سوق الإعلانات العالمية تتوسع في ظل التقنيات الرقمية .. 873 مليار دولار في 2024
بوابة الاقتصاد
لا يوجد اتفاق بين وكالات الإعلان الدولية حول رقم واحد مؤكد يعكس القيمة الحقيقية أو الدقيقة لسوق الإعلانات العالمية، إذ يوجد عديد من التقديرات بهذا الشأن، لكنها متقاربة إلى حد كبير.
وعلى الرغم من هذا فالمؤكد أن الجميع أمام سوق عملاقة تقدر عوائدها ومداخيلها السنوية بمليارات الدولارات وتراوح الأرقام الراهنة حول 700 مليار دولار.
وقد أصدرت ثلاث وكالات إعلان عالمية بارزة (جروب إم وزينيث وماجنا) قرب نهاية العام الماضي ثلاثة تقارير حول تقديراتها لسوق الإعلانات وأدائها في عام 2021 تؤكد جميعها هذا.
وبصرف النظر عن الأرقام التي تضمنتها التقارير الثلاثة وتقديرات كل وكالة من تلك الوكالات لحجم سوق الإعلانات العالمية، فإن ما اتفق عليه الجميع أن سوق الإعلانات باتت مدفوعا بوسائل الإعلام الرقمية، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي إلى حد كبير.
وعلى الرغم من أن هناك عديدا من العوامل التي يجب أخذها في الحسبان عن دراسة وتحليل سوق الإعلانات، فإن الوكالات الثلاث توقعت أن يستمر نمو الإنفاق الإعلاني بقوة هذا العام، خاصة الإعلانات الرقمية.
وفي الواقع فإن عام 2020 يعد عاما فاصلا ومحوريا في تاريخ سوق الإعلانات، إذ تجاوز الإعلان الرقمي على منصات جوجل وفيسبوك وعلي بابا الإنفاق على وسائل الإعلان التقليدية لأول مرة في تاريخ سوق الإعلانات، ويعد ذلك تحولا تاريخيا كانت جائحة كورونا تقف خلفه بكل تأكيد.
ولـ”الاقتصادية” تعلق الدكتورة أميلدا جونسون أستاذة التسويق الرقمي في جامعة لندن قائلة “الثورة الرقمية الجارية في عالم التسوق منذ بداية الألفية، تعد لحظة تاريخية فارقة في عالم الإعلانات والتسويق وستستمر لعقود، إذ تغيرت سوق الإعلانات بوتيرة ونطاق يفوق بكثير تغيرها نتيجة ظهور التلفزيون في القرن الـ20، وبعد أن كان التسويق على الإنترنت يمثل أقل من 2 في المائة من إجمالي الإنفاق على التسويق في بداية الألفية، فإن التسويق الرقمي بلغ أكثر من نصف صناعة الإعلان العالمية البالغة 530 مليار دولار عام 2020، وفي العام الماضي تم تخصيص خمس قيمة الإعلانات التي تم إنفاقها في عام 2021 لوسائل التواصل الاجتماعي”.
يتزايد الطلب على وسائل التواصل الاجتماعي يوما بعد آخر لعديد من الأسباب، فلا شك أنها منصة جيدة للتواصل مع الناس في جميع أنحاء العالم، كما سهلت عمل المعلنين وكذلك العملاء. وقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم منصة إعلانية رئيسة في مجال التسوق.
تشير الأرقام المتاحة إلى أنه أنفق على الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي نحو 89 مليار دولار عام 2019، لتنمو هذه السوق بنحو 8.7 في المائة وتصل إلى نحو 107 مليارات دولار عام 2021، كما أشار 58 في المائة من الشركات التي تبث إعلاناتها على مواقع التواصل الاجتماعي أن ذلك ساعدها على زيادة مبيعاتها.
الإقبال الشديد على الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدفع الدكتور جورج سلايز أستاذ إدارة الأعمال والتجار الإلكترونية في جامعة كامبريدج إلى توقع أن يشهد هذا العام تفوق سوق الإعلان في مواقع التواصل الاجتماعي على نظيرتها في التلفزيون، وأن ترتفع النفقات الإعلانية على منصات مثل تيك توك وإنستجرام إلى 177 مليار دولار لتتفوق على الإعلانات التلفزيونية التي ستصل إلى 174 مليار دولار.
ويقول لـ”الاقتصادية”: من المقرر أن تتجاوز نفقات الإعلانات العالمية هذا العام مستوى ما قبل الجائحة البالغ 634 مليار دولار وهو ما وصل اليه الإنفاق الإعلاني عام 2019، وستنمو سوق الإعلانات الدولية 9.1 في المائة في عام 2022.
ويؤكد الدكتور جورج سلايز أن الإنفاق الإعلاني العالمي سيواصل توسعه في السنوات المقبلة أيضا وذلك 5.7 في المائة في عام 2023 و7.4 في المائة عام 2024 ليصل إلى 873 مليار دولار.
ويرى أن استخدام العلامات التجارية للإعلانات الرقمية خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي سيكون السبب الرئيسي في هذا التوسع، وسيحفز نمو التجارة الإلكترونية، مشيرا إلى أن الإنفاق على الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي سترتفع إلى 225 مليار دولار بحلول عام 2024 وستمثل 26.5 في المائة من جميع الإعلانات، يليها البحث المدفوع 22.5 في المائة والتلفزيون بنسب 21.10 في المائة.
أحد أبرز الأسباب الكامنة وراء تواصل نمو الإنفاق الإعلاني في مواقع التواصل الاجتماعي إلى زيادة عدد الأشخاص المستخدمين للإنترنت، وما يرافق ذلك من زيادة في عدد الأعضاء في تلك المواقع.
يضاف إلى ذلك من وجهة نظر المهندس هاري توماس الخبير في التقنيات الرقمية الإنفاق المتزايد للشركات الصغيرة على سوق الإعلانات، مشيرا إلى أنها باتت جزءا مهما بشكل متزايد من هذا السوق.
ويقول لـ”الاقتصادية” إن “الشركات الصغيرة مسؤولة بشكل أساسي عن دفع الإعلان الرقمي فوق عتبة 50 في المائة من إجمالي الإنفاق على الإعلانات، ومسؤولة بشكل أكبر على انتعاش قطاع الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت منصة مهمة لكثير من العلامات التجارية وتجارة التجزئة وصغار محال البقالة الذين يعدون أن الشبكات الاجتماعية أفضل منصة يمكن من خلالها الوصول إلى عملائهم على نطاق واسع”.
يتفق ذلك مع ما خلصت إليه بعض الدراسات الأكاديمية من أن إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي قناة فعالة للحملات التسويقية للشركات الصغيرة التي لا تتحمل القيام بعملية تسويق واسعة النطاق ومكلفة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تمر بعملية تطور ومواكبة لكل جديد في الشبكة العنكبوتية، بطريقة تفوق وسائل الإعلان الرقمي الأخرى، ما يؤثر إيجابا في الأعمال التجارية، ويأخذ التغيرات التي تطرأ على سلوك المستهلكين، ومن ثم باتت منصات التواصل الاجتماعي أداة قوية لزيادة الوعي بالعلامة التجارية والبحث عن عملاء جدد.
وتعتقد روزي تيدور الخبيرة في مجال التسوق الرقمي أن الذكاء الصناعي سيلعب في المستقبل دورا رائدا على الأصعدة كافة ومن بينها التسوق الرقمي، لكنها تعتقد أن دور الذكاء الاصطناعي سيكون أكثر وضوحا في مجال الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ولـ”الاقتصادية” تعلق قائلة “مستقبل الإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي سيتعزز من خلال الذكاء الصناعي عبر المساعدة في جمع بيانات أكبر، وحل مشكلة المعلنين والعملاء، وعلى الأمد الطويل سيساعد الذكاء الصناعي المعلنين في الحصول على عائد استثماري مرتفع على أعمالهم، عبر التفاعل مع تغيرات السلوك لدى المستهلك، وخفض التكاليف والانتقال إلى أنشطة إعلانية ودعائية أرخص عبر الإنترنت، مستهدفا المشتريات بدلا من الترويج للعلامات التجارية”.
مع هذا يرى بعض الخبراء أن مسار الانتعاش في العلاقة بين سوق الإعلانات ومنصات التواصل الاجتماعي، يواجه ببعض التحديات التي تتطلب إعادة النظر في القواعد والقوانين المنظمة للإعلان عبر المنصات الاجتماعية، أحد التحديات تكمن في أن هذه السوق غير منظمة مقارنة بوسائل الإعلان التقليدية كالتلفزيون والصحف والراديو.
فعلى سبيل المثال نجد أن صناعة التبغ تقوم بالترويج على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي للسجائر الإلكترونية بدعوى أنها بديل آمن وصحي للسجائر، مستخدمة في ذلك تكتيكات الإعلان التي تم حظرها بالنسبة إلى التبغ في وسائل الإعلان التقليدية منذ ثمانينيات القرن الماضي في بعض البلدان.
ويرى الخبراء أن هذا الترويج إلى جانب تنوع المنتج وجاذبيته وسهولة الشراء عبر الإنترنت وعدم التحقق من العمر المناسب خاصة بين الشباب وهم أكثر الفئات العمرية استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي، ربما سيدفع لزيادة الضغوط الشعبية لتنظيم القطاع بما قد يؤثر في مدى جاذبيته الإعلانية
في سياق آخر، ترى الدكتورة جنيفر جرين أستاذة دراسات المعلومات في جامعة شيفيلد أن هناك تحديات يجب أخذها في الحسبان عند دراسة مستقبل العلاقة بين سوق الإعلانات ومنصات التواصل الاجتماعي، فتكلفة الإعلان على منصات التواصل الاجتماعي، تلعب دورا مهما في تحديد مدى جاذبية الإعلان من عدمه، باعتبار التكلفة والعائد العنصر الرئيس في قرار المعلن عند اختياره الوسيلة التي سيعلن فيها عن منتجه.
وتقول لـ”الاقتصادية” إنه “يمكن للأشخاص الذين لديهم آلاف المتابعين الاستفادة من وجودهم على وسائل التواصل الاجتماعي والتعاون مع العلامات التجارية، ويتقاضى هؤلاء المؤثرون رواتبهم من قبل العلامات التجارية للترويج لمنتجاتهم، ولكن نظرا للارتفاع الضخم لتكلفة الإعلان لديهم بالنسبة إلى الشركات المتوسطة والصغيرة، فإن هذا أدى إلى بروز من باتوا يعرفون بالمؤثرين من أصحاب النفوذ الجزئي، وهؤلاء لديهم متابعون أقل من المؤثرين الكبار، لكنهم يتمتعون بميزة المشاركة المرتفعة بين جماهيرهم على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنهم يتقاضون رسوما أقل بكثير من المؤثرين المشهورين مقابل المحتوى الذي يرعونه، هذا يجعل من السهل على الشركات المتوسطة والصغيرة التعاون معهم”.
وتضيف “مع توسع الإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي نمت فئة جديدة تسمى المؤثرين النانو، وهم لديهم أقل من عشرة آلاف متابع، ويستخدمون بالأساس من قبل أصحاب الأعمال الصغيرة أو شديدة المحلية، إذ لا يتطلب التعاون معهم ميزانية كبيرة، لكنهم يوفرون الفرصة للوصول إلى جماهير أقل عددا لكن أكثر تماسكا”.