رأي بوابة الاقتصاد: موازين النمو ومخاطر الركود
بوابة الاقتصاد
النمو الاقتصادي العالمي الذي يتعرض لضغوط شديدة بفعل الحرب في أوكرانيا، لن يدخل الاقتصاد في حالة من الركود، وفق كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي. وهذه الرؤية تتوافق مع أطروحات كررتها في غير مناسبة كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي التي سبقت -كما هو معروف- جورجيفا في إدارة صندوق النقد. لكن هذه التطمينات، أو لنقل التوقعات التي تستند إلى ما يجري على الساحة، لا تقلل من مخاطر بطء نمو عالمي أتى في الواقع بعد عام ونصف العام من انكماش بلغ مرحلة الركود في أغلب الدول، بفعل التداعيات التي جاءت بها جائحة كورونا. فحتى النمو الحالي يمكن اعتباره بمنزلة تعويض عن هذا الانكماش وهو ما يفسر ارتفاعه في مناطق واسعة في العالم اعتبارا من الربع الثاني من العام الماضي.
ولا شك أن الأوضاع الاقتصادية تختلف من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر. فعلى سبيل المثال يرى المشرعون في منطقة اليورو أنه لا داعي للاستعجال برفع الفائدة بقوة للسيطرة على التضخم، في حين لم تقو الولايات المتحدة على التريث وكذلك بريطانيا. والفائدة المرتفعة تضرب النمو أيا كانت بيئته. المشكلة في الضغوط الحالية على النمو العالمي، تكمن أيضا وبصورة خطيرة على الاقتصادات الناشئة أكثر من المتقدمة. فهذه الأخيرة اتبعت السياسات التقليدية للحفاظ ما أمكن على معدلات النمو بعيدا عن الضغوط، ورفع الفائدة لكبح جماح التضخم، مع ضرورة التأكيد على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، وترتفع حدتها على ساحات الاقتصادات الناشئة لأسباب متعددة، بحكم حساسية هذه الاقتصادات لأي مؤثرات طارئة، فكيف الحال بجائحة عالمية لم يتوقعها أحد على الإطلاق؟
ومن هنا، فإن المصاعب أكبر من جراء تباطؤ النمو في بعض الدول الناشئة، التي لا تزال تواجه مشكلات في التخلص من الآثار الاقتصادية التي ترتبت عليها من كورونا. وعلى رأس هذه المشكلات ارتفاع التكاليف بصعود مخيف للتضخم، خصوصا في الأسابيع الماضية التي سجلت زيادات في أسعار الغذاء ولاسيما الحبوب، وبالطبع الطاقة، بسبب تفاقم الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وعدم وجود أي مؤشرات تدل على حل سياسي قريب لها. كل هذا يأتي في ظل تشديد السياسة النقدية في هذه الدول وبقية دول العالم التي نالها التضخم بأشكال متفاوتة بالطبع. لكن لا توجد دولة يمكنها الادعاء بأنها ظلت خارج المخاطر الاقتصادية الناتجة عن إطالة أمد الحرب الدائرة حاليا في القارة الأوروبية. فكلها متأثرة بصورة مختلفة.
السؤال الأهم يبقى دائما متعلقا بمستقل النمو الاقتصادي في ظل هذه الظروف. فالنمو يحتاج إلى بيئة حاضنة له كي تنتجه، وهذا الأمر ليس متوافرا حاليا على الساحة الدولية، مع وجود بعض الضغوط الاقتصادية التي نتجت عن كورونا، والحرب في أوكرانيا. وربما كان الأمر أقل صعوبة في ساحة النمو الاقتصادي العالمي، لو أن هذه نشبت في ظل مسار اقتصادي طبيعي مكللا بنمو أكثر استدامة. فالصراع الراهن بين موسكو وكييف لا يؤثر فقط في النمو حول العالم، بل يهدد بحدوث مجاعات في بعض المناطق على الساحة العالمية. فروسيا وأوكرانيا تتصدران قائمة الدول الأكثر إنتاجا وتصديرا للمنتجات الغذائية خصوصا الحبوب. وحتى هذه النقطة يعززها سلبا بالطبع الاضطراب الحاصل في سلاسل التوريد الذي تعزز بعد الحرب. الضغوط على النمو مرشحة لأن تبقى على الساحة حتى نهاية العام الحالي، ليس فقط بفعل الحرب، بل بتأثيرات ارتفاع التضخم الكبير على مستوى العالم. فلا يمكن كبح جماح التضخم في وقت يتجه فيه الاقتصاد العالمي لتحقيق نمو يمتص انكماشا كبيرا حدث فقط منذ عامين تقريبا.