اقرأ لهؤلاء

الهند بين التعملق والتقزم والسياسات البراجماتية

  بلغ عدد سكان الهند 1.4286 مليار نسمة لتتجاوز الصين صاحبة الرقم القياسي في التعداد والذي وصل عام 2023 إلى 1.4257 مليار نسمة ، ونجحت الهند منذ فترة فى تحقيق تنمية اقتصادية وخاصة بداية عام 2023 حققت مكانة متميزة على المستوى الدولي أبرزها ما يمكن وصفه بالثلاثية الهندية وهي: وصول مركبتها الفضائية لأول مرة إلى سطح القمر فى أغسطس 2023، وتجاوز عدد سكانها في إبريل 2023 عدد سكان الصين لتصبح بذلك أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم، ونجاح الاقتصاد الهندي في إزاحة الاقتصاد البريطاني ليحتل المرتبة الخامسة، ولتصبح الهند من أقوى خمسة اقتصادات على المستوى الدولي ، وتفكر الهند في غزو العالم لكنه غزو الأقوياء بالعلم والمعرفة وليس الغزو المسلح حيث يحتل الهنود وادي السيلكون بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وفي هذا السياق قد لا يندهش الشعب الأمريكى إن رأى في البيت الأبيض رئيسا لأمريكا من أصول هندية، مثل الحالة البريطانية الراهنة ، وكذا الرئيس السابق أوباما من أصول افريقية .

 ان التفكير والتعليم هما أساس الإبداع الهندي، وعليهما قامت نهضة الهند الاقتصادية الحديثة، حيث سجلت الأسواق الهندية خلال 2022-2023  نموا اقتصاديا بمعدل 7.2%، مما وضع نيودلهي في مصاف اقتصادات العالم الأسرع نموا.

   وفي ظل التحولات الاقتصادية العالمية وتزايد التوترات التجارية والسياسية بين الصين والولايات المتحدة، أصبحت هناك تساؤلات متزايدة حول مصير مكانة الهند في الساحة العالمية كمركز للتصنيع العالمي، خاصة مع انتقال العديد من شركات التكنولوجيا والإلكترونيات من الصين إلى دول أخرى وتسعى الهند لكي تصبح البديل الصناعي للصين وتصبح أكبر مصنع في العالم ، وهذا الطرح يثير تساؤلات خصوصاً أن الهند تمتلك إمكانيات هائلة وقاعدة بشرية كبيرة وسوق داخلي كبير ومع ذلك، تواجه الهند تحديات عديدة قد تعيق طموحها لتحقيق هذا الهدف ، ولعل أبرزها البيروقراطية بين الحكومة المركزية فى نيودلهى وحكومات الولايات  والضرائب وفقر البنية التحتية وتعدد العرقيات والاديان واللغات .

 وقد تبنت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء مودي برنامج الهند الرقمية لتحويل الهند إلى اقتصاد المعرفة وانعكس ذلك على نمو مستمر في سوق البرمجيات الهندي الذي أضحى ينافس في أسواق الدول المتقدمة، فضلًا عن تولي عدد من ذوي الأصول الهندية لمناصب رفيعة في كبرى الشركات التكنولوجية العالمية مثل جوجل ومايكروسوفت وأي بي إم، وإطلاق الحكومة لمبادرات تطوير قطاع التصنيع في الهند ، كما توافرت لدى الهند خصائص القوة الناعمة الهندية كونها موطن لأكبر عدد من الشباب والنساء وكذا سينما بوليود وثقافة اليوجا ، مما قد يساعد الهند كقوة عالمية. ولكن توجد مشاكل مثل العنف (خاصة ضد المرأة) والتعصب الدينى والعرقى فضلا عن الفقر الذى لا يزال منتشرا على نطاق واسع.

  وعلى الجانب الآخر ، فان الحديث عن المنافسة بين الصين والهند على الزعامة الاقتصادية لا يزال سابقا لأوانه حيث تمثل الصين حاليا نحو 30% من الاستثمار العالمي، في حين تقل حصة الهند عن 5% ويتوقع بنك HSBC أن تتسع فجوة الحجم الاقتصادي بين الصين والهند إلى 17.5 تريليون دولار في عام 2028 من 14.5 تريليون دولار هذا العام.

  فضلا عن ذلك، فإن الاتجاه السائد في الهند اليوم يتلخص في تزايد النزعة القومية( حزب بهارتيا جاناتا الحاكم) ويتحدث رئيس الوزراء مودي عن الاسم الهندي الأصلى للبلاد وهو بهارات (بفتح الباء) بدلا من الهند وسواء كانت الهند أو بهارات، فالاسمان موجودان رسميا في الدستور.

 ومع التحديث والتطوير للهند قد تنمو التناقضات السياسية والاجتماعية إلى مستويات حرجة، وقد يشتد الصراع الطبقي والسياسي والعرقى.

 ومن ناحية أخرى ، أصبح العالم الآن في خضم شبه أزمة إفراط في الإنتاج وأزمات فى سلاسل الامداد والتوريد العالمية بفعل الصراعات الاقليمية والدولية ، ومع بوادر الحرب العالمية الثالثة التي تقرر فيها الصين والولايات المتحدة وأوروبا من سيكون إنتاجه غير ضروري أو على الأقل خفضه بشكل كبير( زيارة وزيرة المالية الأمريكية الاسبوع الماضى للصين ومطالبتها بخفض انتاجها) . وحالة الهند غير موجودة في هذه المعركة ولا تستطيع الهند الاعتماد على نمو صادراتها بسبب تقلص التجارة العالمية وتفكك العالم إلى مناطق اقتصادية، أي أن التجارة العالمية سوف تتطور فقط داخل الكتل السياسية.

  ومع تزايد المنافسة مع الصين ، فقد اتبعت الولايات المتحدة سياسة “حشد الأصدقاء” كعادتها ، إذ حثت الشركات الأميركية على نقل عمليات تصنيع الإلكترونيات والتكنولوجيا من الصين إلى دول أخرى خاصة فيتنام والهند.

  ويتساءل البعض عن السياسات البراجماتية الهندية تحت حكم حزب بهاراتيا جاناتا أهمها : هل خرجت الهند من عباءة دول الجنوب لتكون داعمة أو خادمة للنظام الغربي وربيبته إسرائيل؟ وهل  ستكون الهند الشريك المخالف في تجمع البريكس ، ولماذا تلعب الهند دور وكيل الغرب واسرائيل فى جنوب آسيا وتخلت بشكل شبه تام عن مباديء المهاتما غاندى، ومتي تدرك الهند أن انتماءها لدول الجنوب هو بوابة التقدم والاستقرار وليس الالتحاف بالغرب ؟

   بينما يرى البعض الآخر ، أن الهند تبنت سياسة خارجية متوازنة بين أقطاب متباينة الأهداف تقوم على الشراكة الاقتصادية مع القوى الكبرى لخدمة أهداف التنمية الهندية.

  ==

     الوزير المفوض الدكتور / منجى على بدر

     خبير العلاقات الدولية وعضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة

         

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى