د. صلاح عبدالجابر العربي يكتب: ماذا تفعل إذا تغيرت سلوكيات المستهلك وكيف تواكب الشركات هذه المتغيرات؟
ماذا تفعل إذا تغيرت سلوكيات المستهلكين؟ الحقيقة أنه في عالم الأعمال اليوم، تُولي الشركات الرائدة اهتمامًا كبيرًا تجاه فهم طبيعة تفكير المستهلكين الذين يستهدفونهم، خصوصاً وأن مشاعر المستهلكين وسلوكهم قد تتغير بشكل سريع، ومحيّر ومتناقض في بعض الأحيان، فتارةً ما يتبنى المستهلكين استراتيجية الشراء من العلامات التجارية الكبرى المعروفة ويقومون بصرف أموال كبيرة عليها، وتارة ما تجدهم يلجؤون إلى علامات تجارية جديدة أصغر، حيث تعتبر قرارات شراء المستهلكين في كثير من الأحيان متعددة وغير مقتصرة على اختيار واحد فقط، وتشمل مزيجًا من العلامات التجارية والمنتجات التي تلبي متطلباتهم ورغباتهم. ولذلك يجب على الشركات الرائدة أن تعتبر الاستماع للمستهلكين أمرًا محورياً لنجاحها.
في ظل التغيرات السريعة في سلوك المستهلكين وتنوع اختياراتهم، قد يكون من الصعب على الشركات مواكبة هذه الاتجاهات، ولذلك يجب أن تكون عملية اتخاذ القرارات السريعة حول كيفية تلبية توقعات المستهلكين من أعلى الأولويات لدى الشركات.
تتطلب البيئة التجارية المعاصرة من الشركات أن تكون قادرة على التعامل مع جملة من العوامل المختلفة لتتمكن من النجاح والتفوق على منافسيها، وفي هذا المقال نسلط الضوء على الجوانب الأساسية التي تلعب دورًا جوهرياً في تشكيل سلوك المستهلك والتي يجب على قادة الأعمال الدراية بها والتصرف بناءً عليها.
أربعة اتجاهات رئيسية في سلوك المستهلك
يساعد كونسومر وايز وهو حل تابع لشركة ماكنزي، في تتبع وتحليل مشاعر المستهلكين ونمط إنفاقهم، ويستند هذا الحل إلى مراقبة ما يقوله المستهلكون وكيف يشعرون، وتحليل تصرفاتهم، بما يضمن توفير رؤية شاملة تسمح بفهم سلوك المستهلكين في الوقت الحالي.
يغطي حل كونسومر وايز عشرة أسواق مختلفة، ومن المتوقع أن يتوسع إلى عشرين سوقا بحلول نهاية العام، وسيتيح هذا التوسع تغطية شاملة لأغلب الأسواق العالمية من حيث تحليل الانفاق الاستهلاكي وسيتيح هذا التوسع تغطية شاملة لأغلب الأسواق العالمية من حيث تحليل الإنفاق الاستهلاكي ومشاعر المستهلكين اي ما يشكل تسعين في المئة من أسواق العالم. ويؤكد احدث بحث لكونسومر وايز أن المستهلكين يتفاعلون مع أربعة عناصر أو جوانب رئيسية عند قيامهم بعملية الشراء، غير أن اختياراتهم الشرائية قد تكون خاطئة وغير موفقة أحياناً.
الإسراف في الانفاق، والبحث عن قيمة شرائية حقيقية
يتجه المستهلكون في جميع أنحاء العالم إلى البحث عن القيمة والجودة العالية عند شراء المنتجات واستخدام الخدمات، يفضلون شراء اثنين من كل ثلاثة وعادة ما يلاحظ أن ثلثي المستهلكين يفضلون شراء منتجات أقل بأسعار أقل من العلامات التجارية (اثنين من كل ثلاثة) الشهيرة او المنتجات ذات العلامة التجارية الخاصة، وفي الصين، أصبح المستهلكون أكثر وعيًا بالقيمة والفوائد التي يحصلون عليها عند شراء المنتجات والخدمات، ويسعون جاهدين للاستفادة من الخصومات والعروض الترويجية المتاحة لهم.
