مشكلات سلاسل التوريد.. تدفع المختصين لإعادة النظر بمقاييس الاقتصاد
بوابة الاقتصاد
تتزايد تعقيدات سلاسل التوريد العالمية من الصين وحتى الدنمارك، ما يحفّز إعادة النظر في مواضيع كبيرة وكلّيّة مثل العولمة، وأخرى صغيرة وجزئية مثل كفاءة النقل بالشاحنات حول الموانئ الأمريكية.
وبالنظر إلى الصورة الكبيرة، فقد استغرق الاقتصاد العالمي المتشابك عقوداً ليتماسك، وسيستغرق الأمر أعواماً أخرى حتى يتطور، بغض النظر عن شكل هذا التطور. في غضون ذلك، ينظر الاقتصاديون إلى التحولات ذات المدى القصير والأكثر دقة التي تفرضها الجائحة وحرب روسيا في أوكرانيا وأثرها على الاستهلاك، والاستثمار، والإنتاج، والتجارة.
الكلمة الأخيرة للعرض
يرى بعض المراقبين أن الوقت الحالي هو الأنسب للتركيز على مقاييس مختلفة عن المقاييس التقليدية المتمثلة بالعمالة والأسعار والناتج المحلي الإجمالي.
عن ذلك، قال ستيفن بارو، محلل العملات في “ستاندرد بنك” (Standard Bank): “نحتاج لتغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الاقتصاد العالمي. فلم يعد يتعين علينا ملاحظة النمو والتضخم والسياسة النقدية من منظور الطلب، بل إن جانب العرض هو الأساس”.
قبل الجائحة، كان المعروض من السلع والخدمات هو ما يصفه الاقتصاديون عامة بالجانب “المرن”، لتمتّعه بالقدرة على التغيّر بسهولة للتماشي مع الطلب. وأضاف بارو في مذكرة: “لكن العرض تحول الآن من مرن إلى غير مرن، ما يعني أن استجابته للتغيرات في الطلب باتت أقل بكثير”.
مع أخذ ذلك بعين الاعتبار، إليكم عدداً من التوجهات غير التقليدية الخاصة بالعرض للنظر فيها:
خرائط حرارية
طوّر العديد من الاقتصاديين، بما في ذلك فريق “بلومبرغ”، فهارس أو خرائط حرارية ملونة تظهر درجات الضغط على خطوط الإمداد. وفي مذكرة بحثية هذا الأسبوع، أصدر محللو “بي إن بي باريباس” (BNP Paribas) أحدث أداة لديهم للتعقب، وكانت بعض مؤشرات أبريل تتضمن اللونين البرتقالي والأصفر.
وينظر هؤلاء المحللون إلى المقاييس التقليدية الخاصة بالعرض مثل أوقات التسليم، ونسبة الطلب إلى المخزون، بالإضافة إلى أخذ مقاييس بديلة بعين الاعتبار: مثل معدلات الشحن الجوي، وعدد السفن الراسية خارج ميناء لوس أنجلوس. وكتبوا تعليقاً: “لقد عادت الاضطرابات، وهي موجودة الآن لتبقى”.
حرب أوكرانيا تهدّد تعافي قطاع الشحن البحري
كذلك، يُظهر مقياس “موديز أناليتكس” (Moody’s Analytics) أن الضغوط على العرض في أكبر اقتصادين في العالم: الولايات المتحدة والصين، ما تزال فوق معيار ما قبل الجائحة.
وكانت الاضطرابات الناجمة عن الصراع في أوكرانيا أدّت إلى تفاقم الخطوط البيانية هذه في فبراير، إلا أن اللوم الآن يقع في المقام الأول على المشكلات المتعلقة بإغلاقات كوفيد في الصين، التي أجبرت نسبة تزيد بـ15% من السفن على الانتظار في المياه قبالة موانئ شنغهاي، مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي، وذلك بحسب ستيف كوشرين، كبير الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في الشركة. وأضاف كوشرين أن هذا الوضع يمكنه عكس التحسن في القطاع الذي كان بدأ في الربع الأخير من عام 2021.
تتبّع الموانئ
تمثّل موانئ لوس أنجلوس ولونغ بيتش، الطرف المتلقي لعدد كبير من الشحنات القادمة من الصين، حيث يتعامل المرفآن مع نحو 42% من جميع تجارة الحاويات الأمريكية مع شرق آسيا. فيما يمثّل مؤشراً قلّما يراقب تدفق البضائع، لكنه بالتأكيد يستحق التتبع في الوقت الحالي.
فخلال الشهر الماضي، ارتفعت نسبة حاويات الشحن التي تبقى في هذه الموانئ لأكثر من خمسة أيام من 34.3% في فبراير إلى 38.7%، لتنهي بذلك ثلاثة أشهر من التحسن، وفقاً لبيانات “جمعية الشحن التجاري في المحيط الهادئ”.
حوافز نقدية لإخلاء ميناء لوس أنجلوس من الحاويات المكدسة
وأظهرت الأرقام أيضاً أن وقت الانتظار للحاويات المنقولة عبر سكك الحديد ارتفع من 5.2 يوماً في فبراير إلى 7.7 يوماً. ويُعدّ استمرار هذا الرقم في الازدياد مؤشراً مهماً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حيث يُعتبر تحسّن تدفق البضائع عبر موانئ جنوب كاليفورنيا هدفاً لإدارة الرئيس بايدن.
يزداد هذا الازدحام سوءاً في الموانئ الأوروبية، حيث تعاني هذه الموانئ من الاضطرابات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا بشكل يفوق نظيرتها الأمريكية. حيث ينبغي فصل البضائع الروسية المحظورة عن البضائع الأخرى وإعادة توجيهها أو تخزينها، وهو ما يزيد من العمل واستهلاك للموارد، ما يقلل في نهاية المطاف من قدرة الشحن. وبما أنه ليست كل الموانئ صريحة بشأن البيانات الحاليّة، أصبحت الشركات الخاصة تتولى ملء هذا الفراغ.
العقوبات على روسيا تثير قلق أكبر موانئ أوروبا
فوفقاً لشركة “فوركايتس” (FourKites) وهي منصة لرؤية سلاسل التوريد ومقرها شيكاغو، كان متوسط الوقت المستغرق لحاويات التصدير في الموانئ الأوروبية 10.8 يوم اعتباراً من 24 أبريل، مرتفعاً بذلك من المتوسط البالغ 9.2 في منتصف فبراير. وبالنسبة للواردات، ارتفعت مدة الانتظار من 6.2 إلى 6.5 يوم.
رابحون وخاسرون
يتراكم عدد الضحايا من الشركات بسبب مشكلات الإمداد، تماماً كما تتراكم الحاويات المُنتظرة في شنغهاي المغلقة. حيث توقعت شركة “أبل” أن تُكلّفها القيود على المعرض من 4 إلى 8 مليارات دولار في الإيرادات خلال هذا الربع، وانضمت بذلك إلى “مايكروسوفت”، و”تكساس إنسترومنتس” (Texas Instruments) في قائمة الشركات التي تعثرت مبيعاتها بسبب قيود كوفيد-19 الصينية.
في هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة “3إم” إن الضغوط ستستمر في وضع تحديات بالنسبة “للمستقبل المنظور”. كما أشارت شركة “أمازون” إلى تباطؤ نمو مبيعات التجارة الإلكترونية.
من جهة أخرى، وفقاً لشركة “دروري” (Drewry)، وهي شركة أبحاث واستشارات في مجال الشحن في لندن، لن يكون الجميع خاسراً خلال العام الثالث من دراما سلاسل التوريد العالمية.
فبالنسبة لصناعة شحن الحاويات، قد تصل الأرباح المفاجئة إلى 300 مليار دولار هذا العام، ارتفاعاً من 214 مليار دولار في عام 2021، حسبما أفادت “دروري” في أحدث تقرير تنبؤي لها. وتقول “دروري” إنها تتوقع زيادة أسعار الشحن العالمية بنسبة 39% هذا العام مع استمرار الازدحام في النصف الأول من عام 2023.
وسيؤدي ذلك أيضاً إلى خلق بيئة مواتية لشركات مثل عملاقة النقل والخدمات اللوجستية “كون + ناجل إنترناشونال” (Kuehne + Nagel International).
طوّرت شركة الشحن السويسرية مؤشر تتبع الاضطرابات الخاص بها، والمُسمّى “سي إكسبلورر” (Seaexplorer). في ذروته خلال نهاية فبراير، أظهر المؤشر نحو 17 مليون يوم انتظار للحاويات، وهو رقم يشمل بشكل أساسي البضائع التي تعثرت في ازدحام الشحنات على مستوى العالم. وقبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، انخفض هذا الرقم إلى حوالي 6 ملايين ليعاود الصعود هذا الأسبوع إلى نحو 7.5 مليون.
وخلال مؤتمر عبر الهاتف تم هذا الأسبوع، قال الرئيس التنفيذي لشركة “كون + ناجل إنترناشونال”، ديتليف تريفزغر: “الوقت المستغرق يتزايد يوماً بعد الآخر، نحن نعمل ونعيش في بيئة سوق تنافسية للغاية”.