جون ثورهنيل يكتب: هل يسقط الستار الحديدي الرقمي لروسيا؟
بوابة الاقتصاد
بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا الشهر الماضي، حثت كييف المجتمع الدولي على معاقبة روسيا من خلال قطع اتصالاتها بالإنترنت. “آيكان”، وهي منظمة غير سياسية وغير ربحية تدير “دفتر عناوين” الإنترنت، رفضت هذا الطلب عن حق، بحجة أن مثل هذه الخطوة “سيكون لها آثار مدمرة ودائمة في ثقة وفائدة هذا النظام العالمي”.
لكن روسيا عازمة بشكل متزايد على عزل نفسها عن بقية العالم الرقمي من خلال تسريع إنشاء “شبكة إنترنت سيادية”. روسيا مصممة على تشديد الضوابط على الإنترنت من أجل تتبع المستخدمين ومراقبة تدفق المعلومات ومنع حشد المعارضة السياسية.
يؤدي هذا إلى مزيد من تسييس شبكة الاتصالات العالمية وتفكيكها، الإنترنت ينقسم إلى “سبلنترنت” أو شبكة الإنترنت المقسمة. وفقا لـ“آكسس ناو”، منظمة دولية لحقوق الإنسان، كان هناك ما لا يقل عن 155 إغلاقا للإنترنت في 29 دولة في 2020، مقارنة بـ75 دولة في 2016، حيث سعت بعض الحكومات الوطنية إلى إسكات الاحتجاجات أو التأثير في الانتخابات. يقول أندرو سوليفان، رئيس جمعية الإنترنت، “الإنترنت هو مصدر هائل للبشرية بأكملها. من الناحية التقنية، هو قوي جدا ولكنه هش جدا من الناحية السياسية”. أضاف، “يحاول الناس إيقافه. هذه كارثة”.
لأعوام عديدة، نظرت الحكومة الروسية إلى الإنترنت باعتباره قوة للحداثة والتنمية الاقتصادية. على عكس الصين، التي طورت شبكتها الخاصة المدارة بعناية، ربطت روسيا نفسها بحماس إلى بقية العالم بتشجيع شركات التكنولوجيا الروسية والغربية. ظهرت شركات الإنترنت المحلية القوية، مثل “فكونتاكتي” و “يانديكس”، وازدهر اقتصاد التطبيقات المبتكرة. بحلول 2020، كان ما يقارب من 85 في المائة من الروس يستخدمون الإنترنت.
مع ذلك، فإن صقور الأمن المحيطين ببوتين، المعروفين بـ”سيلوفيكي”، قلقون من فقدان السيطرة السياسية بعد الاحتجاجات الجماهيرية في 2011 ضد التزوير الانتخابي. منذ ذلك الحين فكوا ارتباط روسيا بالإنترنت بشكل تدريجي وزادوا الضوابط. استولى حلفاء الكرملين على “فكونتاكتي”، التي يطلق عليها “فيسبوك الروسية”. وشددت الحكومة الخناق على مواقع يوتيوب وتويتر وفيسبوك في محاولة لفرض رقابة على المحتوى المحظور. في 2019، وافق بوتين على قانون سيادي للإنترنت يوجه جميع مزودي الخدمة بتوجيه المنشورات من خلال الفلاتر التي تسيطر عليها وكالة الرقابة الرقمية في الكرملين “روسكومنادزور”.
الأزمة الروسية الأوكرانية تفصل الإنترنت الروسي بشكل أكبر، حيث يحجب الكرملين مزيدا من الخدمات الأجنبية، مثل “فيسبوك”. الأزمة أيضا ضربت “يانديكس”، المعروفة باسم جوجل الروسية، وعديدا من شركات التكنولوجيا المحلية الأخرى. قد يظل الروس قادرين على الوصول إلى الإنترنت العالمي عبر الشبكات الخاصة الافتراضية “في بي إن” والويب المظلم ولكن قد يصبح الأمر أكثر صعوبة.
المفارقة هي أن العزلة المتزايدة لروسيا ستؤثر بشدة في قدرة الكرملين على تحقيق هدف ثان مهم، إقامة سيادة تكنولوجية أكبر في شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي وأنظمة التشغيل والحوسبة السحابية. العقوبات الغربية ستؤدي إلى قطع الواردات الروسية من المنتجات والخدمات التقنية المهمة. كثير من الشركات الأجنبية مثل “مايكروسوفت” و”أبل” و”أوراكل” و”سيسكو” ترفض البيع لروسيا أو تغلق العمليات هناك. تقول ألينا إبييفانوفا، زميلة باحثة في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية ومؤلفة تقرير عن سعي روسيا إلى السيادة الرقمية، “سيتم تدمير الإمكانات التكنولوجية لروسيا لفترة طويلة. تتطلب هذه الصناعة أعوام عديدة من الاستثمار وبيئة مواتية. أضافت، “أصبحت المنتجات والخدمات الروسية غير مرغوبة الآن”.
على الرغم من الأحلام المبكرة لشبكة الإنترنت كمورد مفتوح وعالمي، إلا أنها تنقسم بسرعة إلى ثلاثة “أغلفة معلوماتية” مهيمنة ذات مناهج ومصالح وقواعد مختلفة: نموذج أمريكي تحرري، وأوروبي أكثر تنظيما، ونسخة صينية تسيطر عليها الدولة.
من الواضح أن روسيا تحاول إنشاء غلاف معلومات رابع باللغة الروسية، لكنها في موقف ضعيف بالنظر إلى الافتقار إلى التصنيع التكنولوجي المحلي القوي. موسكو الآن ليس لديها خيار سوى الاعتماد على المعدات والخبرات الصينية. قد يقلق هذا أيضا مجموعة سيلوفيكي. وتتعرض بكين نفسها للضغط من تشديد القيود الأمريكية على صادرات التكنولوجيا. كما هو الحال في أي مكان آخر، قد يحقق بوتين ميزة تكتيكية قصيرة المدى من خلال إنزال ستار حديدي رقمي، لكن روسيا تواجه خسارة استراتيجية طويلة المدى.
مدير سابق لمكتب “فاينانشيال تايمز” في موسكو