د. محمد حامد محمد سعيد يكتب: وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين .. آداب يوم العيد
بوابة الاقتصاد
*وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين**(آداب يوم العيد)* بقلم أد/** **محمد حامد محمد سعيد – الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين وعلوم القرآن – جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UNISHAMS) – ماليزيا
معلوم أن الأمة الإسلامية أكرمها الله تبارك وتعالى بيومي عيد الفطر وعيد الأضحى، والمتأمل في هذين اليومين يجد أن كليهما جاء بعد أداء المسلمين لفريضة فرضها الله تعالى على عباده، فعيد الفطر جاء بعد أداء المسلمين لفريضة الصيام في شهر رمضان، والتي يقول الله تعالى فيها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وعيد الأضحى جاء أثناء أداء فريضة الحج من حجاج بيت الله الحرام، والتي يقول الله تعالى فيها: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} وكأن الله تعالى يريد أن يكافأ عباده المسلمين بالفرح والسرور بعد التعب والعناء والمشقة في أداء هاتين العبادتين، فعن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فقال:”قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما، فإن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما، يوم الفطر، ويوم النحر”،
وفي كتاب الفتح الرباني ما نصه:”يومي الفطرِ والنحرِ تشريع الله تعالى، واختياره لخلقه، ولأنهما يعقبان أداء ركنين عظيمين من أركان الِإسلام، وهما: الحج والصيام، وفيهما يغفر الله للحجاج والصائمين، وينشر رحمته على جميع خلقه الطائعين”. وهناك بعض الآداب التي شرعها الشارع للمسلم والتي يُستحب له أدائها يومي العيد نذكر بعضاً منها على سبيل الإجمال تبركاً واستعداداً ليوم عيد الفطر المبارك –أعاده الله تعالى على الأمة الإسلامية باليمن والخير والبركات- فمن ذلك: *أولاً: صدق النية مع الله تعالى ومع الأهل في الفرح بيوم العيد:* من الناس من يدخل العيد عليه ويخرج وليس في نمط حياته أي تغييرات، فهذا الفعل ليس مقرراً في الإسلام، وإنما المستحب أن يغيّر المسلم من نمط حياته في يوم العيد إظهاراً لفرحه وسعادته مع أسرته، وتجديد النية مع الله عزوجل بالفرح والسرور بما فرح به رسولنا صلى الله عليه وسلم، يذكر ابن عابدين في حاشيته:”وَلِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَالنَّشَاطُ وَالْحُبُورُ غَالِبًا”، وصدق الله تعالى حينما قال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. *ثانياً: الاغتسال ليوم العيد صلاته:* من الهدي الإسلامي أن المسلم دائماً نظيف الداخل والخارج فنظافة الداخل لا يعلمها إلا الله تعالى كنظافة القلب من الغل والحقد والحسد والبغضاء والكراهية …وخلاف ذلك، أما نظافة الظاهر الخارج فهذا أمر يعلمه ويشاهده ويلاحظه كل المحيطين بالمسلم، وهذا ما ندب إليه الشارع الحنيف من استحباب الاغتسال يومي العيد ويوم الجمعة وسائر المناسبات الدينية، والنظافة للمسلم بشكل عام، وفي هذا المعنى ورد عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أنه كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى”، وفي كتاب الأم للإمام الشافعي أن سيدنا علي بن أبى طالب:”كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ”، وعن سعيد بن المسيّب أنَّه قال:”سنّة الفطر ثلاث: المشي إِلى المصلَّى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال”، فهكذا من مجموع الأقوال سالفة الذكر استحب العلماء للمسلم أن يغتسل يوم العيد، حتى يكون بدنه ومظهره العام مناسباً للمناسبة الإسلامية العظيمة ألا وهي يوم العيد. *ثالثاً: الإفطار على تمرات قبل الذهاب لصلاة عيد الفطر، والتأخير في عيد الأضحى حتى يأكل من أضحيته.* فعن أَنسٍ قالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يَغدُو يومَ الفِطْرِ حتى يأكُلَ تَمراتٍ ويأكُلُهُنَّ وِتْراً”، قال ابن بطال:” الأكل عند الغدو إلى المصلى سنة مستحبة عند العلماء تأسيًا بالنبي عليه السلام، وروى عن على، وابن عباس أنهما قالا: من السنة ألا تخرج يوم الفطر حتى تطعم، وهو قول عامة العلماء”، إذا فمن الهدي النبوي تنفيذ السنة بالأكل بعضاً من التمرات عدد وتر يعني واحدة، أو ثلاثة، أو خمسة، قبل الذهاب للمصلى، فكل هذه الأمور أمور مستحبة يكفينا فيها سنة الاتباع لهدي نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب المنتقى شرح الموطإ مسألة كاملة عن هذه –الأكل قبل الصلاة-:”وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِطْرُهُ عَلَى تَمْرٍ إنْ وَجَدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا، وعن مَالِكُ بْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ،(ش): قَوْلُهُ إنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ إشَارَةٌ إلَى عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إلَى عَصْرِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ سُنَّةٌ مَأْمُورٌ بِهَا إمَّا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لِأَنَّ أَئِمَّةَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَائِعًا فِيهِمْ دُونَ نَكِيرٍ وَلَا مُخَالِفٍ وَلَا تَغْيِيرٍ” *رابعاً: التكبير في يوم العيد:* التكبير في يومي العيد دلالة ربانية وهدي نبوي وضع أساسه القرآن الكريم من خلال قوله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وفي مصنف ابن أبى شيبة «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ، فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى، وَحَتَّى يَقْضِيَ الصَّلَاةَ، فَإِذَا قَضَى الصَّلَاةَ، قَطَعَ التَّكْبِيرَ”، قال الألباني: “وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهْرًا في الطريق إلى المصلى، وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة, حتى كادت أن تصبح في خبر كان، وذلك لضعف الوازع الديني منهم، وخجلهم من الصَّدع بالسنة والجهر بها”، فيستحب للمسلم التكبير في بيته وطريقه ومسجده وسوقه وفي كل مكان إشعاراً بيوم العيد، وإحياء للهدي النبوي، وفي مصنف ابن أبى شيبة ما يؤكد هذا المعنى فعن:”الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ فِي الْعِيدِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُصَلَّى، وَحَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ سَكَتُوا، فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرُوا”، ووقت التكبير في صلاة عيد الفطر يبدأ من غروب شمس أخر يوم من شهر رمضان ويستمر حتى صعود الإمام المنبر لأداء خطبة العيد، قال الإمام الشافعي:”فَإِذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُكَبِّرَ النَّاسُ جَمَاعَةً، وَفُرَادَى فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَسْوَاقِ، وَالطُّرُقِ، وَالْمَنَازِلِ، وَمُسَافِرِينَ، وَمُقِيمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَأَيْنَ كَانُوا، وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ، وَلَا يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حَتَّى يَغْدُوَا إلَى الْمُصَلَّى، وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِير”. *وللحديث بقية مع باقي آداب يوم العيد في مقال قادم قريب إن شاء الله تعالى.*