مصر تستعين بالقطاع الخاص لحمل عبء الاقتصاد الثقيل
بوابة الاقتصاد
السيسي يدعو إلى مشاركة في أصول الدولة والمستثمرون يترقبون تحركات الحكومة
دعت الدولة المصرية بشكل جاد القطاع الخاص إلى مشاركتها في تحمل أعباء الاقتصاد المثقَل بالديون والمتأثر بالتداعيات السلبية المتتالية خلال 4 سنوات منذ اندلاع الصراع التجاري بين أميركا والصين في عام 2018، ثم تفشي الجائحة العالمية قبل 3 سنوات، وقبل أن يتنفس الصعداء عاجلته تداعيات أخرى نتجت عن الحرب الروسية – الأوكرانية، التي نشبت في الأسبوع الأخير من فبراير (شباط) الماضي.
دعوة اقتصادية غلفتها السياسة وجهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش “إفطار الأسرة المصرية”، مساء الثلاثاء (26 فبراير)، تضمنت حزمة من التكليفات إلى حكومته وتلميحات إلى مسؤولي القطاع الخاص في القاهرة، في محاولة لإعادة ترتيب المشهد الاقتصادي في مصر.
حظي الوضع الاقتصادي الراهن بالنصيب الأكبر من تصريحات الرئيس المصري، إذ أشار إلى الأزمات والظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت على البلاد طوال السنوات الماضية، لافتاً إلى التداعيات الاقتصادية السلبية التي خلفتها ولا تزال، الحرب الروسية على الأراضي الأوكرانية، وهو ما دعاه إلى تكليف حكومته بعقد مؤتمر اقتصادي عالمي في القاهرة، لإعلان خطة الدولة المصرية للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، إلى جانب تكليف الحكومة بإعلان برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدَف 10 مليارات دولار سنوياً ولمدة 4 سنوات.
تكليفات رئاسية
كلف السيسي مجلس الوزراء مضاعفة الدعم المادي والخدمي المقدَم إلى المزارعين، لتحفيزهم على زيادة محصول القمح، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد تقديم دعم هائل إلى القطاع الخاص، ليضطلع بدوره في تنمية الاقتصاد المحلي، ورفع معدل النمو في البلاد.
وأطلق مبادرة تهدف إلى توطين الصناعات الوطنية، لزيادة نسبة المكون المحلي في كل المنتجات عبر توسيع القاعدة الصناعية للصناعات الكبرى والمتوسطة مع استمرار الدعم الذي تقدمه الدولة في توفير السلع الأساسية خلال الفترة المقبلة، وعدم الاكتفاء بالمواسم والأعياد فحسب، خصوصاً في ظل استمرار الآثار السلبية الناجمة عن الحرب الأوروبية لفترة طويلة، كما كلف حكومته بتقديم خطة واضحة لخفض حجم الدين العام كنسبة من الدخل الإجمالي المحلي. وأخيراً، كلف السيسي الحكومة بطرح رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة المصرية، علاوة على البدء في طرح حصص من شركات مملوكة للدولة والقوات المسلحة في البورصة قبل نهاية العام الحالي.
تلقى الباحثون والمتخصصون، الذين تحدثت إليهم “اندبندنت عربية”، الدعوات الرئاسية لدعم الاقتصاد المحلي بترحاب تغلفه الشكوك حول قدرة الحكومة في تنفيذ ذلك على أرض الواقع، مشددين على ضرورة تحقيق عدد من الخطوات الجادة من قبل الدولة حتى تحقق الأهداف المرجوة من تلك الدعوات.
خطوة متأخرة
قال نقيب المستثمرين الصناعيين، محمد جنيدي، إن مد الدولة يدها إلى القطاع الخاص “خطوة تأخرت أكثر من 5 سنوات”، موضحاً أن “المسؤولين في الدولة صموا آذانهم عن مشكلات المستثمرين والمُصنعين طوال تلك الفترة”، و50 في المئة من المصانع في المنطقة الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر (جنوب غربي القاهرة) خارج نطاق الخدمة ومعطلة عن العمل نتيجة البيروقراطية والتعنت من قبل البنوك في منح التسهيلات الائتمانية، كما أن البنك المركزي المصري قيد استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من خارج البلاد، رافضاً التراجع عن القرار حتى اللحظة”.
إلا أن جنيدي استدرك قائلاً، إن “الخطوة جيدة من قبل رئيس الجمهورية، وتؤكد أن الدولة تسعى إلى التعاون مع القطاع الخاص لانتشال الاقتصاد المحلي من عثرته”، مشيراً إلى أن على الحكومة “دوراً كبيراً إذا كانت تريد تحقيق نتائج إيجابية سريعة. مطلوب حزمة قرارات ثورية تنسف البيروقراطية والروتين في مصر”.
في الأول من مارس (آذار) الماضي، أوقف البنك المركزي المصري التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كل عمليات الاستيراد والعمل بالاعتمادات المستندية فحسب، مبرراً ذلك آنذاك، بتسهيل عملية شراء البضائع من الخارج، ودعا رجال الأعمال إلى الإسراع بتوفيق أوضاعهم. وانخفض احتياطي النقد الأجنبي لمصر لأول مرة في 22 شهراً، بنحو 3.9 مليار دولار خلال مارس الماضي، ليصل بنهاية الشهر إلى 37.082 مليار دولار.
أين الحوافز والتسهيلات؟
طالب رئيس اتحاد المستثمرين المصريين، محرم هلال، الحكومة بأن تقوم بمسؤولياتها تجاه المستثمرين، متسائلاً، “ماذا ستقدم الحكومة للقطاع الخاص من حوافز وتسهيلات لتحمل الأعباء؟ لا بد من تهيئة المناخ الاستثماري في مصر ومكافحة الضبابية الشديدة وتفعيل القوانين. إن قانون الاستثمار الذي أصدرته الدولة في عام 2015 جرى تعديله أكثر من 3 مرات، ولم تؤت التعديلات الثمار الكافية لتحريك عجلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي انخفضت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية”.
أظهرت بيانات البنك المركزي المصري تراجع صافي الاستثمار الأجنبي للعام المالي 2020 -2021 بنحو 30 في المئة مقارنة بالعام المالي السابق.
وأشار “المركزي المصري” في بيان رسمي في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إلى أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر سجل مع نهاية العام المالي الماضي 2020-2021، نحو 5.2 مليار دولار مقابل 7.5 مليار دولار عن عام 2019-2020، لافتاً إلى أن “التراجع جاء متسقاً مع تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر على الصعيد العالمي كنتيجة طبيعية لمخاوف المستثمرين الناجمة عن استمرار أزمة الجائحة العالمية”.
زيادة الصادرات
من جانبه، دعا مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، عبد المنعم السيد، الحكومة إلى العمل مع القطاع الخاص “على زيادة حجم وقيمة الصادرات المصرية، خصوصاً بعد خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بعد منح المصدرين حوافز ومزايا تصديرية، إلى جانب التوسع في الصناعة وتوطين التكنولوجيا وتشغيل المصانع وتسهيل إجراءات التراخيص، وخفض قيمة الأراضي الصناعية مع ضرورة منح حوافز للمصنعين، بخاصة في صناعات تمس حياة المواطن، مثل الزيوت، مع التوسع في الزراعة وزيادة الرقعة الزراعية”.
كما ناشد نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، فتح الله فوزي، الدولة توجيه كل الطاقات المتوفرة نحو “التنمية الزراعية والصناعية فحسب خلال الفترة المقبلة”، مضيفاً أن “على الحكومة دراسة وقف المشروعات العقارية القومية، وتوجيه الدعم والحوافز والتسهيلات والطاقات نحو الصناعة والزراعة، لزيادة حجم الصادرات المصرية إلى الخارج وتعزيز نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي”.
أعلن اتحاد الصناعات المصرية في بيان، مساندة الدولة في دعمها لتعزيز دور الاستثمار الخاص والأجنبي في ظل الظروف الاقتصادية العالمية التي تتأثر بها الصناعة، مشدداً على جاهزية المصنعين والمستثمرين المصريين والعرب والأجانب واستعدادهم لاستغلال الفرص الاستثمارية في القطاعات الصناعية المختلفة والاستفادة من مبادرات الصناعة، لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير، بخاصة في ضوء المزايا التنافسية والجغرافية والاقتصادية المختلفة التي تمتع بها مصر، مؤكداً أنه سيتواصل مع كل الأطراف المعنية، بما يضمن علاج المشكلات والتحديات التي تواجه قطاع الصناعة.
خفض الدين الخارجي
في المقابل، يرى الباحث في الاقتصاد الكلي، على الإدريسي، أن أولى الخطوات التي يجب أن تركز عليها الدولة، “هي خفض حجم الدين الخارجي، الذي أصبح شبحاً يطارد الموازنة العامة للدولة”. وقال إن “الفترة المقبلة تتطلب إعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات المختل، فلا بد من زيادة التصنيع المحلي ورفع نسبة المكون المحلي في كل المنتجات. في تلك الفترة، تدشين مصنع جديد أولى من تشييد مدينة لزيادة العائد على معدل النمو، ولا بد من حماية السوق من الممارسات الاحتكارية وتوجيه المستثمرين والمصنعين إلى القطاعات الصناعية الأبرز التي تحتاج إلى ضخ مزيد من الاستثمارات لتحقيق اكتفاء نوعي في بعض السلع الاستراتيجية”.
توقع البنك الدولي، الثلاثاء 26 أبريل (نيسان) الحالي، استمرار وتيرة الأسعار عند مستوياتها المرتفعة حتى نهاية عام 2024، مؤكداً، في بيان، أن “الزيادة التي شهدتها أسعار الطاقة على مدى العامين الماضيين هي الأكبر من نوعها منذ أزمة النفط في عام 1973، علاوة على أن الزيادات الأخيرة في أسعار السلع الغذائية تُعد الأكبر منذ عام 2008”.
وصل دين مصر الخارجي إلى مستويات قياسية في نهاية الربع الثاني من العام المالي الحالي، ليسجل 145.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 8.1 مليار دولار عن الربع المالي السابق من نفس العام، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
قالت كبيرة الاقتصاديين بشركة “برايم” لتداول الأوراق المالية، منى بدير في مذكرة بحثية حديثة، إن “تأثير الحرب في أوروبا بدأ في الانعكاس على الوضع الخارجي لمصر من خلال 3 قنوات: العجز التجاري، وعائدات السياحة، وفجوة التمويل الخارجي”. وأضافت أن “العجز التجاري غير الهيدروكربوني سيظل المصدر الرئيس للضعف، حيث يتعرض لمزيد من التدهور على الرغم من إجراءات البنك المركزي المصري للحد من الواردات، وهو ما يعود إلى ارتفاع فواتير الاستيراد، وخطر اضطرابات الإمدادات العالمية طويلة الأمد التي تؤثر في السلع العالمية، بخاصة واردات السلع الغذائية”.
توقعت بدير تسارع العجز التجاري بشكل كبير خلال العام المالي الحالي إلى نحو 11.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مرتفعاً من 9 في المئة من الناتج المحلي.
قدر البنك المركزي المصري خلال أبريل الحالي، ارتفاع العجز في حساب المعاملات الجارية إلى 7.8 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، مقارنة بـ7.6 مليار دولار في ذات الفترة من العام المالي السابق.
أرجع المركزي، خلال تقرير أداء ميزان المدفوعات في النصف الأول من العام المالي الحالي 2021-2022، الصادر خلال أبريل الحالي، ذلك إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري غير النفطي بنسبة 24.2 في المئة خلال الفترة نفسها، ليصل إلى 23.8 مليار دولار مقابل نحو 19.1 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق، إلى جانب ارتفاع عجز ميزان الاستثمار إلى نحو 7.1 مليار دولار مقابل نحو 5.4 مليار دولار.
يعبر حساب المعاملات الجارية عن المعاملات الاقتصادية السلعية والخدمية والدخل وتحويلات المصريين العاملين بالخارج والمنح الحكومية والخاصة، وهو جزء من ميزان المدفوعات المتعلق بتعاملات مصر مع العالم الخارجي.