آخر الاخباراقرأ لهؤلاءمنوعات

د. محمد أحمد حسن يكتب: رمضان شهر الانتصارات

بوابة الاقتصاد

رمضان شهر الانتصارات :
في تاريخ الأمم أيام خالدة لا تنسى , وتظل الأمة في حاجة إلى تذكرها واستلهام دروسها وعبرها , يقول تعالى :” وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ” ( ابراهيم : الآية 5) . والحديث عن الانتصارات التي حدثت في هذا الشهر الكريم لا يتسع المقام لتفصيله , فقد ارتبط شهر رمضان الفضيل بالانتصارات والفتوحات الإسلامية بداية من غزوة بدر والتي أطلق عليها القرآن الكريم ” يوم الفرقان ” وحتى نصر أكتوبر سنة 1973م العاشر من رمضان سنة 1393ه. بل يمكن القول :أن أكثر المعارك الفاصلة في حياة الدعوة الإسلامية إنما وقعت في هذا الشهر. وسيكون حديثي موجزًا عن بعض هذه الانتصارات في هذا الشهر الكريم , والذي يدل على نهج السلف في هذا الشهر فالصوم لا يدعو إلى الكسل و بل هو قهر للطغيان بكل أشكاله , طغيان النفس و طغيان العدو .

احمد حسن 2
احمد حسن 2


غزوة بدر :
في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة كانت غزوة بدر الكبرى التي سماها الله فرقانًا , وقادها خير البرية صلى الله عليه وسلم , وجعلها المولى سبحانه آية على تأييده لنبيه وللمؤمنين , وذلك عندما أخذ المسلمون بأسباب النصر ؛ من صدق الإيمان , وحسن التوكل على الله , واليقين في وعده . وإعداد العدة والصبر عند اللقاء, ففي هذا اليوم التقى الحق بالباطل والتوحيد بالشرك . والإسلام الحنيف بالوثنية , وفي هذه المعركة حُطمت كل القوانين المادية , فغلبت القلة الكثرة , وسطرت هذه الغزوة قاعدة يجب على الأمة ألا تغفل عنها وتجعلها نصب أعينها ألا وهي ” أن النصر مع العقيدة وليس مع الكثرة ” ففي هذا اليوم تقطعت كل العلائق الدنيوية ؛ فقاتل الأب ابنه , والأخ أخاه , ولم يبق إلا رباط العقيدة هو وحده الذي يربط بين المسلمين, لقد كانت غزوة بدر أعظم غزوة علت فيها كلمة الإسلام , وتجلت أنواره , ولهذا غفر الله لكل من شهدها من الصحابة , كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ‌عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ‌عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا يَا حَاطِبُ، قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»( رواه البخاري في صحيحه : رقم 4890),

احمد حسن
احمد حسن


إن المسلمين في هذه الغزوة كانوا قليلي العدد والعتاد , وكانت عدوعهم كثير العدد والعدة , لكنهم حاربوا طاعة لنبيهم صلى الله عليه وسلم , ودفاعًا عن دينهم وعقيدتهم يقول تعالى :{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‌‌ } (آل عمران :123) قال الطبري في تفسيرها :” يعني بذلك جل ثناؤه: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا، وينصركم ربكم، “ولقد نصركم الله ببدر” على أعدائكم وأنتم يومئذ =”أذلة” يعني: قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوكم، مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عددًا منكم حينئذ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، “فاتقوا الله”، يقول تعالى ذكره: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه “لعلكم تشكرون”، يقول: لتشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضلّ عنه مخالفوكم”.
لم يتوقع المسلمون النصر يوم بدر ويدل على ذلك قوله تعالى : إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ “( الأنفال : 9)  ويقول تعالى :” “وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ”  ( الأنفال : 10) يقول تعالى :”يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ”  ( محمد : 7-8),
فالله تعالى لا يؤتي نصره إلا لمن أخلص له وحده. لذا وقف النبي صلى الله عليه وسلم ينادي على قتلى قريش الذين غرتهم قوتهم وقتلهم جهلهم وكفرهم , قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: ‌يَا ‌أَهْلَ ‌الْقَلِيبِ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيَّةُ بْنَ خَلَفٍ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، فَعَدَّدَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا ؟ قَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أنُ يُجِيبُونِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: ‌يَا ‌أَهْلَ ‌الْقَلِيبِ، بِئْسَ عَشِيرَةُ النَّبِيِّ كُنْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ، كَذَّبْتُمُونِي وَصَدَّقَنِي النَّاسُ، وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النَّاسُ، وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟
غزوة الخندق:
في شهر رمضان من السنة الخامسة من الهجرة كان الاستعداد لغزوة الخندق ” الأحزاب , وقد انتصر فيها المسلمون بفضل ربهم ورحمته بغير قتال ولا معركة يقول تعالى :” وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا ” (الأحزاب : 25) 
فتح مكة :
في شهر رمضان من السنة الثامنة من الهجرة كان الفتح الأعظم فبعد صراع طويل بين الإسلام والكفر , وبعد خيانة قريش لعهودها مع النبي صلى الله عليه وسلم , وبعد أن حُرم النبي صحبه من زيارة البيت الحرام , ها هي مكة كلها تستسلم ويدخلها النبي فاتحًا , وعلت كلمة الله في جنباتها , ويصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت العتيق ويستلم الحجر ويطوف وهو يردد قوله تعالى “وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا” ( الإسراء : 81), وظل النبي في مكة طيلة رمضان , يبعث السرايا إلى الأصنام فتحمطها , وينقاد عبّادها إلى دعوة الحق مذعنين , فقد فتح الجميع أعينهم فإذا هم أمام الأمر الواقع , وأن النصر معقود بألوية الإسلام لا ينفك عنها أبدًا .
نصر أكتوبر1973م- العاشر من رمضان سنة 1393ه:
ويمثل يوم العاشر من رمضان ذكرى لأعظم انتصارات القوات المسلحة المصرية , وهي المعركة التي كان شعارها ” الله اكبر ” وقد تمكن الجيش المصري الباسل من تحطيم خط بارليف المزعوم , على الرغم من أن الجنود صائمون , بل ورفضوا أن يفطروا في هذا اليوم , فهذه الإرادة والعزيمة بعد عون الله هي التي كانت سببًا في النصر , وهي رساله للأجيال القادمة أن الصيام يشجع على العمل والمحاربة والقتال ,
وهذا كله أمثلة رائعة ودرسًا عمليًا لمن يأخذون شهر رمضان رمزًا للكسل والخمول إن أحداث رمضان كثيره لا تحصى , خلاصتها أن الإسلام كان ومازال وسيظل إن شاء الله عدة النصر للمسلمين وسبيل العزة للمؤمنين
د / محمد أحمد حسن ,
مدرس التفسير المساعد –
كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا- جامعة الأزهر .

زر الذهاب إلى الأعلى