حكاية رفيق الحريري.. كيف تحول مدرس الرياضيات اللبناني إلى ملياردير؟
بوابة الاقتصاد
في الوقت الذي أعلن فيه لبنان إفلاسه، يتذكر اللبنانيون الرجل الذي انتشل البلاد من هاوية الحرب الأهلية وأعادها إلى الواجهة، إنه رفيق الحريري.
ففي الوقت الذي أعلن فيه المسؤولون في لبنان إفلاس الدولة والمصرف المركزي اللبناني، يبقى الحريري الأب، أيقونة نجاح في حُكم هذا البلد متعدد الطوائف، ويشهد على ذلك عبوره بلبنان بعد حرب أهلية استمرت 15 سنة.
ويعد الحريري أبرز رموز الطبقة الحاكمة، التي أعادت بناء لبنان سياسياً واقتصادياً، ذاك البلد الذي يعاني حاليا صعوبات كبرى تكاد تنتهي به إلى حافة الهاوية ومسار الدول الفاشلة.
ولا أحد في العالم العربي لا يعرف رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني والاقتصادي والسياسي البارز السابق، والذي رحل في حادث اغتيال بشع في فبراير/شباط 2005.
نشأة الحريري الأب
الكثيرون لا يعرفون أن رفيق الحريري لم يكن سياسياً أصلاً، ولم يكن سليلاً لعائلة ثرية في بيروت، بل بدأ مسيرة حياته من بيئة شديدة التواضع، ثم تحول الى رجل أعمال شديد النجاح، وانتهى – رغم النهاية المأساوية- كواحد من أبرز القادة السياسيين اللبنانين.
قاطف الليمون
في عام 1944، ولد رفيق الحريري لأسرة متوسطة الإمكانيات، الأب يعمل كمزارع في صيدا جنوب لبنان، وبدأ حياته العملية في طفولته في قطف الليمون من الاشجار.
ومثل أي لبناني عادي، درس رفيق الحريري في المدرسة، ولكنه كان يعمل عملا إضافياً في المعتاد إلى جانب دراسته لمساعدته في تغطية نفقاته الدراسية.
أنهي الحريري تعليمه الثانوي، ثم التحق بجامعة بيروت العربية ليدرس في مجال المحاسبة، وأثناء دراسته، تدرّب الحريري في مجال المحاسبة في أحد المكاتب الصغيرة في لبنان.
دور السعودية في حياة الحريري
انتقل رفيق الحريري إلى المملكة العربية السعودية بعد قراءته لإعلان بسيط في جريدة يومية عن وظائف متاحة في المملكة.
وكان هذا في فترة الستينيات من القرن العشرين، في فترة النمو السريع للاقتصاد السعودي وفتح الأبواب للعمالة الأجنبية والعربية.
وفي السعودية، عمل الحريري كمدرس لمادة الرياضيات في إحدى المدارس الابتدائية في جدة، ثم التحق للعمل كمحاسب في شركة للصناعات والاستشارات الهندسية لمدة 6 سنوات ليعيل نفسه وأسرته.
في نهاية الستينيات، كانت الفرصة الكبرى التي بدأ من خلالها رفيق الحريري يغادر عالم الوظيفة، ويدخل في عالم البيزنس من أكبر أبوابه.
الصعود الاقتصادي للحريري
في نهاية الستينات ومطلع السبعينيات، أسس رفيق الحريري شركة صغيرة للمقاولات باسم سيكونيست.
وعلى مدار سنوات، قامت الشركة بالعمل على مشاريع صغيرة بآداء متميز، منها إنشاء مستشفيات ومدارس ومؤسسات، مما ضمن لها نموا سريعا في السوق السعودي المتعطش للأعمال والمقاولات والانشاءات المتميزة عالية الجودة.
سعودي أوجيه
بنهاية السبعينات، وبالتحديد في عام 1977، واجه الحريري واحدا من أكبر محطات الصعود -والتحدي في نفس الوقت- عندما اندمجت شركته مع شركة أوجيه الفرنسية ليتحول اسمها الجديد إلى “سعودي أوجيه” وتتحول إلى واحدة من أكبر شركات المقاولات في المنطقة.
ولاحقاً، أسند إلى الحريري إنشاء فندق فخم في الطائف في فترة تقدر بـ9 شهور فقط ، وهو شرط اعتذرت عنه العديد من الشركات حول العالم.
واستطاع الحريري تنفيذ بناء فندق الطائف في المدة المقررة بكفاءة عالية، لينال رضا الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، وليُمنح الجنسية السعودية.
أهم مشاريع “سعودي أوجيه”
فندق إنتركونتيننتال مكة، مركز الشروق الحكومي في الظهران، مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف في المدينة، المركز الحكومي في الرياض بتكلفة 3 مليارات ريال، مشروع “الفا” في الرياض، الذي يضمّ مجلس الشورى والديوان الملكي، فندق “المسرّة” الدولي في الطائف، المدينة الحكومية في الدمام، قصر الأمويين في دمشق.
دخول الحريري للسياسة
في الثمانينيات، تحول رفيق الحريري، الذي بدأ حياته كجامع لليمون، ثم مدرس رياضيات في مدرسة ابتدائية، إلى رجل أعمال ذائع الصيت، يحوز ثروة هائلة، وله نسبة حصص في عدد من البنوك الإقليمية، ومشارك في ملكية مجموعة من الفنادق الضخمة.
كما أسس أيضاً شبكة تلفزيون المستقبل، وغيرها من المشاريع، وتنامى دوره الاقتصادي والسياسي، حتى عُين مبعوثا شخصيا للملك فهد بن عبدالعزيز في لبنان.
هذه الإنجازات، والنشاط الاقتصادي والسياسي، أهل رجل الأعمال النشيط والطموح إلى لعب دور سياسي نشيط، أهله لتولي رئاسة الحكومة اللبنانية عدة مرات، والبدء في إطلاق سلسلة إصلاحات كبيرة للاقتصاد اللبناني.
اغتيال الحريري
انتهت الرحلة الكبيرة اقتصاديا وسياسيا، بتفجير دموي وقع في عام 2005، أدى إلى اغتيال الحريري وعدد من معاونيه، تاركاً وراءه إرثاً اقتصاديا وسياسياً كبيراً، ما زال اسمه يتردد في لبنان والمنطقة.