تطور التكنولوجيا المالية وتحدي الأجهزة التنظيمية «1 من 2»
بوابة الاقتصاد
أنطونيو جارسيا باسكوال / فابيو ناتالوتشي
تتحرك التكنولوجيا بسرعة مذهلة في بعض الأحيان. وفيما يخص الابتكار في مجال الأنشطة المالية، الذي يشار إليه في الأغلب باسم “التكنولوجيا المالية”، يشهد العالم حاليا تقدما هائلا.
فبالنسبة للبنوك، تحدث التكنولوجيا المالية ارتباكا في الخدمات المالية الأساسية وتدفعها إلى الابتكار حتى تحافظ على أهمية الدور الذي تقوم به. وبالنسبة للمستهلكين، يعني هذا احتمال إتاحة مجال أوسع للحصول على خدمات أفضل.
وتؤدي هذه التغيرات كذلك إلى رفع مستوى المخاطر بالنسبة للأجهزة التنظيمية والرقابية – ذلك أن فرادى شركات التكنولوجيا المالية لا يزال معظمها صغير الحجم، غير أن بإمكانها التوسع بسرعة فائقة عبر عملاء وشرائح أعمال أكثر خطرا من المقرضين التقليديين.
وهذا المزيج من النمو السريع والأهمية المتزايدة التي تكتسبها الخدمات القائمة على التكنولوجيا المالية في تسيير أعمال الوساطة المالية يمكن أن يقترن بمخاطر على المستوى النظامي، وهو ما نغطيه في أحدث إصداراتنا من تقرير الاستقرار المالي العالمي.
تكتسب البنوك الرقمية أهمية نظامية متزايدة في أسواقها المحلية. وهذه البنوك، التي تعرف أيضا باسم “نيوبانك”، تكون أكثر انكشافا من نظرائها التقليديين تجاه المخاطر الناشئة عن الإقراض الاستهلاكي، الذي عادة ما يتسم بسبل حماية أقل ضد الخسائر لأنه في الأغلب ما يكون بلا ضمان. ويمتد انكشافها ليشمل تحملها لمستوى أعلى من المخاطر في محفظة الأوراق المالية، إضافة إلى ما تتحمله من مخاطر سيولة أعلى “ولا سيما أن الأصول السائلة كنسبة من ودائع البنوك الرقمية في الأغلب ما تكون أقل من نسبتها لدى البنوك التقليدية”.
وتوجد هذه العوامل أيضا تحديا أمام الأجهزة التنظيمية: فنظم إدارة المخاطر ودرجة الصلابة الكلية لمعظم البنوك الرقمية لم تختبر بعد في فترات الهبوط الاقتصادي.
ولا يقتصر الأمر على تحمل شركات التكنولوجيا المالية قدرا أكبر من المخاطر، بل إنها تفرض ضغوطا أيضا على الكيانات المنافسة القائمة منذ وقت طويل في هذه الصناعة. لننظر، على سبيل المثال، إلى الولايات المتحدة حيث تتبع شركات التكنولوجيا المالية المنشئة للقروض العقارية استراتيجية نمو تنشط بقوة في فترات توسع الإقراض العقاري، مثلما حدث أثناء الجائحة. وتؤدي الضغوط التنافسية من شركات التكنولوجيا المالية إلى إلحاق ضرر كبير بربحية البنوك التقليدية، وهو اتجاه يتوقع له الاستمرار.
وهناك ابتكار تكنولوجي آخر حقق نموا سريعا في العامين الماضيين، وهو التمويل اللامركزي الذي يتمثل في شبكة مالية قائمة على الأصول المشفرة بلا وسيط مركزي. والتمويل اللامركزي، الذي يعرف أيضا بالاختصار الإنجليزي DeFi، يتيح إمكانية تقديم خدمات مالية أكثر ابتكارا وشفافية وشمولا للجميع بفضل ما يحققه من كفاءة أكبر وفرص أكبر للحصول على الخدمات.
غير أن التمويل اللامركزي ينطوي أيضا على تراكم الرفع المالي، وهو معرض بشكل خاص لمخاطر السوق والسيولة والمخاطر السيبرانية. والهجمات السيبرانية، التي قد تكون حادة في حالة البنوك التقليدية، في الأغلب ما تكون مدمرة لهذه المنصات، حيث تسرق الأصول المالية وتقوض ثقة المستخدمين… يتبع.