ارتفاع أسعار الغذاء يفاقم المخاطر في الدول العربية
بوابة الاقتصاد
تجلس العائلة المكوّنة من أربعة أفراد حول طاولة الطعام، وتحدّق بهدوء في صور طعام مرسومة على مفرش المائدة، ثم يقول الأب لأبنائه: “الليلة، سنقوم بتلوين عناصر وجبة العشاء على الصورة”.
نُشر هذا المشهد الكاريكاتوري في إحدى الصحف المغربية لتعبّر عن الأزمة التي يواجهها 37 مليون شخص في المملكة ونظرائهم في جميع أنحاء دول شمال أفريقيا، في حين يحتفل العالم الإسلامي بقدوم شهر رمضان. ففي الوقت الذي تهيمن فيه عادات ولائم الإفطار على هذا الشهر الفضيل لتناول الطعام بعد يوم من الصيام يمتد حتى غروب الشمس؛ فإنَّ الكثيرين يصطدمون بواقع اقتصادي مرير.
الأمم المتحدة: أسعار الغذاء تضع الشرق الأوسط أمام “اختبار فاصل”
قفزت تكاليف الغذاء عالمياً بأكثر من 50% مقارنة بمنتصف عام 2020، لتصل إلى مستوى قياسي يدفع الأسر في جميع أنحاء العالم نحو بذل الجهود للتعامل مع الضغوط على ميزانياتها. وتزداد حدة التحدي في دول شمال أفريقيا بأنَّها حدة بسبب سوء الإدارة الاقتصادية، والجفاف، والاضطرابات الاجتماعية التي تجبر الحكومات على المضي في مسار سياسي شائك وتوقيت حافل بالمخاطر.
وفقاً لصندوق النقد الدولي؛ تعد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المستوردة للغذاء والطاقة أكثر عرضة بشكل خاص للصدمات في أسواق السلع وسلاسل التوريد الناجمة عن اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. فهي نفس الدول التي دفع ارتفاع تكاليف المعيشة فيها إلى اندلاع انتفاضات الربيع العربي قبل ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان.
مصر
تساءل أحمد مصطفى، من القاهرة صاحب الـ35 عاماً ويعمل سائقاً، وهو أب لثلاثة أطفال: “كم من الوقت علينا أن ننتظر؟ واعترف بأنَّه اضطر بالفعل إلى بيع بعض الأجهزة ليتمكّن من إطعام أبنائه وتغطية نفقات أخرى، مضيفاً: “مطلوب منا باستمرار الترشيد ثم الترشيد، حتى لم يعد لدينا الكثير لنرشده”.
تبذل الحكومات في كلٍّ من مصر والمغرب وتونس، وهي الدول التي يعيش فيها عدد كبير من السكان بالمناطق الحضرية، وتفتقر إلى الثروة النفطية، جهوداً للاستمرار في دعم المواد الغذائية والوقود والتي ساعدت في احتواء السخط.
حذّر برنامج الغذاء العالمي من أنَّ صبر الناس بلغ نقطة فاصلة، في الوقت الذي تحرّكت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة لمساعدة حليفتها مصر، وهي أكبر مشترٍ للقمح في العالم، من أجل تعزيز أمنها الغذائي، ومواجهة حالة محتملة من عدم الاستقرار. كذلك تسعى مصر للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي.
بذل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ توليه السلطة في عام 2014 جهوداً للمضي قُدُماً في مسار الإصلاحات بهدف إنعاش الاقتصاد، دون إثارة الإحباط الشعبي. وفي الشهر الماضي طلب اصطفاف الناس من أجل بذل تضحيات لا مفر منها.
فقد دعا الشعب إلى التخلي عن عادات الإفراط في الاستهلاك القديمة، خاصة خلال شهر رمضان، الذي بدأ في الثاني من أبريل الجاري. وقال السيسي في إحدى المناسبات يوم 23 مارس الماضي: “يعتقد الناس أنَّ مائدة طعامي تبدو مختلفة”، وحثّ شعبه الذي يتجاوز تعداده 100 مليون نسمة، على تقليص كميات الطعام خلال وجبة الإفطار بعد صيام نهار رمضان، وقال: لكن “أنا مسؤول أمام الله”.
قبل أسابيع فقط، سارع المسؤولون في مصر إلى التباهي بحقيقة أنَّ اقتصاد الدولة العربية الأكبر من ناحية عدد السكان قد تعافى من تداعيات الوباء، وحقق نمواً قوياً، فضلاً عن أنَّ التضخم كان تحت السيطرة أيضاً.
تغيّر الواقع بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، فقد سحب المستثمرون مليارات الدولارات من سوق الدين في مصر، وتراجع الجنيه بـ 15%. وحظرت مصر تصدير مواد غذائية رئيسية، بما في ذلك الدقيق، والعدس، والقمح.
وقالت الحكومة، إنَّه بحلول أوائل مارس الماضي؛ أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار دقيق القمح بـ19%، والزيوت النباتية بـ 10%. يُشار إلى أنَّ متوسط دخل الأسرة المصرية يبلغ حوالي 5000 جنيه (272 دولاراً) شهرياً، إذ يتم إنفاق حوالي 31% منه على الغذاء، وفقاً للجهاز الحكومي المسؤول عن الإحصاء.
قال هلال الدندراوي، وهو موظف حكومي متقاعد في مدينة أسوان بجنوب مصر، إنَّه يستعد الآن لارتفاع أسعار الوقود فضلاً عن طوفان من الزيادات الأخرى، مضيفاً: “نعيش في أزمة أسعار بالسلع، والخدمات، والكهرباء، والمياه، والغاز”.
تونس
أما الوضع في تونس فهو أسوأ حالاً،؛ وهي الدولة التي انطلقت منها شرارة ثورات الربيع العربي والغارقة في اضطرابات سياسية منذ ذلك الحين. فالضربة التي تلقاها الاقتصاد نتيجة الصراعات الداخلية بين المسؤولين تتفاقم حالياً مع تفشي فيروس “كوفيد – 19” والحرب الروسية على أوكرانيا.
وحذّر البنك المركزي التونسي بأنَّه يتعيّن اتخاذ تدابير قوية لإصلاح الاقتصاد، لكن اصطدمت هذه الجهود مراراً وتكراراً بالنقابة العمالية ذات التأثير الكبير، والمتمثلة في الاتحاد العام التونسي للشُغل. وتتجه تونس أيضاً إلى صندوق النقد الدولي وسط تحذيرات من مخاطر التخلف عن سداد ديونها
مأساة يعيشها أحمد مسعود، وهو تاجر يبلغ من العمر 40 عاماً من المدينة القديمة بالعاصمة تونس، تدفع تلك المشكلات الأوسع نطاقاً إلى دائرة التركيز بشكل أكثر حدة. فقد اشتكى من تفاقم مشكلة ندرة عدد السائحين، والتي بدأت مع انتشار الوباء، وتشتدّ وطأتها حالياً بسبب الصراع في أوكرانيا.
بالكاد يغطي الدعم الحكومي، بغرض تعويض تراجع الأعمال، فواتير الخدمات. وقال مسعود، بنبرة الاستسلام للأمر الواقع: “أعتقد أنَّني سأغلق متجري، وأبحث عن وظيفة أخرى”.
المغرب
أما في المغرب المجاور، لم تكن الأمور في حال أفضل. فعلى الرغم من تمكّنه من تجنّب اضطرابات الربيع العربي السياسية في عام 2011؛ إلا أنَّه لم يسلم من الاضطرابات الاقتصادية. فمن المتوقَّع أن يتراجع النمو إلى 0.7% هذا العام، أي حوالي عُشر مستواه في عام 2021. ويتوقَّع البنك المركزي، في الوقت نفسه، أن يصل معدل التضخم إلى 4.7%، وهو معدل متواضع نسبياً مقارنة بأجزاء من أوروبا، على الرغم من أنَّه ما يزال الأعلى منذ الأزمة المالية في عام 2008.
وقال محافظ البنك المركزي المغربي عبد اللطيف الجواهري، إنَّ إدارة “الصدمة الخارجية” للحرب قد تجبر المغرب على السعي للحصول على خط سيولة احترازي من صندوق النقد الدولي. وأضاف أنَّ المغرب يواجه “وضعاً غير مسبوق”. وتهدد الحرب في أوكرانيا بتأجيج الغضب العام بشأن الأسعار، ودفع احتياجات التمويل الحكومية إلى مستويات قياسية.
محمد بالأمين، وهو تاجر حبوب كان متجره في سوق الرحبة بالرباط يكتظ عادة بالمتسوقين في الأيام التي تسبق قدوم شهر رمضان، يرى هذا التأثير بوضوح. وفي هذا الصدد، يشير إلى الشارع الفارغ بعبارات تغلب عليها الحسرة: “عادة لم يكن يتسنى لك العثور على مكان لركن سيارتك”.