اقرأ لهؤلاءسياسة

حمادة إمام يكتب لـ”بوابة الاقتصاد”: في الذكرى السادسة لرحيله حقيقة دور هيكل في “انقلاب مايو 1971”

بوابة الاقتصاد

تظل علاقة هيكل بالسادات لغز احتار الجميع فى تفسيره وفك شفراته فمقدمات العلاقة بينهم جاءت على عكس النتائج التى انتهت اليها والتقارب الذى وصل بينهم لحد الالتصاق بعد وفاة عبد الناصر وتصاعد ليبلغ ذروته حتى اكتوبر1973 شهد مسارات مختلفة بدأت بالقطعية وانتهت بالسجن وما بين كل هذه المراحل كان السؤال الذى يطرح ما هو حقيقة الدور الذى لعبة هيكل فى التخلص من رجال عبد الناصر وهل انحاز للسادات ام انحاز لمصر

صباح الخميس 13 مايو 71 توجه شعراوى جمعة نائب رئيس الوزراء للخدمات ووزير الداخلية إلى مكتبه فى وزارة الداخلية فى لاظوغلى كعادته كل يوم, ودخل إليه مدير مكتبه المقدم فتحى بهنسى ليوقع منه بعض الرسائل العاجلة, وليضع أمامه مثل كل صباح كشف مقابلاته خلال ذلك اليوم, علم أن الرئيس استدعى ممدوح سالم محافظ الإسكندرية ليلتقى به فى منزله, ولم يثر هذا الموضوع شكا فى نفس شعراوى فى بادىء الأمر, ولكن غياب سامى شرف فى منزل الرئيس, وبقاء ممدوح سالم عنده حتى ذلك الوقت جعل الشك يتسرب على نفسه, فتوجه من الداخلية إلى مكتب الفريق أول محمد فوزى فى الطابق العلوى فى مبنى وزارة الحربية بكوبرى القبة, وانتظر الوزيران فى تلهف حضور سامى شرف إليهما, كى يكشف لهما عن سر طلب الرئيس حضوره إلى منزله وسر استدعاء ممدوح سالم محافظ الإسكندرية , وقبيل الخامسة مساءا انقلب شك شعراوى يقينا فى سبب حضور ممدوح سالم , فقد أمدت لهم الأنباء الواردة من منزل الرئيس من أحد أعوانهم هناك أن ممدوح مازال موجودا عند الرئيس, وأن سكرتارية الرئيس اتصلت برئيس الوزراء الدكتور محمود فوزى للحضور وان البحث جار عن صورة من القسم الذى يحلفه الوزراء أمام رئيس الجمهورية, وكذا عن أحد المصورين, وعندئذ سارع شعراوى بالاتصال باللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة, وطلب منه إعدام كل ما يحتفظ به فى مكتبه من أشرطة التسجيل, وكذا الأوراق التى بها تفريغ المحادثات التليفونية المسجلة والخاصة بالأشخاص الموضوعة تليفوناتهم تحت المراقبة

وفى الثامنة والنصف مساء أعلنت إذاعة القاهرة فى مقدمة نشرة الأخبار نبأ استقالة شعراوى جمعة نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية, وأن الرئيس قبل استقالته. وعلى اثر إذاعة الاستقالة بدأ يتوافد على منزل شعراوى جمعة كثير من زملائه الوزراء, ومن أصدقائه ومعارفه, وكان فى مقدمة الذين حضروا إليه الفريق محمد فوزى , و سعد زايد وزير الإسكان, و حلمى السعيد وزير الكهرباء, و محمد فايق وزير الإعلام, الذين سرعان ما استقر رأيهم, وتم اتفاقهم مع سامى شرف , على تقدين استقالاتهم تضامنا مع زميلهم وصديقهم شعراوى

وعندما أذيعت نشرة الأخبار فى الساعة الحادية عشرة مساء من محطة القاهرة استمع الشعب المصرى فى دهشة إلى أنباء الاستقالات الجماعية التى أعلنتها الإذاعة فى صدر نشرتها الإخبارية. فقد اذيع نبأ استقالة الوزراء الخمسة سامى شرف والفريق محمد فوزى وسعد زايد وحلمى السعيد ومحمد فايق وبعد قليل أذيع نبأ استقالة عبد المحسن أبو النور ولبيب شقير و ضياء داود ولم يكن هؤلاء الثلاثة قد قدموا استقالاتهم بعد, ولكن محمد فايق أمر بإذاعة النبأ معتمدا على حديث شعراوى جمعة التليفونى له

