صندوق النقد يعتمد زيادة قيمة برنامج تمويل مصر وأول مراجعتين
الموافقة على صرف 820 مليون دولار من مبلغ برنامج التمويل على الفور
اعتمد مجلس صندوق النقد الدولي المراجعتين الأولى والثانية في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إجماليها إلى 8 مليارات دولار، مما يسمح للدولة بسحب سيولة من الصندوق بنحو 820 مليون دولار على الفور.
قال المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في بيانه الصادر في وقت متأخر من يوم الجمعة: “عند استكمال المراجعة، قيّم المجلس أنه تم تحقيق جميع أهداف الأداء الكمية لنهاية يونيو 2023 باستثناء هدف واحد. وافق المجلس على طلب مصر في الحصول على استثناء لعدم مراعاة معيار الأداء لشهر يونيو بشأن صافي الاحتياطيات الأجنبية استناداً إلى الإجراءات التصحيحية”. ويبلغ صافي الاحتياطيات الدولية 35.3 مليار دولار كما في نهاية فبراير الماضي، وفق البنك المركزي.
قال الصندوق إن صفقة “القابضة” (ADQ) الاستثمارية البالغة قيمتها 35 مليار دولار في رأس الحكمة ستؤدي إلى “تخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات على المدى القريب، وإذا تم استخدامها بحكمة، فإنها ستساعد مصر على إعادة بناء احتياطات للتعامل مع الصدمات المستقبلية”، وفق ما جاء بالبيان.
قالت كريستالينا غورغييفا المدير العام لصندوق النقد الدولي إن التدابير الأخيرة “الرامية إلى تصحيح اختلالات الاقتصاد الكلي صعبة، ولكنها خطوات حاسمة للتقدم، وينبغي مواصلة الجهود للمضي قدماً. ومن الحكمة التزام الحكومة باستخدام جزء كبير من التمويل الجديد من اتفاق رأس الحكمة لتحسين مستوى الاحتياطيات، وتسريع تصفية الديون المتراكمة والمتأخرات بالعملة الأجنبية، وخفض الديون الحكومية مقدماً”.
السياسات الاقتصادية
أورد الصندوق أنه يجري تنفيذ “خطة قوية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي لتصحيح أخطاء السياسات. إذ تتركز الخطة على تحرير نظام الصرف في سياق نظام سعر صرف مرن، وتشديد مزيج السياسات بشكل كبير، والحد من الاستثمارات العامة، وتمهيد المجال للسماح للقطاع الخاص بأن يصبح محرك النمو”.
قالت غورغييفا: “مع تطبيق السياسات الرامية إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، أصبح المجال مهيأ للإسراع في تنفيذ أجندة الإصلاح الهيكلي التي تهدف إلى تحقيق النمو الشامل والمستدام. كما يُعد انسحاب الدولة والجيش من النشاط الاقتصادي وتكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص أمراً أساسياً لجذب الاستثمار الخاص الأجنبي والمحلي في مصر”.
ومع ذلك، يظل التنفيذ المتواصل للسياسات الاقتصادية في إطار البرنامج “أمراً بالغ الأهمية للتصدي بشكل مستدام لتحديات الاقتصاد الكلي في مصر، وكذلك التنفيذ القوي للإصلاحات الهيكلية للسماح للقطاع الخاص بأن يصبح محرك النمو” وفق ما أورده الصندوق.
في ديسمبر 2022، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج مدته 46 شهراً لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، على أن يخضع البرنامج لمراجعتين سنوياً حتى منتصف سبتمبر 2026، بإجمالي 8 مراجعات.
وفي مارس 2024، توصلت مصر وصندوق النقد إلى اتفاق على مستوى الخبراء حول مجموعة من السياسات والإصلاحات الشاملة اللازمة لاستكمال المراجعتين الأولى والثانية بموجب تسهيل الصندوق الممدد. كما طلبت مصر زيادة قيمة الاتفاق الأصلي من 3 مليارات دولار إلى نحو 8 مليارات دولار، وهو ما كان مرهوناً بموافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وجاء هذا الاتفاق بعد أن تمكنت مصر من توقيع أكبر اتفاقية استثمار أجنبي مباشر مع الإمارات تستحوذ بموجبها “القابضة” (ADQ) على حقوق تطوير مشروع رأس الحكمة مقابل 35 مليار دولار بهدف تنمية المنطقة.(استقبلت مصر منها 10 مليارات دولار) وهو ما ساهم في تمكين الدولة من السماح بخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنحو 40%، بعد رفع سعر الفائدة 600 نقطة أساس دفعة واحدة.
ساهمت هذه العوامل مجتمعة في زيادة توافر السيولة الأجنبية وتلبية الطلب المتراكم على النقد الأجنبي والإفراج عن السلع المتراكمة بالموانئ.
أزمات متلاحقة وتحديات مستمرة
تجدر الإشارة إلى أن مصر -التي تُعد ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين- استلمت أول دفعة من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 347 مليون دولار في ديسمبر 2022 مع توقيع الاتفاقية الأساسية، وكان من المقرر استلام الدفعات الباقية في مارس وسبتمبر 2023، حال الوفاء ببنود المراجعات، وهو ما لم يحدث نظراً لتأخر الحكومة بتنفيذ برنامج الطروحات، وعدم اتسام سعر صرف الجنيه بالمرونة اللازمة حينها في ظل التحديات التي شهدتها البلاد.
عانى اقتصاد الدولة التي يزيد عدد سكانها عن 105 ملايين نسمة من تداعيات أزمات خارجية خلال السنوات الأخيرة. فقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار واردات القمح والنفط، الأمر الذي استنزف احتياطياتها الدولارية، في حين أدت تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس إلى إضعاف السياحة وخفض رسوم قناة السويس، وكلاهما مصدران مهمان للعملة الصعبة.
وقالت غورغييفا: “تواجه مصر تحديات اقتصادية كلية كبيرة أصبحت إدارتها أكثر تعقيداً نظراً لتداعيات الصراع الأخير في غزة وإسرائيل”.
وبخلاف التحديات الخارجية، قالت غورغييفا إن تنفيذ السياسات الاقتصادية المتعلقة باتفاقية تسهيل الصندوق الممدد تواجه مخاطر محلية، مشيرة إلى أن “الحفاظ على التحول إلى نظام صرف حر، والحفاظ على سياسات نقدية ومالية متشددة، ودمج الاستثمارات من خارج الميزانية في عملية صنع القرار بشأن سياسة الاقتصاد الكلي، يُعد أمراً بالغ الأهمية. كما ستكون إدارة عودة التدفقات الرأسمالية بحصافة أمراً مهماً لاحتواء الضغوط التضخمية والحد من مخاطر الضغوط الخارجية المستقبلية”.