التسوق من عدة قنوات في آن واحد
يستخدم غالبية المستهلكين في الوقت الحالي على الأقل ثلاثة وسائل تواصل وتسوق مختلفة عند البحث عن المنتجات قبل اتخاذ قرار الشراء، مثل المتاجر التقليدية أو الإنترنت أو التطبيقات وغيرها من الوسائل، والتي سنطلق عليها مصطلح قنوات التسوق ولذلك ليس من المستغرب ان تجد خمسة وسبعون في المئة من المستهلكين يرغبون بان تكون تجربة التسوق لديهم اكثر سهولة، فيما عبر خمسة وعشرون في المئة عن رضاهم عن تجربة التسوق التي يقدمها تجار التجزئة.
وتعتبر تجربة الشراء المتميزة وهي التي يكون فيها تكامل بين قنوات الشراء بما يتيح سهولة في عملية التنقل بين القنوات، بدلاً من أن تكون قناة واحدة، وتعتبر تجربة الشراء المتميزة في غاية الاهمية لان المستهلكين الذين يستخدمون مجموعة متنوعة من قنوات التسوق يعتبرون اكبر بما يعادل واحد وربع مرة من المستهلكين الذين يقتصرون على استخدام قناة تسوق واحدة فقط.
تجاوز الحدود:
استكشاف عالم العلامات التجارية الجديدة والمبتكرة
في العادة، كانت العلامات التجارية الكبرى تهيمن على ساحة الاستهلاك، وخاصة في الأوقات التي تكون فيها المعطيات والنتائج غير واضحة، وفي سوق الولايات المتحدة ازدادات العلامات التجارية الكبرى بنسبة خمسين في المئة خلال فترة ذروة وباء كورونا، ومع ذلك يسعى المستهلكون أيضًا إلى تجربة علامات تجارية جديدة، حيث قام واحد من كل ثلاثة مستهلكين بذلك خلال الأشهر الثلاثة الماضية ويعتقد جيل الزد وجيل الألفية بنسبة خمس مرات أكثر من الأجيال الأكبر سناً أن العلامات التجارية الجديدة هي الأفضل والأكثر ابتكارًا مقارنة بالعلامات التجارية المعروفة والموثوق بها التي تمتلك سمعة وتاريخ طويل في السوق، وبالتالي، فإن جيل الزد وجيل الألفية أكثر استعدادًا من غيره لتجربة العلامات التجارية الجديدة والمبتكرة.
ويلاحظ الآن أن المستهلكين يتجهون نحو شراء مجموعة متنوعة من المنتجات بدلاً من الاقتصار على منتج واحد فقط لتلبية احتياجاتهم الخاصة، يعكس هذا التغيير في سلوك التسوق اهتمام المستهلكين بتلبية احتياجاتهم المتنوعة وتنوع ذوقهم، فقبل عشر سنوات قد يكون لدى الأسرة العادية نوع واحد فقط من الحليب في الثلاجة، ولكن اليوم نجد العديد من الخيارات المتاحة، قد يقومون بشراء حليب البقر العادي للاستخدام اليومي، وحليب عالي البروتين لتعزيز النشاط الرياضي، وقد يختارون أيضًا البديل النباتي مثل حليب اللوز أو حليب الشوفان لأسباب خاصة، تتيح هذه الخيارات المتعددة للمستهلكين تلبية احتياجاتهم المحددة وتحقيق تفضيلاتهم الشخصية بناءً على متطلباتهم التي تختلف باختلاف الوقت والحالة.
تحقيق التوازن بين الاستدامة والتكاليف
تشير الدراسات والأبحاث إلى أن نسبة أربعة وثمانين في المئة من المستهلكين يعتبرون الاستدامة عاملا مهما للغاية عند اتخاذ قرارات الشراء الخاصة بهم، الا ان نحو خمسين في المئة من المستهلكين يعبرون عن عدم ثقهم في قدرتهم على دفع اسعار اعلى للحصول على المنتجات المستدامة في ظل ارتفاع معدل التضخم.
على الرغم من التحديات التي تواجه الشركات فيما يتعلق بتحقيق التوازن بين الاستدامة والسعر في ظل التضخم الاقتصادي، إلا أن المنتجات التي تتمتع بمزايا الاستدامة تشهد نموًا أسرع من المنتجات التي لا تمتلك هذه المزايا.
ثلاثة عوامل أساسية في العمل
مع تزايد الطلب المستمر وتطور احتياجات المستهلكين، أصبح من الضروري على الشركات أن تستجيب لهذه الاتجاهات ومتطلبات السوق، حيث يجب على الشركات أن تعتمد ممارسات ثابتة في ثلاثة مجالات رئيسية.
استراتيجيات النمو وإدارة التحديات الغامضة
اعرب ما يقارب من ستين في المئة من ابرز وانجح الرؤساء التنفيذين حول العالم عن قلقهم بشأن الانكماش الاقتصادي، فالرغم من الزيادة الكبيرة في معدل التضخم العالمي للأسعار في الفترة الحالية، والتي تعتبر الأعلى منذ فترة السبعينيات، إلى جانب زيادة أسعار فوائد البنوك، والتوترات الجيوسياسية، واضطراب سلاسل التوريد، وتقلبات أسعار السلع، إلا أن المستثمرون يتوقعون أن يكون هناك نمو اقتصادي أو نمو في أرباح الشركات يتجاوز المتوسط العام الذي تم تحقيقه في الماضي. وفي خضم عدم اتضاح معالم الأوضاع الاقتصادية، يتسنى للرؤساء التنفيذيين فرص فريدة لاتخاذ قرارات استراتيجية ومبتكرة تساهم في جعل شركاتهم تتفوق على المنافسين.
الجرأة تفتح أبوابًا لخلق الثروة وتحقيق النجاح
توسيع نطاق أعمال الشركة واستكشاف فرص جديدة يمكن أن يساهم في تحقيق نمو أعلى وأداء أفضل من المنافسين، تتضمن هذه الاستراتيجيات التوسع في فئات جديدة من المنتجات أو الخدمات التي تقدمها الشركة، وكذلك استكشاف مناطق جغرافية جديدة لتوسيع الوصول إلى أسواق جديدة، إن التغيرات في هيكل وتوزيع السكان على مستوى العالم يمكن أن تفتح بابًا لفرص جديدة للشركات لتحقيق نمو وتوسع. على سبيل المثال، إفريقيا من المتوقع أن تشهد نمواً سكانياً كبيراً في العقود المقبلة، حيث ستسهم بأكثر من نصف النمو السكاني العالمي، هذا يعني أن هناك فرصاً كبيرة للشركات لاستهداف سوق القارة السمراء المتنامي وزيادة قاعدة العملاء في إفريقيا، ومن جانب آخر، تواصل الصين والهند تحقيق نمو مستدام في الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤدي إلى تقدمهما في التصنيف العالمي للاقتصادات الكبرى، وتشير الدراسات إلى أن الشركات التي تقرر توسيع نشاطها إلى مناطق جغرافية جديدة، تتمتع بفرصة أكبر بنسبة اثنين وعشرين في المائة لتحقيق نمو مستدام يفوق متوسط النمو في السوق العام.
تطوير استراتيجيات التوسع والتخصيص
ينبغي على الشركات التي ترغب في الاستمرار والتنافس في سوق متغير ومتطور أن تكون قادرة على التحرك بسرعة وتوسيع نطاق أعمالها، وقد ساهمت جائحة كوفيد في رفع مستوى الفارق بين الشركات التجارية التقليدية وبين تجار التجزئة الذين استخدموا التكنولوجيا بشكل مبتكر وتكيفوا مع التغيرات الناتجة عن الجائحة، وقد ساهمت خمسة وعشرون شركة رائدة في التجارة بالتجزئة بفضل اعتمادها على التكنولوجيا في عملياتها في تحقيق تسعين في المئة زيادة في قيمة سوق التجزئة، وبسبب انخفاض توافر رأس المال بسهولة وبأسعار فائدة منخفضة، قد تواجه الشركات صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لتنمية أعمالها وتوسيع نطاقها، وهذا يعني أنها قد تكون مضطرة للبحث عن فرص الاندماج أو الاستحواذ مع الشركات القائمة بالفعل.
توسع حجم الشركة وزيادة نشاطها ونطاق عملها في غاية الأهمية، ولكن يجب عدم التخلي عن القدرة على تلبية احتياجات وتفضيلات العملاء الفردية بطريقة مخصصة ومميزة.
تعزيز الجوانب الأساسية لمؤسستك وتوسيع نطاق منظومتك
على مدار التاريخ، لوحظ أن الشركات التي تركز على تلبية احتياجات العملاء الأساسية قد حققت نموًا ملحوظًا بنسبة ثمانين في المئة وهناك شركات تجاهلت او قللت من اهمية استثماراتها في تطوير وتحسين العروض الاساسية التي تقددمها نظرًا لاختلاف سلوك المستهلكين، فإن الشركات يجب أن تسعى لتكون جزءًا أساسيًا في حياة المستهلكين من خلال تقديم مجموعة واسعة من الخدمات بعيدًا عن المنتجات الأساسية التقليدية، يجب أن تتحول الشركات إلى التركيز على تقديم قيمة حقيقية وتلبية احتياجات المستهلكين بشكل أعمق وأوسع، بدلاً تحقيق حصة سوقية في المحفظة الاستهلاكية للمستهلكين، وتوضح أبحاث شركة ماكنزي أن ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيكون مرتبطاً في المستقبل القريب في المنظومة الاقتصادية المتكاملة، ونقصد بالمنظومة هنا الشبكات أو الشراكات التي تجمع بين قطاعات مختلفة، فبفضل هذه المنظومة، يتم تقليص العوائق التي تواجه الشركات الجديدة ويتيح لها فرصة أكبر للتنافس والنمو.
وهناك نسبة تصل الى ستين في المئة من المستهلكين في أوروبا يعبرون عن استعدادهم لشراء الخدمات من تجار التجزئة الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الثقة والموثوقية، يمكن أيضاً للشركات أن تستفيد من العمليات أو الصفقات التي تتم بينها، على سبيل المثال، التعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف في قطاع التجزئة يعد فرصة لزيادة الإيرادات الإضافية وتحسين هوامش التشغيل، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه العمليات أن تساهم في توليد رؤى جديدة وقيمة للمستهلكين، حيث يتم توفير خدمات ومنتجات متكاملة ومتعددة من خلال التعاون بين الشركات المشاركة.
وفي النهاية فانه في عالم اليوم، يواجه المستهلكون تحديات متزايدة وقد تعددت أيضاً تطلعاتهم، مما يجعلهم أكثر تطلبًا وأقل استعدادًا لتقديم التنازلات، وبالمثل، يتعين على الشركات أن تتكيف مع واقعنا المليء بالتحديات، إذا اتخذت الشركات موقفًا صارمًا وملتزمًا تجاه الضرورات الثلاث المذكورة أعلاه، فإنها ستحقق نموًا أعلى من المتوسط وتحافظ على هوامش ربحية مستدامة.
د. صلاح عبدالجابر العربي خبير الادارة والتسويق للشركات الصغيرة والمتوسطة يمكنكم التواصل معه على واتساب 01111323016