آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

د. سعيد القحطاني يكتب: أدوات السياسات النقدية وتحقيق الاستقرار

بوابة الاقتصاد

العلاقة بين البنوك التجارية والبنك المركزي «ساما» مثل علاقة الأفراد مع البنك التجاري، فالأفراد يحتفظون بودائعهم في البنك التجاري ويقترضون منه، كذلك البنوك التجارية تودع احتياطياتها في «ساما» وتقترض منه لذلك يسمى «ساما» ببنك البنوك، وقد تقترض البنوك من بعضها بالسايبور، كالأفراد عندما يقترضون من بعضهم بتكلفة أقل من البنوك، أو قد تقترض البنوك من «ساما» بالريبو إذا لم تجد من يقرضها من البنوك الأخرى. أيضا تزيد البنوك من استثماراتها في التمويلات البنكية في الأحوال الاقتصادية الجيدة، وتمتنع عنها وترفع احتياطياتها في «ساما» إذا ارتفعت المخاطر الاستثمارية في السوق أو في الظروف الاقتصادية غير الجيدة.
يقوم البنك المركزي باستخدام أدوات السياسة النقدية مثل أسعار الريبو العكسي الذي يكفل المحافظة على السيولة النقدية في الاقتصاد بطريقة تحقق الاستقرار النقدي وربط الريال السعودي بالدولار بسعر صرف ثابت، فالطلب والعرض على العملات، مثل الطلب والعرض على بقية السلع، فعندما يزيد الطلب أو ينخفض العرض على عملة معينة يرتفع سعرها والعكس صحيح. على سبيل المثال، قرار الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع برفع أسعار الفائدة بـ 25 نقطة لمواجهة التضخم، وقد أسهم ذلك في ازيادد الطلب على الدولار من المستثمرين، وارتفع سعره مقابل الريال وبقية العملات الأخرى للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة، نتيجة لذلك يقوم البنك المركزي بشراء هذا الفائض في عرض الريالات في سوق العملات برصيده من الدولارات في الاحتياطيات الأجنبية حتى لا يتسبب هذا الفائض في ارتفاع أسعار السلع، كما يعمل على تحقيق الموازنة بين الطلب والعرض على الريال حتى تتساوى قيمة الريال مع الدولار، ويستمر الربط عند سعر الصرف إلى 3.75 ريال لكل دولار.
عادة إذا كانت البنوك تملك سيولة جيدة واحتياطيات زائدة على حاجتها في ظروف اقتصادية جيدة فإنها تقرض البنوك الأخرى بتكلفة السايبور وتمتنع عن الإقراض وتودع احتياطياتها في «ساما» في الظروف الاقتصادية غير الجيدة، لذلك عند انخفاض السيولة يقترب السايبور من الريبو والعكس في حالة زيادة السيولة، وهنا تضع «ساما» حدا أعلى للفائدة – الريبو – وحدا أدنى للفائدة – الريبو العكسي – وهي ببساطة تكلفة الاقتراض والوديعة بين «ساما» والبنوك، ويتحرك السايبور في هذا الممر أو النطاق، فتوسع البنوك المركزية النطاق في حالة تبني سياسة نقدية انكماشية، وتضيق النطاق السعري بين هذه العوائد في حالة تبني سياسة نقدية توسعية.
ويوجد ارتباط قوي بين United States Fed Funds Rate وReverse Repo Rate الريبو العكسي في السوق السعودية بمقدار 96 في المائة، فالريبو العكسي يمثل Reverse Repo Rate القاعدة التي ينطلق منها السايبور، كما يمثل تكلفة الودائع، بحكم أن البنوك تضع أموالها في البنك المركزي مقابل إعادة شراء البنك المركزي السندات الحكومية من البنوك بعائد يمثل هذه النسبة.
السايبور Saudi Interbank Offering Rate- SIBOR يستخدم كمعيار ومقياس لتكلفة الاقتراض في المدى القصير، وأساسه الذي ينطلق منه الريبو العكسي، حيث يوجد بينهم ارتباط قوي بنسبة 89 في المائة، وهو يستخدم الآن لتسعير التمويلات الشخصية قصيرة الأجل، وقد كان في السابق قبل بناء منظومة التمويل العقارية يستخدم في تسعير التمويلات العقارية طويلة الأجل لعدم توافر معيار مناسب في أدوات الدين للأجل الطويل. والنتيجة في ذلك الوقت أن البنوك كانت لا تفضل التمويلات العقارية طويلة الأجل، وهذا بدوره أثر في القدرة الشرائية للأفراد بحكم قصر فترة مدة عقد التمويل، لكن اليوم بعد بناء منظومة التمويل العقارية الجديدة، وإصدار كثير من أنواع الصكوك الحكومية طويلة الأجل، أصبح من السهل تسعير هذا النوع من التمويلات العقارية.
قبل أيام رفعت «ساما» أسعار الريبو العكسي والريبو بـ 25 نقطة استجابة لقرار الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة على الدولار بـ 25 نقطة، لكن لا يزال الفرق بين عوائد «ساما» ثابتا من نهاية 2017 عند 50 نقطة “الريبو 1.25، الريبو العكسي 0.75″، وهذا نطاق ضيق لا يزال يدعم سياسة نقدية توسعية أو سيولة مرتفعة لأن اقتراض البنوك من «ساما» يكون أسهل، فتكون استقلالية البنوك أقل واعتمادها في السيولة على «ساما» أكبر من اعتمادها على بعضها بتكلفة السايبور. والبنوك المركزية تفضل النطاق الضيق لأن قدرتها تكون عالية في المحافظة على الاستقرار المالي وتقليل تقلبات أسعار السايبور، خصوصا مع الارتفاعات المتوقعة من “الفيدرالي” لمواجهة التضخم.
في بعض الحالات الاقتصادية قد تكون هناك ضغوط على السيولة في سوق الريبو، ما يجعل البنوك تقترض من بعضها بتكلفة السايبور للحصول على السيولة اللازمة، وهذه التكلفة تتأثر بحجم السيولة وجودة السندات الحكومية التي تستخدمها المؤسسات المالية كضمانة من خلال اتفاقيات إعادة الشراء. وذلك في حال اقتراض البنك من «ساما» في سوق الريبو ببيع السند الحكومي في بداية الفترة، فيتفق على أن يشتري البنك من «ساما» هذا السند في نهاية الفترة لتسديد القرض بتكلفة يضاف عليها سعر الريبو.
وقد تتأثر أسواق الريبو بالأحوال الاقتصادية، على سبيل المثال، ما حدث في سوق الريبو الأمريكية في نهاية 2019 عندما ارتفعت أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة وعليه تدخل الاحتياطي الفيدرالي وقتها بضخ سيولة نقدية من خلال طباعة دولارات جديدة لمساعدة المؤسسات المالية، وسد النقص المفاجئ في السيولة، وعلى المستوى المحلي ما حصل في 2016 لما تجاوز السايبور سعر الريبو، وواجهت وقتها «ساما» مشكلة في السيولة مع تدني أسعار النفط في ذلك الوقت، وكانت تحاول وقتها منع ارتفاع أسعار الفائدة وفي الوقت نفسه توازن السيولة للمحافظة على الربط مع الدولار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى