كيف تفادت روسيا الانهيار المالي؟
بوابة الاقتصاد
خطة بوتين لإجبار مشتري الغاز الأوروبيين على الدفع بالروبل قد توفر دفعة إضافية للعملة
قضى الروبل الروسي على جميع الخسائر التي تكبدها بعد الاجتياح العسكري لأوكرانيا، مع تطبيق موسكو ضوابط صارمة على رأس المال، ومنع معظم التجار الأجانب من الخروج من استثماراتهم. ويظهر انتعاش العملة كيف تمكنت موسكو من درء انهيار النظام المالي للبلاد، ولكن على حساب مزيد من عزل روسيا عن التمويل العالمي، إضافة إلى التراجع الاقتصادي القوي. وكان الروبل قد انخفض في أوائل شهر مارس (آذار) إلى 150 مقابل الدولار، فاقداً ما يقرب من نصف قيمته في أقل من أسبوعين، بعد أن أدت العقوبات الأميركية والأوروبية إلى استبعاد روسيا من أنظمة الدفع العالمية، وتجميد جزء كبير من صندوق الحرب الذي تجاوز 600 مليار دولار من قبل البنك المركزي للبلاد.
وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال زيارته لبولندا الأسبوع الماضي: “نتيجة لعقوباتنا غير المسبوقة، تحول الروبل على الفور تقريباً إلى أنقاض”. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت العملة بشكل كبير، وتم تداولها يوم الخميس عند 81.7 للدولار، وهو نفس المستوى تقريباً في 23 فبراير (شباط)، أي قبل يوم من إرسال بوتين القوات الروسية إلى أوكرانيا.
ووفقاً لأوليج فيوجين، رئيس مجلس الإشراف على بورصة موسكو والنائب السابق لمحافظ البنك المركزي، ساعدت عائدات النفط والغاز على استقرار الروبل، مع استمرار تدفق الصادرات إلى أوروبا، لكن القيود الصارمة التي أدخلتها موسكو لدعم قيمة الروبل كانت حاسمة في تجنب أزمة عملة أعمق.
وقال فيوجين: “كانت هناك لحظة في البداية عندما انخفض الروبل بشكل حاد، عندما كان العديد من المواطنين ينقلون أموالهم إلى الخارج”. وأضاف: “ولكن بعد ذلك تم حظر ذلك، وأصبح من المستحيل إلى حد كبير استخدام الدولارات في البلاد أو في الخارج”.
ومنع الروس من نقل الأموال إلى حساباتهم المصرفية الأجنبية، أو استخراج أكثر من 10000 دولار من العملات الدولية على مدى الأشهر الستة المقبلة، أو أخذ أكثر من هذا المبلغ خارج البلاد نقداً. كما تم حظر البنوك والوسطاء مؤقتاً من تشغيل البورصات الأجنبية القائمة على النقد للدولار واليورو. إلى جانب ذلك، ضاعف البنك المركزي أسعار الفائدة بأكثر من الضعف إلى 20 في المئة، ما وفر حافزاً للناس لتوفير الروبل بدلاً من إغراقه بالعملة الأجنبية. ومنع هذا الإجراء التدافع على البنوك وأبقى النظام المصرفي الروسي سليماً. كما منع الأجانب من الخروج من الأسهم المحلية، ما ترك استثماراتهم محاصرة.
وقال كريستيان ماجيو، رئيس استراتيجية محفظة الأسواق الناشئة في “تي دي سيكيوريتيز”، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: “الأسهم تُدار بشكل كبير من قبل السلطات لدرجة أنني لا أعتقد أن هذه هي المستويات التي يمكن اعتبارها انعكاساً للاقتصاد الروسي، أو رد فعل للعقوبات”.
ووفقاً لماجيو، فإن المستثمرين الأجانب، وكثيراً منهم محاصرون فعلياً في حيازة أصول روسية، غير قادرين على التعامل في هذه السوق، حيث توقفت البنوك خارج روسيا إلى حد كبير عن الاقتباس من أسعار صرف الدولار والروبل. وقال “في الخارج هذه السوق غير موجودة”. ومع ذلك، فقد عززت العقوبات بالفعل إحدى نقاط القوة التقليدية للاقتصاد الروسي، وهو فائضها التجاري. وأشار فيوجين إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة إلى جانب الانخفاض الحاد في الواردات قد خلق “ميزاناً تجارياً قوياً للغاية، وفائضاً هائلاً من العملة في الميزان التجاري”.
إعادة بناء احتياطيات البنك المركزي
وقالت إلينا ريباكوفا وروبن بروكس، الاقتصاديان في معهد التمويل الدولي، إن مبيعات النفط تشكل نحو 30 في المئة من الإيرادات المالية لروسيا، كما أن الزيادات الحالية في الأسعار العالمية تمنح روسيا شروطاً أقوى للتبادل التجاري منذ “ذروة النفط” في عام 2008″. لذا، فحتى لو قلت روسيا من شحن النفط الآن بسبب العقوبات الغربية، فلا يزال بوتين يتلقى الكثير من تدفقات العملة الصعبة.
وتوقعت ريباكوفا أن يصل الحساب الجاري لروسيا على الأرجح إلى ما بين 200 مليار دولار إلى 250 مليار دولار في عام 2022، من نحو 120 مليار دولار في عام 2021، بسبب انهيار الواردات جنباً إلى جنب مع صادرات السلع القوية. وقالت إن هذه الإيرادات تعني أن روسيا يمكنها إعادة بناء احتياطيات البنك المركزي التي تم تجميدها بموجب العقوبات في فترة تزيد قليلاً على عام. كما اضطرت الشركات التي تحقق عائدات بالعملات الأجنبية، وخصوصاً مصدري النفط والغاز، إلى تحويل 80 في المئة من هذه العائدات إلى روبل، ما أدى فعلياً إلى إسناد مهمة دعم العملة إلى القطاع الخاص.
وأنفق البنك المركزي الروسي بشكل متواضع نسبياً 1.2 مليار دولار على دعم الروبل في يومي العمل التاليين للاجتياح العسكري لأوكرانيا، ولم يتدخل في أسواق العملات منذ ذلك الحين، وفقاً لبياناته الخاصة. ويقول المحللون أيضاً إن خطة بوتين لإجبار مشتري الغاز الأوروبيين على الدفع بالروبل قد توفر دفعة إضافية للعملة.
انسحاب الشركات الأجنبية
ومع ذلك، فإن القوة النسبية للروبل يمكن أن تخفي الضرر العميق الذي يتوقع أن تلحقه العقوبات بالاقتصاد الروسي. وتقدر ريباكوفا أن الناتج الاقتصادي الروسي سينكمش بنسبة 15 في المئة هذا العام، ما يقضي على عقد ونصف من النمو، مع انهيار الطلب المحلي، ومع احتمال حدوث انكماش أعمق إذا كانت هناك عقوبات أخرى على صادرات النفط والغاز.
وقالت إن أكثر من 400 شركة أجنبية انسحبت من روسيا، والكثير منها “تعاقب نفسها” عن طريق الانسحاب من البلاد حتى لو كانت العقوبات لا تتطلب منها ذلك بشكل صارم. وقال تيموثي آش، الخبير الاقتصادي في “بلو باي لإدارة الأصول”، إن “سعر الصرف جزء من جهد سياسي للإيحاء بأن العقوبات لا تعمل”. وأضاف: “لكنها ليست سوقاً حقيقية، وأينما يتم تداول الروبل اليوم، أو غداً، أو العام المقبل، فقد حول بوتين روسيا إلى دولة منبوذة دولياً”.