آخر الاخباراقتصاد وأسواق

أزمة سلاسل الإمداد تجبر الشركات الأمريكية على عقلية “ماذا لو”

بوابة الاقتصاد

قبل أربعة أعوام، استدعاني بيتر نافارو، المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي -آنذاك- دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض لمناقشة تقرير كان قد بدأه بعنوان غير جذاب، “تقييم وتعزيز قاعدة التصنيع والدفاع الصناعية ومرونة سلاسل الإمداد في الولايات المتحدة”.
كان رد فعلي الأولي “الخاطئ” هو المزاح بأنه “بدا قديما جدا”. نافارو، في الأساس، كان يجادل بأنه يتعين على الحكومة والشركات إدراك مخاطر استخدام سلاسل الإمداد غير الأمريكية – والتنسيق بسرعة لإيجاد بدائل محلية. لكن هذا النوع من التدخل الحكومي – بموقفها المناهض للعولمة – بدا غريبا في ذلك الوقت، نظرا إلى روح ما بعد الحرب الباردة لرأسمالية وول ستريت.
ليس بعد. الأسبوع الماضي، حذر لاري فينك، الرئيس التنفيذي لـ”بلاك روك”، من أن “الأزمة في أوكرانيا وضعت حدا للعولمة التي شهدناها خلال العقود الثلاثة الماضية”. هذا الأسبوع استند البيت الأبيض إلى قوى حقبة الحرب الكورية لتعزيز إمدادات معادن البطاريات مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت.
في غضون ذلك، تروج “إنتل”، المجموعة الأمريكية لصناعة الرقائق، لخطط تعزيز الإنتاج في ألمانيا وأوهايو. سواء أكنت تتبنى عقيدة نافارو التجارية أم لا “أنا لا أفعل ذلك”، فإن هذه الأفكار تعود إلى الظهور الآن في إدارة بايدن وبقوة.
إذن، ماذا يعني هذا للمستثمرين؟ انطلاقا من المحادثات الأخيرة مع كبار المسؤولين التنفيذيين، هناك ثلاثة آثار عملية على الأقل.
الأول، أن عقلية “ماذا لو” الراديكالية تعيد تشكيل تخطيط السيناريو حول سلاسل الإمداد. لا، هذا لا يعني أن الشركات تعيد الإنتاج إلى موطنها الأصلي. توقعات فينك بنهاية العولمة لا تزال تبدو مبالغا فيها بعض الشيء، كما يقول المؤرخ الاقتصادي آدم توز. لكن مجالس الإدارة تتصور الآن مخاطر حدوث تطورات غير متوقعة لم يكن من الممكن تصورها وتعيد توجيهها.
ضع في الحسبان الرقائق. عرف المديرون التنفيذيون في الولايات المتحدة من الناحية النظرية منذ أعوام أن الصناعة الحديثة تعتمد بشكل كبير – بدرجة خطيرة – على تايوان. تمتلك شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة 53 في المائة في السوق العالمية لصناعة أشباه الموصلات و92 في المائة في سوق صناعة الرقائق المتطورة. على الرغم من ذلك، حتى وقت قريب وضعت قلة من الشركات بفاعلية خطط طوارئ لسيناريو يمكن أن تنهار فيه، مثلا، إمدادات تايوان بسبب الوضع المتوتر مع الصيني.
قال لي مدير مالي في إحدى الشركات الأمريكية العملاقة، “لكننا الآن نفكر جديا في المخاطر المتعلقة بإمدادات تايوان”. يرجع ذلك جزئيا إلى الاضطرابات بسبب الجائحة التي سلطت الضوء على الهشاشة عندما أجبر نقص الرقائق بعضا من قطاع السيارات في الولايات المتحدة وأوروبا على وقف الإنتاج.
في غضون ذلك، سهلت العملية العسكرية الروسية تصور هجوم على تايوان. يبدو هذا غير مرجح على المدى القصير، لأن المشكلات المصاحبة للأزمة في أوكرانيا أعطت بكين درسا مفيدا حول مخاطر الهجمات العسكرية. مع ذلك، لا يزال هذا يمثل خطرا متوسط المدى، ستعمل الصين على صقل تخطيطها لتجنب أخطاء روسيا، كما يقول ديفيد ساكس من مجلس العلاقات الخارجية. يشير إلى أنه “على الرغم من اعتماد العالم على أشباه الموصلات التايوانية، لا توجد أي خطة واقعية أو خيار لتنويع مصادر الرقائق حتى الآن”.
هذا يدفع إلى تحول ثان، التخزين. قبل عقد من الزمن، كانت كلمات مثل “الكفاءة” و”التبسيط” منتشرة. في الوقت الحالي، هناك إدراك جديد مفاده أن المرونة تتطلب وجود فائض، أي مخزونات واسعة وأكبر. ليس من السهل على الشركات تحقيق ذلك، بالنظر إلى ضغوط التخزين والإمدادات. تشير بيانات وزارة التجارة الأمريكية إلى أن الشركات لديها مخزونات رقائق تكفي لخمسة أيام فقط في الوقت الحالي، انخفاضا من 40 يوما في 2019. لكن تطلعات التخزين موجودة، ومن هنا جاءت حقيقة أن زيادات المخزون شكلت 4.9 نقطة مئوية من النمو الأمريكي في نهاية العام الماضي.
التحول الثالث هو أن الشركات تبحث الآن في سلاسل الإمداد برؤية جانبية وليست محيطية. قبل عقد من الزمان، طور مديرو المشتريات عادة استراتيجياتهم بناء على مبادئ المصلحة الذاتية الفردية العقلانية، وتعظيم الأرباح، والكفاءة. لكن الأزمة المالية في 2008 أظهرت أن ما يبدو “عقلانيا” بالنسبة إلى الفرد يمكن أن يكون غير منطقي بالنسبة إلى مجموعة ما. عندما حاول المستثمرون جميعا تقليل مخاطرهم عن طريق التحوط مع “إيه آي جي”، أدى ذلك إلى نقطة انهيار حاسمة- ومزيد من المخاطر. تتعلم سلاسل الإمداد الدرس نفسه الآن، إذا كانت كل شركة تستخدم نقاط النقل نفسها بحثا عن “الكفاءة”، فإن هذا يؤدي إلى اختناقات جديدة. ديناميكية المجموعة مهمة.
دفع ذلك بالفعل إلى تدخلات الحكومة في عالم صناعة الرقائق، أنشأ البيت الأبيض “نظام تنبيه مبكر” من أجل “ضم قطاع الصناعة وتشجيع زيادة الشفافية في جميع أنحاء سلاسل الإمداد”. في الحقيقة، هذا لا يعمل بشكل جيد “حتى الآن”. لكن الرسائل واضحة، لم تعد بيانات سلاسل الإمداد مجرد مسألة مدفوعة بمصالح الملكية. من المرجح أن تمتد المبادرة إلى ما وراء الرقائق أو المعادن، تقرير نافارو لـ2018 قدم بالتفصيل كثيرا من العناصر ذات التكنولوجيا العالية والمنخفضة التي تواجه هشاشة سلاسل الإمداد، بداية من ألياف الكربون إلى قشور الحبوب.
هناك، حتما، جوانب سلبية كبيرة لهذه التحولات الثلاثة، حتى العودة المتواضعة إلى عالم تعيد فيه الشركات إنتاجها إلى موطنها الأصلي، والفائض، والتدخل الحكومي، ستكون تضخمية، كما يشير فينك. هذا أيضا قديم جدا. لكن النقطة الأساسية الآن هي أن الأحداث في أوكرانيا أظهرت أنه من المكلف تجاهل سيناريوهات “ماذا لو”. لن ينسى كبار المسؤولين التنفيذيين في أمريكا هذا الأمر مجددا، وينبغي للمستثمرين عدم ذلك أيضا.

اقرا اهم الاخبار الاقتصادية في نشرة لوجيستيك نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى