مصر وافريقيا والتعاون متعدد الأطراف
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
خبير العلاقات الدولية وعضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
بوابة الاقتصاد
تشهد العلاقات المصرية الأفريقية خلال السنوات الأخيرة تطورات كبيرة على المستويات كافة ونجحت الدولة المصرية في استعادة دورها الريادي داخل القارة الأفريقية ، ويأتي ذلك في إطار حرص مصر على العودة للدور الريادي في قارة أفريقيا وتعزيز التعاون الثنائي بينها وبين كل دول القارة، وكذا تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل والاستفادة من الفرص المشتركة لتعميق التعاون في مختلف المجالات ، وإقامة روابط أكثر قوة بين المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في مصر والدول الأفريقية.
ويمثل تعزيز التعاون الثنائى بين مصر وافريقيا الشرط اللازم للتكامل الافريقى ، أما الشرط الكافى يتمثل فى التعاون الثلاثى بين مصر وافريقيا والمؤسسات الدولية التنموية والاتحاد الاوربى والصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والهند وتركيا واليابان والبرازيل وغيرها من الدول وقد تجسد ذلك فى حرص الرئيس على المشاركة فى كافة الفعاليات الافريقية، وأيضا مشاركة رئيس الوزراء المصرى فى منتدى الصين / افريقيا الذى عقد فى الصين وعلى هامشه وقعت مصر مشروعات مع الشركات الصينية بحوالى 1 مليار دولار أمريكى وكذا مشاركة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى منتدى افريقيا / اندونيسيا وحرص مصر على المساعدة فى احداث تنمية شاملة ومستدامة فى افريقيا.
وبالرغم من جهود مصر لحَشْد الموارد المالية في المجالات ذات الأولوية للقارة الافريقية وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية وتفعيل الرابط الثلاثي بين السلم والأمن والتنمية إلا أن افريقيا مازالت تُواجه تحديات أمنية واقتصادية وتنموية عدة بسبب المشكلات البنيوية ومن بينها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بالإضافة إلى استمرار تفشي ظاهرة الإرهاب والنزاعات المسلحة في عدد من الدول ، وعدم قدرة القُوى الكبرى على معالجة مكامن الخلل في النظام الاقتصادي والمالي العالمي، والتي أفضت إلى زيادة الفجوة بين الشمال والجنوب، ومستقبلا قد توجد فجوة تنموية بين دول الشرق الآسيوى وافريقيا مما ألقى بظلاله على معدلات التنمية والأداء الاقتصادي في أفريقيا.
وأقرت القمة الأفريقية الأخيرة في فبراير 2024 الخطة العشرية الثانية لتنفيذ أجندة النيباد ٢٠٦٣، والتي اختير لها عنوان “تسريع وتيرة التنفيذ” ولن يتأتى ذلك إلا بجهود وسواعد الجميع، وبالتعاون مع شركاء البلدان الأفريقية حول العالم وفقاً للأولويات الأفريقية، وبما يُحقق التطلعات المشروعة لأبناء القارة في التنمية والأمن والاستقرار ، وإطلاق العنان للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي تزخر بها القارة الأفريقية، فضلاً عن تعزيز العلاقة بين السلام والتنمية، إلى جانب دعم قدرة القارة على الصمود والتكيف مع الصدمات الخارجية.
وتتمثل جهود مصر نحو افريقيا فى إيلاء الأهمية لجهود حَشْد الموارد المالية في المجالات ذات الأولوية بالنسبة للقارة، وعلى رأسها مشروعات البنية التحتية في إطار برنامج تنمية البنية التحتية الأفريقية PIDA، وممرات البنية التحتية الخضراء، فضلاً عن خطة الطاقة الرئيسية القارية، وكذلك تنفيذ السياسة الزراعية الأفريقية المشتركة، وغيرها من المبادرات ذات الأولوية، والتنسيق مع مُفوضية السلم والأمن والشئون السياسية بالاتحاد الأفريقي، ومركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بحيث تُحقق تلك الجهود والشراكات الهدف الرئيسي منها، وهو خدمة أولويات ومصالح القارة وشعوبها التنموية، بما في ذلك حث القوى الاقتصادية الكبرى على تنفيذ وعودها التمويلية الكبيرة، وإيجاد سبل ووسائل مبتكرة لتنفيذ المشروعات القارية ذات الأولوية لتحقيق الاندماج القاري والإقليمي مثل الممر الاستراتيجي بين القاهرة وكيب تاون، ومشروع سد إنجا”.
كما أنه من المهم أيضاً توظيف انضمام الاتحاد الأفريقي مؤخراً لمجموعة العشرين (G20)، باعتباره خطوة هامة في الطريق الصحيح نحو تعزيز صوت القارة في المناقشات الجارية حول إصلاح الهيكل المالي العالمي، وإعادة تشكيل الإطار التمويلي لأفريقيا، واستحداث آليات تمويل جديدة مُبتكرة وفعالة ، فضلاً عن التعامل بالجدية والسرعة الواجبة مع إشكالية ديون الدول الأفريقية التي أخذت في الآونة الأخيرة أبعاداً خطيرة نتيجة ارتفاع خدمة الدين بشكل كبير.
ان مصر خطت خطوات هامة لإعادة ضبط المسافات من القاهرة إلى غالبية أو كل العواصم الإفريقية،ويمكن القول إن العلاقات المصرية الإفريقية مرت بثلاث مراحل؛ الأولى في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، حيث ساند الثورات التحررية وبلغت الدبلوماسية المصرية شأنا عاليا في ذلك الوقت، وحققت مصر مصالح استراتيجية في العمق الإفريقي، ثم جاءت مرحلة الرئيس أنور السادات والذي انشغل كثيرا بمعركة تحرير الأرض ثم معركة السلام، ومع وصول الرئيس مبارك بدأت العلاقات تفتر شيئا فشيئا إلى أن جاءت محاولة اغتياله في أديس أبابا في يونيو 1995 ليتوارى الملف الإفريقي عن اهتمامات مصر الرسمية.
وبعد ثورة 30 يونيو 2013، بدأت مصر استفاقة حقيقة تجاه العالم الخارجي وافريقيا ، وعادت الأكاديميات العسكرية والأمنية المصرية محجا لكبار ضباط القوات المسلحة والشرطة من كافة الدول الإفريقية وأدرك العالم أن مصر قد تحولت مجددا إلى الرقم الصعب في القارة الإفريقية.
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
خبير العلاقات الدولية وعضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة