د.عزيزة الصيفى تكتب: ابن خلدون .. أبو التاريخ والاقتصاد
بوابة الاقتصاد
ابن خلدون من العلماء العرب الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية على مر العصور، وهو من أهم الفلاسفة الذين ذاع صيتهم فى القرن الرابع الميلادى، أمثال (الفارابى والغزالى وابن رشد)، إنه العالم الفذ والعلامة الكبير الذى كان له السبق والريادة فى تاريخ الاقتصاد الإسلامى الوضعى، والمؤسس الأوحد لعلم الاجتماع فى عصره، والمؤرخ العربى الشهير، الذى أغنى الفكر الإنسانى بنظرياته الاقتصادية والاجتماعية، حيث كان للحياة السياسية التى سادت فى عصره أبلغ الأثر فى صياغة أفكاره. هو أول عالم يدون سيرته وحياته.
ولد ابن خلدون عام 732 هجرية الموافق 1401م، واسمه عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، ترجع أصوله إلى الصحابى وائل بن حجر الحضرمی، «إشبيليا» منشأ أسرته بالأندلس، وكان أجداده أصحاب جاه ونفوذ، انتقلت أسرته إلى تونس، وكانت أسرة علم وأدب، وهناك كان مولده، درس على يد أبيه معلمه الأول، وحفظ القرآن وهو صغير، ثم التحق بجامعة الزيتونة أقدم جامعة على ظهر الأرض، وكان مولعًا بالترحال والتجوال، مما كان له أعظم الأثر فى بناء أصوله فى المنهجية الفكرية.
استقل سفينة أبحرت به إلى الإسكندرية، حيث توجه إلى القاهرة، وهناك أكرمه سلطانها الظاهر برقوق، وولى منصب قضاء المالكية، وظل بها ما يناهز ربع قرن، حتى توفى عام 808 هجرية، عام 1401 ميلادية عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا ودفن قرب باب النصر بشمال القاهرة، تاركًا تراثًا، امتد تأثیره إلی اليوم، ويسميه الغرب أبوالتاريخ والاقتصاد، حيث توصل إلى نظرية هامة حول قوانين العمران ونظرية العصبية المجتمعية، وبناء الدولة وأطوار عمارتها وسقوطها، سبق بأفكاره ونظرياته ما توصل إليه علماء الغرب بعد قرون، مثل (أوجست كونت) الذى وضع اسم علم الاجتماع، ويبقى ابن خلدون مؤسسه الأوحد، الذى ذكر هذا العلم وعلل أسباب البحث فيه وأهميته، وقد ذكر أنه (أمر مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة).
ولابن خلدون مؤلفات متنوعة منها الرسائل التى اهتم الباحثون فى جمعها ودراستها وأول كتاب له بعنوان (العبر وديوان المبتدأ والخبر، فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر). وقد أثنى على مؤلفه كثير من علماء وفلاسفة الغرب، يقول عنه المؤرخ جورج مارسيز: (وكان مؤلفه أحد أهم المؤلفات التى أنجزها الفكر الإسلامی) ويقول العالم إیف لاكوست: (إن مؤلفه يمثل ظهور التاريخ كعلم)، والكتاب يقع فى سبعة مجلدات أولها مقدمته التى اشتهرت بمقدمة ابن خلدون فى علم الاجتماع، يقوم فى هذا الكتاب بمعالجة الظواهر الاجتماعية التى يشير إليها فى مجلده باسم (واقعات العمران البشرى)، وقد تعلق اسمه بدراسة هيكل المجتمعات وتطورها، فهو العالم الذى لا يضارع بعبقريته أهم علماء النهضة فى الغرب فى القرن الرابع عشر، هكذا وصفه العالم الفرنسى (روجيه غارودی) فاتباع ابن خلدون للمنهج التاريخى قاده إلى التوصل إلى علم الاجتماع، حيث كان ارتكازه على كل الظواهر الاجتماعية التى ترتبط ببعضها البعض، إذ يقول: (هو خبر عن الاجتماع الإنسانى الذى هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال) ونجده يناقش نظرية التطور عند دارون لكنه لم يتعمق فيها، فقد أهمته أحوال المجتمعات والمعاملات بين البشر، حيث قام يفصل كل الظواهر الإنسانية، مبينًا أسبابها ونتائجها، ويؤكد أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن أبناء جنسه فى المجتمع لأنه مدنی بطبعه، فيناقش قضية العمران البشرى، موضحًا أثر البيئة فى البشر. إنه من بنى فلسفة خاصة فى علم الاجتماع والتاريخ، وعمل على التجديد فى طريقة عرض أحداث التاريخ بتخليصها من الخرافات التى كانت سائدة فى عصره، لذلك هو أول من أخضع الظواهر الاجتماعية لمنهج علمى.
يقول عنه المؤرخ البريطانى أرنولد توينبى فى كتابه (دراسة التاريخ) إنه (قدم فلسفة للتاريخ تعتبر من دون شك من أعظم ما أنتجت عبقرية لم يكن لها مثيل فى أى مكان أو زمان)، فقد أصبح رمزًا تاريخيًا للفكر المستنير، يستحضره الأدباء والمفكرون كلما تحدثوا عن الواقع الاجتماعي.
ومن المفيد أن نعرف الفرق بين علم الاجتماع كما قدمه ابن خلدون الذى يحكمه الوازع الدينى الذى لا يغيب الجانب الروحانى عن الجانب المادى، وعلم الاجتماع عند الغرب الذى يغلب عليه الجانب المادى، وإخضاع هذا العلم للتحليل النقدى من وجهة نظر إسلامية، حيث يحاول الباحثون الآن التوفيق بين النظرية العربية لعلم الاجتماع والنظرية الغربية، لذلك نجد هذا العلم قد حظى فى عصرنا هذا بجهود كثيرة لتأصيل فكر ابن خلدون ومقارنته بما لدى الغرب، لدراسة واقع المجتمعات العربية، والقضايا الكثيرة التى تعانى منها، ومحاولة إيجاد حلول لها، على أمل ظهور علم اجتماع إسلامی له أسسه وقواعده الخاصة، لما يربطه بالشريعة الإسلامية من وشائج لا يمكن فصلها، لما بين المجتمع العربى والغربى من اختلافات فى الفكر والعقيدة.
ابن خلدون الذى شكل منارة علمية عند الغرب، وعند الشرق، درست مؤلفاته فى دور العلم فى جميع أنحاء العالم. ويقول عنه المؤرخ البريطانى أرنولد تریبنى فى كتابه (دراسة التاريخ) إنه (قدم فلسفة للتاريخ تعتبر من دون شك من أعظم ما أنتجت عبقرية لم يكن لها مثيل فى أى مكان أو زمان)، فقد أصبح رمزًا تاريخيًا للفكر المستنير، يستحضره الأدباء والمفكرون كلما تحدثوا عن الواقع الاجتماعي.
ومن المفيد أن نعرف الفرق بين علم الاجتماع كما قدمه ابن خلدون الذى يحكمه الوازع الدينى الذى لا يغيب الجانب الروحانى عن الجانب المادى، وعلم الاجتماع عند الغرب الذى يغلب عليه الجانب المادى، وإخضاع هذا العلم للتحليل النقدى من وجهة نظر إسلامية، حيث يحاول الباحثون الآن التوفيق بين النظرية العربية لعلم الاجتماع والنظرية الغربية، لذلك نجد هذا العلم قد حظى فى عصرنا هذا بجهود كثيرة لتأصيل فكر ابن خلدون ومقارنته بما لدى الغرب، لدراسة واقع المجتمعات العربية، والقضايا الكثيرة التى تعانى منها، ومحاولة إيجاد حلول لها، على أمل ظهور علم اجتماع إسلامی له أسسه وقواعده الخاصة، لما يربطه بالشريعة الإسلامية من وشائج لا يمكن فصلها، لما بين المجتمع العربى والغربى من اختلافات فى الفكر والعقيدة.
هذا هو ابن خلدون، وانبثقت من أفكاره كثير من الدراسات التى أنتجت فكرة تحديد ميادين لعلم الاجتماع للوصول إلى مستوى فكرى وعملى، يرقى ويترقى لإنشاء حضارة إنسانية حديثة تكون ركائزها علاقات صحيحة بين البشر، وقد وصل الفكر البشرى فيها إلى ضرورة صياغة عقد اجتماعی عالمی يكفل للجميع حرية العيش بسلام وهو مبدأ من أهم مبادئ الإسلام.