آخر الاخباراستثمار

أسعار الفائدة والدولار .. ترابط وتشابك

بوابة الاقتصاد

كما كان متوقعا، جاءت زيادة “الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي” الفائدة ضمن النطاق الطبيعي، أو لنقل في إطار سياسة الزيادات التدريجية البسيطة في كل مرة، فالولايات المتحدة لم تعد بالفعل تتحمل الارتفاع الكبير لمستويات التضخم التي بلغت أعلى درجاتها منذ أكثر من أربعة عقود، وكذلك الأمر في ساحات الاقتصادات الأخرى.
ورغم أن الفائدة المرتفعة تتسبب عمليا في إعاقة مسار التعافي والنمو الأكثر استدامة في أعقاب الأزمات التي خلفها وباء كورونا، إلا أن وصول التضخم إلى مستويات تاريخية مرتفعة لا يمكن تحملها بأي شكل من الأشكال، خصوصا في الأسابيع القليلة الماضية التي شهدت فيها الولايات المتحدة زيادة قوية في تكاليف المعيشة، مع ارتفاع أسعار الوقود بفعل استفحال الأزمة الروسية – الأوكرانية.
يأتي من ضمن أهم إيجابيات رفع الفائدة كبح جماح عمليات الإقراض لتقليل نسبة السيولة في السوق، وهو ما يؤدي إلى خفض أسعار السلع والخدمات.
كما يؤثر رفع الفائدة في إمكانية تخفيض نسبة التضخم في السوق العقارية.
“الفيدرالي الأمريكي” الذي أبقى على سعر الفائدة دون تغيير منذ أكثر من ثلاثة أعوام، يتوقع أن تصل الفائدة بحلول العام الجاري بين 1.75 و2 في المائة، لتحقيق هدف قد لا يتحقق في ذلك التاريخ وهو الإبقاء على التضخم دون مستوى 2 في المائة.
الفائدة الأمريكية المرتفعة لا تختص بالساحة المحلية فقط بل تشمل الساحة العالمية ككل، نظرا للترابط والتشابك مع الدولار الأمريكي، واقتصادات معظم الدول، فضلا عن الجهات التي تستثمر أساسا في السندات الأمريكية، وتسعى إلى زيادة محافظها من هذه السندات إذا ما ارتفعت العملة الأمريكية.
وعادة ما يستقطب الاقتصاد الأمريكي في ظل فائدة عالية بعض الشيء تدفقات استثمارية في السندات، ما يحدث مشكلات متفاوتة في بعض الاقتصادات التي خرجت منها تلك الاستثمارات.
الاقتصادات الناشئة من أكثر الدول التي تخشى رفع الفائدة على الدولار الأمريكي، فالدولار المرتفع المعزز بفائدة يشهد ارتفاعات تدريجية ويشجع المستثمرين على التخلي عن الأصول المالية في الاقتصادات الناشئة، وتحويلها إلى الساحة الأمريكية والاقتصادات المتقدمة عموما.
كما أن الدولار المرتفع يؤثر في أسواق الأسهم أيضا، والعالم لا يزال يذكر الاضطرابات التي أصابت هذه الأسواق في عام 2013، عندما قرر “المركزي الأمريكي” رفع الفائدة آنذاك. المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، ففي العودة إلى الاقتصادات الناشئة ستعاني تكاليف إقراض مرتفعة بالدولار.
ولا بد من الإشارة إلى أن المستوى الحالي للفائدة الأمريكية عند 0.5 في المائة لا يزال دون المخاطر على أوضاع الاقتصادات الناشئة، لكن مع تأكيدات بمواصلة رفع الفائدة في الأشهر المقبلة، ستزداد الضغوط في هذا الميدان الحيوي، فحتى المشرعون الأمريكيون لا يريدون أن يقفزوا بالفائدة درجات أكبر، بغية خفض مستوى المخاطر على النمو، والتعافي الاقتصادي بشكل عام.
وللمسألة جوانب سلبية أخرى على الاقتصاد الأمريكي، فالدولار المرتفع في أعقاب زيادة الفائدة، يعني أن الصادرات الأمريكية ستكون أكثر تكلفة بالنسبة إلى المستوردين، وهذه أيضا مشكلة تواجه المشرعين الأمريكيين، لكنهم في النهاية لا مجال أمامهم سوى كبح جماح التضخم، وخفض المخاطر التي تضرب شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي على صعيد تكاليف المعيشة.
لا توجد مؤشرات تدل على أن التضخم سيصل إلى المستوى المستهدف 2 في المائة في وقت قريب، والأمر نفسه في الاقتصادات المتقدمة الأخرى.
أمام ذلك ستكون هناك قفزات أخرى للفائدة في المرحلة المقبلة، ما يرفع من حجم الضغوط على كل الاقتصادات في العالم، بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي، في وقت كان العالم يتمنى أن تنتهي الآثار الاقتصادية المخيفة التي خلفها الوباء في أقرب وقت ممكن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى