تأثير افلاس لبنان على المستثمرين والمواطنين وانهيار العملة
بوابة الاقتصاد
إفلاس الدولة يلحقه انهيار لعملتها ولنظامها البنكي مما قد يترك أثرا قاسيا وطويل الأمد في الاقتصاد الإنتاجي وفي مكانتها المالية.
دخل لبنان مرحلة الخطر وبات الحديث عن إعلان الإفلاس المالي شبه يومي بانتظار إيجاد المخارج المناسبة وسط التقارير اليومية للمؤسسات المالية الدولية حول اقتراب الإنهيار المالي في لبنان ووسط عجز الدولة وأحزابها المتسلطة على قرارها السياسي وسياساتها المالية، فماذا يعني الإفلاس من ناحية علمية؟
إفلاس الدولة يعني عجز دولة ما عن الوفاء بديونها أو الحصول على الأموال من الجهات الخارجية لدفع أثمان ما تستورده من بضائع وسلع.
كما يمكن تعريفه إقتصادياً بـ “الأزمة في ميزان المدفوعات “. وإفلاس الدولة يلحقه انهيار لعملتها ولنظامها البنكي مما قد يترك أثرا قاسيا وطويل الأمد في الاقتصاد الإنتاجي وفي مكانتها المالية.
وإفلاس الدول في عصرنا الحالي ليس كالإفلاس في العصور السابقة، فقديماً إذا امتنعت دولة أو تاجر فيها عن سداد مستحقات أجنبية تقوم الدولة الأجنبية بغزو الدولة المفلسة لتحصيل ما يمكن تحصيله من مستحقاتها أو مستحقات مواطنيها، وقد أصبح إعلان الإفلاس اليوم هو عبارة عن إيجاد مخرج قانوني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستحقات الغير مع فتح المجال لعودة المفلس إلى معاودة نشاطه الإنتاجي ضمن المجتمع الاقتصادي.
ويحدث الإفلاس إذا وجدت دولة ما نفسها عاجزة عن دفع أثمان وارداتها بسبب افتقارها الى العملة الصعبة، فإنها اعتياديا تلجأ إلى صندوق النقد الدولي أو إلى الدول الأخرى لاقتراض المبالغ الضرورية، أما إذا أخفقت في ذلك، فلن تتمكن من استيراد السلع والخدمات الضرورية، وهو احتمال خطير جدا.
إلا أن الدول يمكنها الاقتراض أيضاً من الدول الأخرى. فسجن المُعسر أو الاستيلاء على أملاكه الإنتاجية لا يضمن رجوع مستحقات الدائنين، وبجانب ذلك فإن فيه غالباً القضاء على عضو منتج في المجتمع الاقتصادي فتكون الخسارة إذن متضاعفة.
ودأب صندوق النقد الدولي تاريخياً على إستخدام القروض التي يمنحها للدول المختلفة كأداة للضغط على هذه الدول لإجبارها على اتباع سياسات اقتصادية ونقدية معينة (ويتهم بعض النقاد الصندوق باستخدام أساليب الإكراه، وبأنه مولع أكثر مما ينبغي بعقيدة الأسواق الحرة).
وعلى خلاف مصفي الأملاك في حالات الإفلاس التجاري الاعتيادية، لا يستولى صندوق النقد الدولي على أصول والتزامات الدول “المفلسة” التي تعني في هذه الحالة الدولة بأسرها وكافة ديونها. وتتميز القروض التي يمنحها صندوق النقد الدولي عادة بأنها ترتبط بباقة من الشروط على الدول المدينة تطبيقها لحل المشكلة التي كانت سببا في لجوئها للصندوق.
هناك ثلاث أسباب رئيسية للإفلاس: الأول: عدم قدرة الدولة على دفع ديونها كليا أو جزئيا.
أي تدفع الديون اللازمة لتشغيل الدولة ولا تدفع فوائد الديون مثلاً، وتحدث في نهاية سنوات طويلة من الإستدانة والعجز في الميزانية. والأسباب: تعاظم الديون أو انخفاض الضرائب بسبب البطالة أو بسبب إصدار قوانين جديدة تخيف الأسواق المالية فتنسحب رؤوس الأموال من البلد.
الثاني: تغيير الحكومة وذلك في حالات الثورات مثلا ورفض الحكومة الجديدة الإلتزام بالديون السابقة للنظام”الفاسد” مثل ما حدث أثناء الثورة الفرنسية.
الثالث: إنهيار الدولة: بسبب خسارتها لحرب أو إنقسامها إلى عدة دول مثلا، وهنا ينتقل الدين إلى النظام الجديد أو الدول الجديدة التي حلت مكانها جغرافيا .
تبعات الإفلاس
أولا: التبعات على الدائنين:
اختفاء أو خسارة كل أو جزء من الأموال التي أقرضوها لتلك الدولة أو الفوائد على تلك الديون، وفي العادة يكون هناك مفاوضات يستردون بموجبها بعض تلك الأموال. وقد تصل الخسارة إلى 75% من أموالهم كما حدث مع الأرجنتين.
ثانيا: التبعات على الدولة:
الإيجابي: إنخفاض مصروفات الدولة تجاه الدائنين حيث تتوقف عن دفع مستحقاتهم.
السلبي: تدمير الثقة في البلد مما يعني عدم إمكانية الحصول على قروض جديدة من سوق المال.
ثالثا: التبعات على المواطنين:
هناك تبعات على الإقتصاد الوطني، حيث تفقد البنوك جزءا من رأس مالها لأنها فقدت ديونها على الدولة، وتحدث أزمة اقتصادية لإنخفاض الطلب الداخلي على البضائع وانسحاب رؤوس الأموال الأجنبية، وتحدث أزمة عملة، حيث يتفادى المستثمرون العالميون هذا البلد.
أثر الأفلاس على المواطنين: أولاَ: أكثر الفئات التي يقع عليها الضرر هم العاملون في القطاع الحكومي بأشكاله المختلفة قطاع عام وأعمال واستثماري والعاملون بالدولة، لأن لهم مرتبات وأجور لن تصرف في هذه الحالة والدولة تتفادى الوصول لهذه النقطة بتصفية العمالة رويدا رويدا.
ثانياً: سوق العمل نفسه سيتأثر بسبب التضخم الرهيب الذي سيحدث، وبالتالي سيزيد المعروض من عنصر العمل وتقل الأجور.
ثالثاً: تسهيلات ضريبة مفتوحة لكبار المستثمرين مع زيادة فرض الضرائب والاتاوات- طوابع الدمغة والخدمات – على عموم المواطنين.
رابعاً: عدم السيطرة على الأسعار وازدياد التضخم.
خامساً: ما يحدث بالدولة يحدث للمواطنين أي سيصلون لنقطة يعلنون فيها إفلاسهم أيضاً! وتصبح المحصلة النهائية هي مواطنون فقراء للغاية ومفلسين والدولة سترهبهم بتحميلهم الديون بالاقتسام عليهم.
أمثلة لإفلاس الدول:
- أسبانيا في القرن السادس عشر أفلست 4 مرات بسبب الإنفاق العسكري لحماية تجارتها مع أمريكا. – عام 1820 أفلست عدة دول منها أمريكا اللاتينية بسبب دخولها في سوق السندات في لندن. – إفلاس العديد من الدول في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، بسبب انتشار الحماية التجارية، ما دفع الدول التي تعتمد على التجارة الخارجية للإفلاس. – افلاس روسيا عام 1998 بسبب الأزمة الإقتصادية الناتجة عن تحولها من دولة شيوعية إلى دولة رأسمالية. – افلاس الأرجنتين عام 2001 بسبب الأزمة المالية وتعاظم الديون. – أما الولايات المتحدة … فأفلست مرتين: الأولى في عام 1933 عندما صدر أمر تنفيذي بمصادرة الذهب من أيدي المواطنين لصالح الدولة، وكان سعره 20 دولارا للأونصة ثم رفع سعره إلى 35 دولارا للأونصة. أما الثانية فكانت في عام 1971 م، عندما أوقفت تغطية الدولار بالذهب، ما يعد إفلاسا فعلياً.