آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

علياء نصر تكتب لـ”بوابة الاقتصاد”: وذَكِّرْ فَإِن الذِكرى تنفع (المتحضرين) .. ماذا تعني كلية الآداب؟

من البديهيات ما لايحتاج إلى إيضاح، لكن أحيانا تضطرنا ظروف عرجاء في الأيام السوداء إلى بيان ما لايسع إنسانا جهله.. فأعاننا الله على نوائب زماننا وفواجع ما نلقى في أيامنا ،وفي التلميح غنى عن التصريح، والإشارة أبلغ من العبارة، وفي مثل هذه البلوى لا يسعنا منها إلا أن نذَكِّرْ.. فَإِن الذِكرى تنفع (المتحضرين) .. ماذا تعني كلية الآداب؟… في المجتمعات الراقية ،يكون معيار التحضر وتقدم المجتمعات هو مقدار اهتمام المجتمع بالآداب والفكر والفنون ،وبمدى رعاية الدولة للعلوم الإنسانية وتقديرها لدورها العميق في الحضارة الإنسانية ،فحينما تسري روح الثقافة والفكر والفنون والآداب في مجتمع فإن ذلك يضمن أهليته لأن يكون مشعلا للحضارة الإنسانية أو على الحد الأدنى مواكبا لتقدم الحضارة الإنسانية ،وتفضي بالحتمية لخلق رواد في كافة المجالات قاطبة،..ولا عجب،فمن رحم الآداب خرجت العلوم الإنسانية والتي كثيرا ما كانت موجهة للعلوم العلمية وحتى بعض العلوم البينية، فكم من نظرية علمية ابتدرها خيال أديب،وأكم من قضية علمية ابتدعها فكر فيلسفوف،..وقديما كان الكاتب والأديب في حضارتنا المصرية القديمة يشغل أرقى المناصب،وفي العصور الذهبية للعلوم كان الأديب عالما ، و الفيلسوف طبيبا، و الفنان مخترعا،قبل أن تدول دولة الحضارة،فتعقبها دول الجهل، ولولا العلوم الإنسانية لانحطت الشعوب وتحولت إلى مخلوقات هائجة مهما حازت وأحرزت من العلوم العلمية،حكمة أدركها عالم الكيمياء( نوبل) مخترع الديناميت حينما فطن إلى خطورة الاهتمام_الكارثي_ بالعلوم العلمية وإغفال دور العلوم الإنسانية ،فنذر ثروته جائزة للمبدعين في مجالي العلوم الإنسانية والعلمية على السواء ،وهو مما أدركه من خطورة إغفال العلوم الإنسانية والتركيز على العلوم العلمية ،العلوم الإنسانية هي الضابط الموجه للعلوم العلمية،تحركها سموا لنفع البشرية لا لدمارها، فالعلوم العلمية دون العلوم الإنسانية كالثور الأهوج ،ولا غرو،فلا يهذب نفوس العلماء ولا يزكيها إلا الأدباء، فبالآداب تقوم اعوجاج العلوم العلمية،ويتقى انحرافها واتجاهها الأرعن نحو الدمار واللاأخلاقية،فبها ترتقي الروح ويسمو الوجدان، وبها امتاز الإنسان على غيره من الكائنات،فالإنسان حيوان مفكر مبدع ،…وحينما نتحدث عن صرح الحضارة الإنسانية ،المعقل الأول للتعليم الجامعي في مصر ،محراب العلوم الإنسانية ،بؤرة الثقافة والعلوم،ومفرخة العظماء في السياسة ،ومصنع روادالفن والفكر والأدب ليس على الصعيد المصري فحسب وإنما على المستويين العربي والعالمي، فإننا حتما نتحدث عن.. كلية الآداب، فخر الجامعات المصرية والتي يراد لدورها الحضاري الكبير التقزيم والتقليص،..فإن مجتمعا يشجع الشباب على العزوف عن دراسة العلوم الإنسانية طلبا للمادة ومقتضيات سوق العمل الذي لا يسع أغلب خريجي الجامعات بالأساس حتى دارسي العلوم العلمية منهم،فكم من عاطل من خريجي كليات العلوم والتجارة وغيرهم لهو مجتمع ينحدر إلى أحط درجات السلم الحضاري الإنساني، وهو ما يجعله حقيقا بأن تدير له الحضارة الإنسانية كافة ظهرها، وما أسوأ أن يتحول طلب العلم إلى مجرد وسيلة للكسب يفاضل فيها الطالب بين الأقسام والكليات بمعيار واحد هو معيار الكسب المادي والحصيلة المالية،الأمر الذي يزري بالحضارة والثقافة والآداب،ويهون من شأن العلم ويهبط بكفته أمام كفة المكاسب المادية ،وهي بلاشك أولى خطوات انهيار الحضارات،وقديما _في عصور الحضارة الذهبية_كانت الدولة توقف أوقافا للنفقة على طلاب العلوم الإنسانية وتتعهدهم بالرعاية لفطنتها لعظم دور المؤدبين والفلاسفة والمفكرين في قيام الحضارة الإنسانية. فلننظر شذرا إلى هذا الصرح الحضاري الكبير (كلية الآداب) وتاريخها المشرف،وبعض ممن أفرختهم تلك المؤسسة العلمية الكبيرة.. إن كلية أفرخت قامات أدبية _وإن اختلفت معهم _فأخرجت لنا باقة من الأدباء والمفكرين وعلماء النفس والاجتماع والنقاد والمترجمين ورواد الحركة التنويرية، كلية خرجت طه حسين وسهير القلماوي ولطيفة الزيات ، ثم و فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة زكي نجيب محمود (محاضرا فيها ومخرجا أجيال) وغيرهم ممن يعيينا حصرهم ،(ومهما كان من أمر اتفاقك أو اختلافك معهم هذا لا ينفي عنهم كونهم علامات في سماء الفكر )،إن صرحا للحضارة الإنسانية كتلك الكلية العظيمة حرية بأن تكون محط تقدير ومحل رعاية واهتمام، وبها فليفخر كل والد ووالدة اختار أبناؤهم أن ينالوا شرف النهل من معين علومها الحضارية الإنسانية ،ليكونوا بعلمهم نبراسا هاديا ومذكيا لغيرهم من البشر.. فأدام الله على مصر مهد الحضارة والآداب والفنون_ منذ آلاف السنين_ نعمة الارتقاء والسمو ،ورد إليها دورها الريادي ،وهدى أبناءها للإعلاء من قيمة العلوم الإنسانية وإحقاق حقها وتقديرها وإجلالها. فلله در العلم كيف ارتقت به، عقول أناس كن بالأمس بلّها. غذاها نمير العلم من فيض نوره، جلت عن محياها المتوج بالبها.

زر الذهاب إلى الأعلى