كان الغرض من تقديم الاستقالات الجماعية وإذاعتها على الجماهير قبل أن تقدم إلى رئيس الجمهورية – كما ذكر السادات – هو أن يحدث انهيار دستورى للبلاد, وأن تخرج المظاهرات الضخمة فى صباح اليوم التالى والتى سوف يحركها الاتحاد الإشتراكى كى ترهب رئيس الجمهورية, وترغمه على التنحى عن منصبه, أى إعادة الوزراء المستقلين, وبذا تنتهى المعركة الصراع على القوة, ويحسم الوضع لصالح الجماعة التى أعلنت انشقاقها على رئيس الجمهورية.ولكن السادات تصرف إزاء الموقف الخطير الذى يواجهه تصرفا سريعا, ففى اقل من نصف ساعة استدعى محمد عبد السلام الزيات وزير الدولة لشئون مجلس الشعب, وكان قد تعين فى هذا المنصب منذ أيام قليلة, وطلب منه التوجه فورا إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون, وممارسة عمله هناك بصفته وزيرا للإعلام, وكانت فصيلة من الحرس الجمهورى بقيادة أحد الضباط قد أرسلها اللواء الليثى ناصف قائد الحرس الجمهورى إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون المطل على النيل حيث ضربت نطاقا من حوله, وتمركز أفرادها وراء أكياس الرمل الموضوعة حول المبنى وبعد ذلك بدأت عملية القبض على رجال عبد الناصر

رتب مستشارى السادات الاتهامات بطريقة تقود المتهمين الستة الأوائل من الوزراء إلى حبل المشنقة، وهم: شعراوى جمعة، سامى شرف، محمد فائق (الإعلام)، محمد سعد زايد (الإسكان)، حلمى السعيد (الكهرباء)، وعلى زين العابدين صالح (النقل)، فقد نسب إليهم ارتكاب جريمة الخيانة العظمى

هيكل يقول بعد التأكد من وفاة عبد الناصر وكنا في غرفة الصالون الصغير مجموعة متباينة المواقف والأهداف، لكن مفاجأة ومأساة الرحيل رفعت الكل ـ إنصافا للتاريخ ـ إلى مستوى يستحق التسجيل, كان هناك السادة أنور السادات وحسين الشافعي وعلي صبري وشعراوي جمعه وسامي شرف ومحمد أحمد واللواء الليثي ناصف وأنا.وكانت هناك فترة صمت ثقيل، وأحسست أنني أستطيع أن أتكلم. فقد كنت أمام الكل من أقرب الناس إلى جمال عبد الناصر ثم أنني كنت من أبعد الناس عن صراعات السلطة، فالكل يعرف أنني أحصر طموحي كله في إطار مهنتي… وقلت “إن أهم شيء الآن هو الاستمرار وأن نحاول قدر ما نستطيع ملء الفراغ بعده”. ثم قلت : “لابد أن نختار رئيساً يتولى السلطة ـ ولو مؤقتا ـ على الفور. ولابد في اختيار الرئيس أن نتبع قاعدة موضوعة سلفا. فليس الوقت ملائماً لوضع قواعد جديدة ولا هو وقت فتح الباب لصراعات بين الأفراد.وإذا اتفقنا على ذلك، فإن القاعدة الوحيدة التي اعتقد أنها تحكم موقفنا هي الاحتكام إلى الدستور، والشيء الآخر الذي أراه ضرورياً بعد أن نتصرف خطوة خطوة حتى لا نفتح الباب لمساومات وصفقات قد تكون خطيرة في أثرها، أن جمال عبد الناصر كان يشغل ثلاث مناصب رئيسية: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الاتحاد الاشتراكي، ورئاسة الوزارة. وإذا فتحنا ثلاثة أبواب الآن فقد نجد أنفسنا أمام مآزق متشابكة، ولذلك فإنني اقترح أن تكون هناك “خطوة واحدة في الوقت الواحد” وإذن ننتهي من انتخابات رئيس الجمهورية، ثم يجيء دور اختيار رئيس الوزراء، ثم يختار التنظيم السياسي رئيسه “وكان قد أعد بيان إعلان الرحيل، و اقترح أن يتولى أنور السادات بنفسه إذاعة البيان لكي يعرف الناس أن انتقال السلطة قد تم بسلام.

عد تشييع جنازة الرئيس جمال عبد الناصر وانتهاء مراسم توديع الجثمان حيث طلب الرئيس الرومانى شاوشيسكو لقاء كل من السيد على صبرى وأنور السادات كل على حدة. ونقل إليهما رسالة من رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت جولدا ماثير.الرسالة التى نقلها الضيف الرومانى جاء فيها “إسرائيل لن تستغل الموقف الناتج عن وفاة عبد الناصر والتصريحات اليت أدلى بها المسئولون الإسرائيليون بعد وفاة الرئيس هى تصريحات جادة تمثل وجهة نظر الحكومة”هذه الرسالة رد عليها على صبرى ورد عليها السادات.أما رد على صبرى فقال إن مصر تسير على نفس الخط ونفس السياسة التى رسمها عبد الناصر فى التعامل مع الصراع الإسرائيلي ووجهة نظر السادات والذى أكد للرسول الرومانى من خلال إجابات دبلوماسية أن الباب موارب وإمكانية التسوية مرهونة بتغيرات خارجية وداخلية.وجهتا النظر كما وصلتا إسرائيل وصلتا أيضًا إلى المخابرات الأمريكية وكانت التغييرات التى يراها السادات إمكانية تسوية فى الصراع العربى الإسرائيلى تتطلب إحداث تغييرات داخلية تتمثل أولا: فى التخلص من العناصر الناصرية المتشددة فى قيادات الحكم ,وفى السياق ذاته كان لا بد وأن يتم تأمين الجبهة الخارجية خوفًا من قيام إسرائيل بأي مغامرات على الحدود المصرية. حتى إذا انتهت هذه المرحلة يدخل السادات فى المرحلة الثانية وهى مرحلة تغيير مصر الناصرية إلى مصر الساداتية

في الثالث من أكتوبر 1970 كتب هيكل للرئيس السادات استقالته من الوزارة، وبعث بها إليه، وحاول السادات ملحا إقناعه بالعدول عنها، كانت وجهة نظره أنه في حاجة إلى هيكل، ثم من ناحية أخرى قال له: “ماذا يقول الرأي العام إذا عرف أن أقرب الناس إلى جمال عبد الناصر استقال بعد ثلاثة أيام من رئاسة السادات”. وكانت وجهة نظر هيكل، أنه موجود تحت تصرفه، وأنه لا يستقيل إلا من الوزارة ولكنه باق في الأهرام، وهناك في حقيقة الأمر مكانه الطبيعي، وأضاف له: ” إنني ألمح من بعيد صراعات سلطة، فإن الكل بدأ يفيق من الصدمة، وفي الأهرام أستطيع أن أكون بعيداً عن الصراعات، ثم إنني من هناك أستطيع ـ أكثر مما أستطيع في الوزارة ـ أن أشارك في حوار الحوادث والتطورات طليق اليد ومتحرراوبعد مناقشات امتدت معه ست ساعات طلب منه ـ مادام مصراً على الاستقالة ـ أن يبقى معه حتى يتم الاستفتاء على رئاسته، وهو ما حدث فعلا، حيث بقي في الوزارة إلى ما بعد أيام الاستفتاء على السادات لكي يكون “مشرفاً على إدارة الحملة الانتخابية لرئاسته في وجه تيارات كان لها في ذلك الوقت آراء معاكسة”.ويعتقد هيكل أنه لعب “دوراً مؤثراً ـ سواء كوزير للإرشاد أو كعضو في مجلس الأمن القومي وقتها، أو كرئيس لتحرير الأهرام ـ في المداولات والمشاورات السياسية التي أدت إلى اختيار السادات رئيساً للجمهورية بعد رحيل جمال عبد الناصر”ويعلل هيكل فيما بعد مساندته للرئيس السادات قائلا: “وأظن أيضاً أنني لم أكن غافلاً عن بعض أسباب القصور فيه لكني تصورت أن أعباء المنصب ووقر المسؤولية سوف تقوى كل العناصر الإيجابية في شخصيته، وسوف تساعده في التغلب على جوانب الضعف فيها، كان في ذهني باستمرار نموذج الرئيس الأمريكي هاري ترومان

سامي شرف يشرح هذه النقطة قائلا: “حتى آخر لحظة كان من الصعب أن نحدد موقع محمد حسنين هيكل، لغاية الفترة الممتدة من 20 ابريل إلى 15 مايو 1971، حيث تأكد لي شخصياً ذلك. ففي يوم 19 أو 20 ابريل كنت والراحل شعراوي جمعة (وزير الداخلية) في مكتب هيكل، الذي طرح موضوعاً قال في آخره “أنت رئيس الوزراء القادم يا شعراوي”. أنا فوجئت بهذا الخبر، بينما سعد به شعراوي، وعندما خرجنا من عند هيكل قلت له “إيه الكلام ده يا شعراوي، هو هيكل حيعينك أنت رئيس الوزراء!” لكنه سكت، وفي اليوم الموالي قابلته وقلت له ” لقد فكرت طوال البارحة، واستنتجت أن هناك عملية “تخدير” لك، ذلك أن هيكل رشح الدكتور فوزي لرئاسة الوزارة واعتقد، أن أهم دور قام به هيكل في انقلاب مايو 1971 تمثل في تخدير شعراوي جمعه، حيث لم يكن على المسرح سواه،

كانت عملية التخلص من العناصر الناصرية المتشددة ليست بالعملية السهلة وتتطلب عملية تأمين داخلي تتواكب مع عملية التأمين الخارجي الذى تعهدت به من قبل إسرائيل ممثلة فى الوعد الرومانى وحسن النوايا الأمريكية والتى نقلتها السعودية إلى مصر.وفى مارس 1971 وضع السادات خطة للتخلص من رفاق عبد الناصر. واختار شهر مارس لتنفيذ مخططه وكانت له دوافعه وأسبابه. حيث دخل السادات معركة لاستعراض القوى بينه وبين من أطلق عليهم مراكز القوى وأراد أن يرفض الصيغة التى طرحت عليه بأن يملك ولا يحكم

زر الذهاب إلى الأعلى