعديد من الصناعات الغربية ذات التقنية العالية مثل السيارات والقطارات والتكنولوجيا الرقمية.
وترى الدكتورة السي هاموند، أستاذة التجارة الدولية في جامعة لندن، أن التنسيق المشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا في مجال صناعة الطيران يكشف القلق من إمكانية دخول الصينيين على خط المنافسة في الأمد الطويل.
وذكرت لـ”الاقتصادية” أنه “في منتصف العام الماضي اتفقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إنهاء نزاع تجاري بينهما استمر 17 عاما بشأن الطائرات، واتفق الجانبان على التوقف عن تقديم حوافز التنمية، التي يمكن أن تضر الجانب الآخر، وخلفية هذا الاتفاق هي رغبة الجانبين في تقديم جبهة موحدة ضد الصين، لأن الاتفاقية تدعو إلى اتخاذ إجراءات مشتركة ضد الممارسات غير السوقية للطرف الثالث، التي تتضمن دعوة الصين للمستثمرين الأجانب إلى الاستفادة من تقنيتها في مجال الطيران بأسعار مخفضة تضر شركتي بوينج وإيرباص”.
لكن آرثر كين، الاستشاري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والخبير في الاقتصاد الصيني، يرى أن “هناك كثيرا من المبالغات بشأن قوة صناعة الطيران في الصين، وأن تلك الصناعة لا تزال تعتمد في جوهرها على التقنيات الغربية، وأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمكنهما القضاء على صناعة الطيران الصينية، لكنهم لا يرغبان في ذلك على الأقل في الوقت الراهن، وذلك لأن القيام بذلك يعني الاصطدام بالصين، والأسواق الصينية يسيل لها لعاب بوينج وإيرباص”.
وقال لـ”الاقتصادية”، “من المتوقع أن يتوسع الطلب على الطيران في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمعدل ضعف المعدل في الغرب، ولهذا، فإن الشركات الأمريكية والأوروبية لديها كثير لتخسره من المواجهة المباشرة مع الصين، خاصة في الوقت الحالي، حيث تركز الولايات المتحدة وأوروبا جهودها لكسر الاقتصاد الروسي، ويتضح ذلك من قيام وزارة الدفاع الأمريكية بوضع شركاء شركة كوماك الصينية على القائمة السوداء لأنشطتها العسكرية، لكنهم تفادوا تماما أن يوجهوا ضربة لصناعة الطيران التجاري في الصين”.
وأضاف أن “العقوبات المفروضة على روسيا وجهت ضربة قوية لطموحات الصين في مجال صناعة الطائرات، وطائرة C919 التي تفتخر بها شركة كوماك الصينية هي في جوهرها طائرة غربية، وينحصر دور الشركة الصينية في تجميع أنبوب الطائرة وأجنحتها، ويعد ذلك من وجهة نظره دورا بسيطا، ولا يمثل سوى 25 في المائة من التكاليف، أما إلكترونيات الطيران المستخدمة في الطائرة، فإنه يتم تصنيعها من قبل شركات أمريكية مثل هانيويل وكولينز إيروسبيس، وشركات أوروبية أخرى، ومحرك الطائرة وهو أصعب جزء فيها، فإنه نتاج مشروع مشترك بين جنرال إلكتريك الأمريكية وشركة سافران الفرنسية لصناعة محركات الطيران والصواريخ”.
وفي الواقع، فإن صناعة الطيران التجاري في الصين ربما تكون في حاجة إلى مزيد من الوقت لمنافسة نظرائها الغربيين “بوينج” و”إيرباص”، فالطائرة C919 أقل في المستوى من A320neo و737 MAX، فهي أكثر استهلاكا للوقود، ولديها مدى أقل، كما لا يوجد لديها شبكة دعم دولية تجعلها قابلة للتسويق خارج الصين.
إلا أن نقاط الضعف في الطائرة الصينية لا ينفي أن بكين تحاول الضغط على “بوينج” و”إيرباص” بشكل غير مباشر، فطلبيات الصين على الطائرات من شركتي بوينج وإيرباص منخفضة للغاية، مقارنة بالعدد الذي ستحتاج إليه في الأعوام المقبلة، ما يعني أنها تبعث برسالة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بأنها ستعتمد على إنتاجها المحلي حتى إن كان أكثر تكلفة بالنسبة لها، وهو ما يجعل بعض الخبراء يشيرون إلى أن الأمر ليس أكثر من مسألة وقت حتى تحتدم المنافسة بين “بوينج” و”إيرباص” من جانب و”كوماك الصينية” من جانب في مجال صناعة الطيران المدني، حتى إن كانت العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا قد أعاقت الصين عن الإسراع بتطوير صناعة الطيران لديها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى