لماذا قرر “البنك المركزي المصري” تثبيت الفائدة رغم ارتفاع التضخم؟
بوابة الاقتصاد
تماشياً مع التوقعات، أعلنت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، تثبيت أسعار الفائدة، على الرغم من استمرار موجة ارتفاعات الأسعار وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات كبيرة.
وكانت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري قد قررت في اجتماعها السابق في 19 مايو (أيار) الماضي، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 11.25 في المئة و12.25 في المئة و11.75 في المئة على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والحسم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 11.75 في المئة.
وكانت هذه المرة الثانية التي يقوم فيها المركزي المصري برفع أسعار الفائدة خلال عام 2022، حيث قام برفع أسعار الفائدة 100 نقطة أساس في اجتماع استثنائي في 21 مارس (آذار) الماضي، كما سمح بتصحيح سعر الصرف عبر خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.
وتسعى الحكومة المصرية إلى احتواء أكبر موجة تضخم تشهدها البلاد منذ الموجة السابقة التي أعقبت بدء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016، والتي بدأت بتعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وإعادة هيكلة منظومة الدعم، ووقتها لامس التضخم مستوى 35 في المئة، لكنه ظل يتراجع إلى أن سجل مستوى خمسة في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فقد وصل معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات خلال مايو الماضي، مسجلاً 13.5 في المئة، وأدى ارتفاع أسعار السلع العالمية وخفض قيمة الجنيه إلى الضغط على أسعار المستهلكين، ليقفز التضخم متجاوزاً مستهدف البنك المركزي البالغ 7 في المئة (±2 في المئة).
لماذا توقع المحللون تثبيت أسعار الفائدة؟
وكانت عالية ممدوح، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار “بلتون”، قد كشفت في مذكرة بحثية حديثة، أن الأثر الكامل لرفع أسعار الفائدة على التضخم سيستغرق وقتاً للانعكاس بشكل كامل. أضافت، “نتوقع إبقاء البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة من دون تغيير خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل”، بينما رجحت إدارة البحوث بشركة “أتش سي” للأوراق المالية والاستثمار، أن تبقي لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري سعر الفائدة من دون تغيير خلال اجتماع هذا الأسبوع.
وقالت مونيت دوس، محلل أول الاقتصاد الكلي وقطاع الخدمات المالية بشركة “أتش سي”، “جاء التضخم أقل من توقعاتنا عند 14 في المئة على أساس سنوي ونتوقع متوسط تضخم عند 14.4 في المئة على مدار الفترة المتبقية من العام، وهو أعلى من المستهدف من قبل البنك المركزي المصري عند سبعة في المئة (±2 في المئة) للربع الرابع من 2022”. أضافت، “نعتقد أن التضخم متأثر بالأوضاع الخارجية إلى حد كبير، ويعكس بعض النقص في المنتجات بسبب قلة التصنيع المحلي وانخفاض الاستيراد، وجاء مؤشر مديري المشتريات في مصر عند 47.0 في مايو الماضي، حيث تشير البيانات إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وتراجع أحجام طلبات التوريد الجديدة بأسرع وتيرة منذ عام 2020، وانخفاض الطلب على مدخلات الإنتاج وكذلك معدل العمالة والتوظيف”.
الإنفاق الاستهلاكي
وذكرت أن الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري ضعيف إلى حد كبير، مع توجيه جزء كبير من السيولة إلى الودائع المصرفية ذات العائد المرتفع، وفي أبريل (نيسان) 2022، ارتفعت الودائع بالعملة المحلية إلى 66 في المئة من إجمالي الناتج المحلي من مستوى ما قبل الوباء البالغ 49 في المئة في أبريل من عام 2019.
ومع ذلك، فقد ظل الائتمان المحلي لقطاع الأعمال الخاص منخفضاً عند 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في أبريل 2022، بارتفاع طفيف عن 16 في المئة تقريباً في أبريل 2019، وأقل من مستواها قبل ثورة 2011 عند مستوى 26 في المئة خلال أبريل من عام 2010. وأشارت إلى أنه بالنظر إلى ديناميكيات الاقتصاد الحالية، نعتقد أن المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة لن تثبت فعاليتها في مكافحة التضخم ويمكن أن تأتي بتأثير عكسي من خلال تثبيط الإنتاج، ما يؤدي إلى مزيد من النقص في العرض.
أضافت مونيت دوس، “ما زلنا نعتقد أن التدفقات المستفيدة من فوارق الأسعار ضرورية لدعم صافي الاحتياطي الأجنبي في مصر بالنظر إلى انخفاضها الأخير إلى 35.5 مليار دولار في مايو من 40.9 مليار دولار في فبراير، وانخفاض الودائع بالعملات الأجنبية غير المدرجة في الاحتياطي الرسمي إلى 1.04 مليار دولار في مايو من 9.2 مليار دولار في فبراير، واتساع صافي مركز التزامات القطاع المصرفي المصري من العملة الأجنبية إلى 12.7 مليار دولار في أبريل من 3.29 مليار دولار في فبراير (شباط)”.
“فيتش” تخفض توقعات نمو الناتج المحلي
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، كشفت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، عن خفض توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 4.4 في المئة، العام المالي المقبل 2023-2022، مقارنة بتوقعاتها السابقة عند 5.5 في المئة، قائلة إن النمو سيتباطأ خلال العام المالي المقبل بسبب الضغوط التضخمية، وذكرت الوكالة في تقرير حديث، أن التقديرات تشير إلى أن النمو قد تباطأ إلى مستوى 3.6 في المئة في النصف الأول من عام 2022 وسيستمر في التراجع خلال الأرباع المقبلة إذ يؤثر التضخم من خانتين على دخل الأسر، وكذلك تباطؤ الاستثمار وتأخر التعافي الكامل في قطاع السياحة.
وقالت وكالة “فيتش”، إن لديها “نظرة تشاؤمية للاقتصاد الكلي” لمعظم دول شمال أفريقيا بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. أضافت أن الدول الأكثر تضرراً ستكون تلك المستوردة الصافية للنفط في المنطقة وهي المغرب ومصر وتونس، حيث تؤثر الأزمة على نشاطها الاقتصادي والعجز المالي والخارجي، ورجحت الوكالة أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لشمال أفريقيا من 5.4 في المئة في عام 2021 إلى 4.2 في المئة في عام 2022 و3.8 في المئة في عام 2023، حيث يستمر التضخم والتشديد النقدي في التأثير على الاستهلاك الخاص ويؤثر تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا على الصادرات، وتوقعت معدلات فائدة أعلى في مختلف أنحاء المنطقة، مرجحة أن تواصل البنوك المركزية دورة التشديد النقدي، كما توقعت أن يرفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس إضافية خلال الفترة المتبقية من عام 2022 في محاولة لكبح التضخم المرتفع.