د.منجى على بدر يكتب : هل تملك مصر مقومات التقدم (1)
تمتلك مصر عددا من المقومات لتكون دولة متقدمة ومقومات أخرى لتكون دولة ناشئة ولكن توجد تحديات اقليمية ودولية تحاول جرها للخلف ، ومازالت مصر تتحدى وجارى الحسم خلال الفترة القليلة المقبلة لأى توجه تسير الدولة المصرية .
وفى ظل تحديد معايير الدولة المتقدمة ، فقد حددتها مؤسسات الامم المتحدة أنها التى يزيد دخل الفرد فيها عن 12 ألف دولار / سنويا ، والدولة النامية أو الناشئة هى ما يتراوح دخل الفرد فيها مابين 4 الى 12 ألف دولار سنويا وبالطبع هو مدى كبير نسبيا ،أما أقل من 4 آلاف دول فهى دول فقيرة.
وبخصوص مصر فان معدل دخل الفرد يقترب من 4000 دولار /سنويا ، وبالرغم من التحفظات الموضوعية على مؤشر الدخل كمعيار للتقدم الا أنه الاكثر قبولا ، وأرى أن هذا المعيار يمثل الشرط اللازم فقط وليس الشرط الكافى حيث توجد معايير أخرى مثل : نصيب الفرد من التكنولوجيا والمعرفة واستهلاك الكهرباء والابحاث والانتاج الصناعى وغيرها .
والتاريخ يحدثنا عن قادة يملكون الحكمة والبصيرة ويؤمنون بقدرة شعوبهم على صناعة مستقبل أفضل فيخططون للمستقبل ويسابقون الزمن لتحويل احلام شعوبهم لواقع ملموس .وفى عالم يتغير نظامه الدولى بوجهه السياسى ووجهه الاقتصادى ومع كل منعطف تاريخى تتبدل مقاعد اللاعبين كبارا وصغارا وهناك من يخطط لنظام عالمى جديد متعدد الاقطاب ، وهناك من يتابعون كيف يكون هذا النظام العالمى الجديد ، ومن يتابعون من أبناء مصر بداية انحسار النظام العالمى القديم وتشكيل النظام الجديد يشغلهم موضع ومكانة مصر فى المستقبل ويتلمسون إشارات متعددة قد تهديهم لطريق السلامة فى ظل ظروف عدم اليقين الراهنة.
ان المتابع لتجربة مصر الصناعية تاريخيا سوف يكتشف أن مساهمة الناتج الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالى أكدت أن مصر لم تمر أو تسير على نفس نموذج النمو الذى عبرته الدول المتقدمة وكذلك دول شرق وجنوب آسيا الذين انتقلوا من مرحلة قيادة القطاع الزراعى للنمو، إلى قيادة مستقرة وطويلة للقطاع الصناعى، ثم إلى قطاع الخدمات الذى عادة ما يعكس مرحلة من تطلع السكان إلى الرفاهية وتعزيز الإنفاق الاستهلاكى. بل إن مصر عبرت سريعا فوق تجربة صناعية غير مكتملة خلال النصف الثانى من القرن الماضى إلى انفتاح اقتصادى مرتبك عام 1975 قوامه الاستهلاك والاستيراد، كما أن الادخار المحلى فى مصر كان ومازال عقبة أمام الاستثمار ومن ثم النمو المحفّز به، ولا مجال لتعويض ذلك الخلل إلا بجذب الاستثمار الأجنبى.
ان مصر لديها العديد من مقومات التقدم والعديد من التحديات السياسية مما يضع أعباء علي متخذ القرار الاقتصادي بضرورة مراعاة البعد السياسي إقليميا ودوليا ، ويكون القرار الاقتصادي له شقين اقتصادي وسياسي بنسب معينة ٥٠ % لكل جانب أو ٦٠ و ٤٠% طبقا لكل حالة علي حدة ، ويتطلب ذلك مشرط جراح ماهر في الاقتصاد.
وعليه ، فان القرار الاقتصادي في مصر يتطلب مراعاة الجانبين الاقتصادي والسياسي وخاصة بعد موقف الدول الغربية الاخير من الحرب على قطاع غزة وأيضا موقفها من الصراع الروسي الاوكرانى وسياسة ازدواجية المعايير وثبت بالدليل أن المؤسسات الاقتصادية الدولية التابعة للأمم المتحدة ليست بعيدة عن الضغوط السياسية عليها من الدول الغربية لتحقيق مصالحها وارهاب من يخالفها من الدول ، وبالتالى أصبح فرض عين علي الدول الناشئة والفقيرة والرافضة للهيمنة الغربية دعم التوجه نحو نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب.
وتمضى الدولة المصرية وقيادتها بخطى قوية واثقة لاستعادة الهيبة والنفوذ فى عالم غابت عنه معايير العدالة ونتعلم من دروس التاريخ دون أن نغرق فى صفحاته ، ونستعد للمستقبل بالعمل والبناء دون أن نغرق فى أحلامه وفى كل ساعة نهيىء أرضنا وشبابنا للسباحة والتعامل بثقة فى محيط دولى هادر وبعقول وأياد قادرة على العبور بالوطن نحو غد أفضل تستحقه مصر، وأما أعداء مصر الذين نراهم يوقدون كل يوم نارا تستهدف اجهاض وابطاء مسيرتها وخططها نحو التقدم، فنرد عليهم بتدشين مشروعات للمستقبل وعاصمة ومدن وموانى جديدة وننشر قيم العزة والكرامة والمنافسة ليس اقليميا فحسب بل على المستوى الدولى بشباب يعرف قيمة بلده ويفهم تاريخها وحضارتها وثقافتها.
ومازال السؤال : هل يتركنا المنافسون لتحقيق ذلك وماهي قدرة المواطن المصري علي التحدي ؟
ونجيب على ذلك فى المقال القادم باذن الله .
الوزير المفوضالدكتور/ منجى على بدر
عضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة