صافي أصول مصر الأجنبية ينهار.. ماذا حدث؟
استحوذت مصر في عام 2020، وفقًا لتقرير مناخ الاستثمار الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، على النصيب الأكبر للاستثمارات الأجنبية في افريقيا، مستحوذة على تدفقات تشكل نسبتها 15% من إجمالي 39.8 مليار دولار قادمة إلى القارة الأفريقية، وكانت مصر، وفقًا للتقرير، الوجهة الرائدة للاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة لمدة خمس سنوات متتالية، وبلغت قيمة صافي الأصول الأجنبية في نهاية سبتمبر من العام الماضي 186.3 مليار جنيه.
وفي مارس 2022 أعلن البنك المركزي أن صافي الأصول الأجنبية المصرية شهد تراجعاً حاداً في فبراير 2022، إذ انخفض بمقدار 60 مليار جنيه مصري (3.29 مليارات دولار) إلى سالب 50.3 مليار جنيه، ويمثل هذا تراجعاً للشهر الخامس على التوالي، وهو ما دفع محافظ البنك المركزي إلى خفض قيمة الجنيه اكثر من 14 بالمئة في 21 مارس.
عام واحد فقط كان كفيل بأن تكون مصر ما بين الأكثر استقبالا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، والأكثر انخفاضًا وتراجعًا في صافي الأصول الأجنبية، ماذا حدث؟
يمثل صافي الأصول الأجنبية أصول النظام المصرفي المستحقة على غير المقيمين مخصوماً منها الالتزامات، ووفقاً للبنك المركزي، فإن التغيير في حجم صافي الأصول الأجنبية يعكس صافي معاملات النظام المصرفي مع القطاع الأجنبي ومنها الخاصة بالبنك المركزي.
باختصار، فإنه يصدر مؤشر رسمي بشكل دوري من البنك المركزي، ويطلق عليه “صافي الأصول الأجنبية”، يمثل صافي حجم ما تملكه البنوك من أصول بالعملة الأجنبية ودائع، أوراق مالية وغيرها، مخصومًا منه التزاماتها بالنقد الأجنبي، وهو ما يعني الفرق بين الدولار الذي في البنوك “دائن” والدولار المستحق عليها “مدين”، وعندما يسجل المؤشر قيمًا بالموجب فمعناه امتلاك البنوك فائض نقد أجنبي يفوق التزاماتها، بينما لو كانت القيمة بالسالب فهذا يعني أن التزامات البنوك بالنقد الأجنبي تفوق ما تملكه منه. وهو ما حدث في فبراير الماضي، حيث تحول الموجب إلى سالب.
أسباب التراجع
أرجعت رضوى السويفي، رئيسة إدارة البحوث في شركة الأهلي فاروس المالية، في تصريح لـ”بلومبيرج”، سبب تراجع صافي الأصول الأجنبية إلى تخارج المستثمرين الأجانب المكثف من أدوات الدين الحكومية في مصر.
وقالت السويفي، إن الأمر لا يدعو للقلق، خاصة وأنه حدث قبل نحو شهرين وحدث أيضاً في 2016، مشيرة إلى أنه مع استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بالأزمة الروسية الأوكرانية فإن تخارج الأجانب من سندات الأسواق الناشئة يعد أمراً طبيعياً، لكن “الأهم هو ألا يستمر طويلاً”.
يمثل صافي الأصول الأجنبية أصول النظام المصرفي المستحقة على غير المقيمين مخصوماً منها الالتزامات، ووفقاً للبنك المركزي فإن التغيير في حجم صافي الأصول الأجنبية يعكس صافي معاملات النظام المصرفي مع القطاع الأجنبي ومنها الخاصة بالبنك المركزي.
ويرى طارق متولي، الخبير المصرفي، ونائب رئيس بنك بلوم مصر سابقاً، أن انخفاض صافي الأصول الأجنبية، وهو نتيجة طبيعية لتخارج الأجانب من مصر مؤخراً، حيث خرجت تدفقات تبلغ 15 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية.
أضاف متولي، أن هذا الانخفاض سيشكل مزيداً من الضغط على الدولار بفعل زيادة الطلب على العملة الأمريكية ونقص المعروض منها، إلا أن الاستثمارات الخليجية والمساعدات كالوديعة السعودية الأخيرة البالغة 5 مليارات دولار قد تخفف من ضغوط الطلب على العملة الأجنبية.
بحسب متولي لا يجب أن تقل المساعدات عن 20 مليار دولار، على تتنوع مصادرها بين الودائع، التمويل المرتقب من الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، ولكن الأهم من كل هذا هو الاستثمار الأجنبي.
من جهته يرى رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقا، هاني توفيق، أن هناك أسباب أخرى بجانب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية أثرت في تراجع الاستثمار المباشر في مصر، حيث قال إن الاستثمار الأجنبي والمحلي المباشر انخفض بشدة خلال الـ10 سنوات الماضية، لعدة أسباب.
وأضاف هاني توفيق، أنه من بين تلك الأسباب البيروقراطية وتعدد الجهات الرقابية، مشيراً إلى أن بعض المصدرين يخضعون لرقابة 4 جهات هي وزارات الصحة والداخلية والتجارة والمالية، لافتًا أنه في مصر الأرض مرتفعة الثمن إلى حد كبير، والطاقة والغاز مرتفعة الثمن بالمقارنة مع الدول المنافسة، والعمالة الفنية المدربة تحتاج إلى تجهيز أكبر، بالإضافة إلى وجود سياسات مالية نقدية ومالية تحتاج تغييرا في الكثير من البنود.
وأوضح رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقاً، أن الشركات في مصر تدفع ضريبة أرباح تجارية 25%، وضريبة قيمة مضافة 15%، وضريبة توزيعات أرباح 5%، والشركة القابضة تدفع تلك الضريبة مرتين عند وجود شركات تابعة لها، ولذلك فإن السياسات الضريبية معوقة للاستثمار.
وأشار توفيق، إلى أن مصر يوجد بها أعلى سعر فائدة في العالم وأعلى سعر صرف حقيقي في العالم، وكان من الطبيعي أن يحجم القطاع الخاص عن الاستثمار خلال العشر سنوات الماضية، وبالتالي تدخلت الدولة للقيام بدور في النشاط الاقتصادي مع تراجع دور القطاع الخاص، وحان الوقت لتراجع منافسة الدولة للقطاع الخاصة في صناعات مثل الأسمنت المتأثرة بشدة.