العالم متعطش إلى مزيد من إمدادات النفط .. الخيارات ضيقة
بوابة الاقتصاد
استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على صعود، بسبب احتدام الحرب في أوكرانيا وتنامي المخاوف من شح الإمدادات النفطية، بالتزامن مع إعلان بعض الدول المنتجة في “أوبك +”، صعوبة الوفاء بحصصها من الزيادة الإنتاجية المقررة، ما قد يوسع الفجوة بين العرض والطلب ويضغط على الأسعار نحو مزيد من الصعود.
ويجتمع وزراء الطاقة في مجموعة “أوبك +” الأسبوع المقبل لتدارس مستجدات السوق واستعراض تطورات العرض والطلب والمخزونات النفطية وتحديد مستويات الإمدادات الملائمة لأيار (مايو) المقبل، وسط أجواء شديدة التوتر نتيجة التأثير الواسع للعوامل الجيوسياسية في الأسعار، بسبب وتيرة الحرب المتصاعدة في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية المتشددة ضد صادرات الطاقة الروسية.
ويقول لـ”الاقتصادية” محللون نفطيون، “إن العقود الآجلة للنفط الخام ارتفعت بعد بقاء توقعات الإمدادات النفطية متشددة على خلفية انخفاض الإمدادات الروسية والتعافي المستمر في الطلب العالمي على النفط من تداعيات جائحة كورونا”.
وأوضحوا أن مؤشرات تنامي أنشطة الحفر الأمريكية والكندية تعزز الآمال فى تجاوز مخاوف شح الإمدادات النفطية قريبا، خاصة أن الفترة الراهنة تشهد عالما متعطشا إلى مزيد من إمدادات النفط الخام، وقد تم تضييق الخيارات أخيرا بشكل حاد مع بدء العقوبات الغربية ضد روسيا.
ونوه المحللون بتوقعات الرابطة الكندية لمنتجي البترول، أن الاستثمار في النفط والغاز سيرتفع 22 في المائة خلال العام الجاري إلى 26 مليار دولار، حيث سيكون هذا هو العام الثاني لنمو الاستثمار في النفط والغاز الكندي مدفوعا بارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وفي هذا الإطار، يقول لـ”الاقتصادية” روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية “إن بداية الأسبوع شهدت عودة قوية للمكاسب بسبب تصاعد المخاطر الجيوسياسية، كما عزز تراجع حالات الإصابة بالوباء في الصين من معنويات المستثمرين، وهو ما جعل السوق قلقة بشأن اضطرابات الإمدادات”.
وأضاف أن “المخاوف من شح المعروض تتنامى مع إقرار حزم جديدة من العقوبات ضد روسيا، وبحث الاتحاد الأوروبي حظر النفط الروسي أسوة بما حدث في الولايات المتحدة”، مشيرا إلى تحذير وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي مما سمته بصدمة محتملة في إمدادات النفط العالمية، حيث من المرجح أن يتم إغلاق ما يقدر بثلاثة ملايين برميل يوميا من إنتاج النفط الروسي في الشهر المقبل بسبب العقوبات وتجنب المشترين للمصدر الرئيس.
من جانبه، يقول ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة “إن سوق النفط الخام يغيب عنها الاستقرار، وقد تفاقمت الاضطرابات بعد التدخل الروسي في أوكرانيا قبل شهر”، مشيرا إلى أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع عجزا في ميزان العرض والطلب في سوق النفط يبلغ 700 ألف برميل يوميا في الربع الثاني من العام الجاري، خاصة أن أغلب التكهنات ترجح أن يلتزم منتجو “أوبك +” في خطط الزيادات الشهرية التدريجية.
وذكر أن أسعار النفط انخفضت على نحو واسع في الأسابيع الأخيرة من أعلى مستوى في 13 عاما عند 139 دولارا للبرميل في أوائل آذار (مارس) بسبب جني الأرباح وتفاؤل بعض الدوائر بنجاح مفاوضات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، لكن التوقعات في السوق حاليا تميل إلى استئناف المكاسب السعرية مع استمرار تقلص العرض في مقابل نمو الطلب.
من ناحيته، يقول ماثيو جونسون المحلل في شركة أوكسيرا الدولية للاستشارات “إن معنويات السوق تتحسن تدريجيا مع تنامي الآمال في قصر أمد الحرب، علاوة على انخفاض حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا فى الصين، ما أدى إلى تهدئة مخاوف المستثمرين من خروج العدوى عن نطاق السيطرة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم”.
وأوضح أن ثقة المستثمرين تلقت دعما جيدا من تحرك الصين سريعا لاحتواء أكثر حالات التفشي للفيروس منذ اندلاع الوباء قبل عامين، حيث نجحت من خلال عمليات الإغلاق والاختبارات الجماعية في تبديد المخاوف من مواجهة أزمة خانقة جديدة مثلما حدث في 2020.
بدورها، تقول نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية “إن كثيرا من الاقتصادات الدولية خاصة في الاتحاد الأوروبي في سباق للبحث عن بدائل للنفط والغاز الروسيين، وكثير منها يقطع خطوات أكبر لتوسيع الشراكة مع دول الخليج والشرق الأوسط في مجال الطاقة، إضافة إلى زيادة الطلب على النفط حتى خارج تحالف (أوبك +)”، مشيرة إلى أنه – على سبيل المثال – أدى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أكثر من مائة دولار وتنفيذ الحظر الأمريكي على واردات النفط الروسي تلقائيا إلى زيادة الطلب على النفط الخام الكندي الثقيل، حيث إن الطلب على منصات الحفر في كندا قفز إلى أعلى مستوى منذ أعوام.
ولفتت إلى خطط كندا زيادة صادرات النفط إلى أوروبا، حيث تسعى أوروبا إلى تنويع مورديها في أعقاب الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، مشيرة إلى أن أبرز الصعوبات أمام الإمدادات النفطية الكندية إلى الأسواق الأوروبية وغيرها هي قيود سعة خطوط الأنابيب إضافة إلى التزام كندا ببرامج خفض الانبعاثات، التي تستهدف صناعة النفط والغاز في الأساس باعتبارها أكبر مساهم في الانبعاثات.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، قفزت أسعار النفط ستة دولارات بنسبة تجاوزت 5 في المائة أمس، في الوقت الذي تدرس فيه دول الاتحاد الأوروبي الانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض حظر على النفط الروسي، بينما تسبب هجوم على منشآت نفطية سعودية أمس في توترات.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت إلى 114.69 دولار للبرميل، كما ارتفع سعر نفط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 5.52 في المائة إلى 110.48 دولار.
وصعدت الأسعار قبل محادثات تجري هذا الأسبوع بين حكومات الاتحاد الأوروبي والرئيس الأمريكي جو بايدن في سلسلة من اجتماعات القمة التي تهدف إلى تشديد رد الغرب على الأزمة الروسية – الأوكرانية.
وستدرس حكومات الاتحاد الأوروبي إذا ما كانت ستفرض حظرا نفطيا على روسيا.
وعاد التركيز على إذا ما كان سيكون بوسع السوق تعويض الإنتاج الروسي من النفط، الذي تضرر من العقوبات مع عدم وجود أي علامة تذكر على تراجع الصراع.
وقال جيفري هالي كبير محللي “أواندا” في مذكرة “إن اعتداء الحوثيين على محطة طاقة سعودية والتحذيرات من حدوث نقص في إنتاج (أوبك) وحظر نفطي محتمل من الاتحاد الأوروبي على روسيا أدت إلى ارتفاع أسعار النفط في آسيا”.
وأضاف “حتى لو انتهت حرب أوكرانيا غدا فسيواجه العالم عجزا هيكليا في الطاقة بسبب العقوبات على روسيا”.
وأظهر أحدث تقرير صادر عن مجموعة “أوبك +” أن إنتاج بعض الدول لم يصل بعد إلى المستوى المتفق عليه من حصصها الإنتاجية.