آخر الاخباراستثماراقرأ لهؤلاء

رأي بوابة الاقتصاد: موجة تضخمية واستثمارات قلقة

بوابة الاقتصاد

كان التضخم قبل نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية هما دائما للبنوك المركزية حول العالم، ولا سيما أنها حاولت أن تبقي أسعار الفائدة عند أقل مستوياتها الممكنة من أجل مواصلة دعم مسار التعافي لتحقيق النمو المأمول الأكثر استدامة، بعد عامين من ضربات هائلة القوة للاقتصاد العالمي أتت من تفشي وباء كورونا. حتى إن البنك المركزي الأوروبي كان أكثر المصارف المركزية تمسكا بسياسة التيسير الكمي، ومواصلة حزم الدعم، إلا أنه خفض من حماسه هذا، على وقع ارتفاع مخيف لمعدلات التضخم التي بلغت في الاقتصادات المتقدمة أعلى درجاتها منذ أكثر من أربعة عقود. والمسألة حاليا ليست لها علاقة بكيفية التخلص من التضخم، بل في كبح جماحه، بعد أقل من شهر من انفجار الأزمة بين موسكو وكييف، التي أربكت المشهد الاقتصادي الدولي عموما، بما في ذلك ارتفاع أسعار الوقود والسلع، حتى المواد الأولية.
أمام هذا المشهد ينظر المستثمرون في العالم بقلق شديد إلى الصورة الاقتصادية الكاملة. فالتضخم المرتفع يعني ببساطة تهديدا مباشرا لاستثماراتهم، كما أنه يوسع النطاق الزمني لعدم اليقين الموجود على الساحة. فكل المشرعين الاقتصاديين يؤكدون هذه النقطة، بوصفها محورية في رسم السياسات الاقتصادية وفي طمأنة المستثمرين في آن معا. حتى قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية – الروسية، حدثت بعض التحولات الاستثمارية بفعل الارتفاع المتواصل للتضخم، وتردد البنوك المركزية للوهلة الأولى في الإقدام على رفع الفائدة، خوفا على مسيرة النمو. ومع تغير سياسات هذه البنوك، ظلت الأسئلة تتردد حول وضعية الاستثمار عامة، وتوجهات المستثمرين في المرحلة المقبلة، خصوصا أنه من غير الواضح المدة التي قد تستمر خلالها موجة ارتفاعات التضخم.
بالطبع، هناك كثير من البدائل أمام المستثمرين، لكنها تبقى ضمن حالة عدم اليقين العامة السائدة على الساحة الاقتصادية العالمية. فأسواق الأسهم يمكن أن تكون ساحة أكثر اطمئنانا للمستثمر في مواجهة التضخم المرتفع، ولا سيما أن ارتفاع هذا الأخير يأتي من زيادة أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي يدعم إيرادات الشركات وينعكس في النهاية بصورة إيجابية على أسهمها. وأيضا هناك ساحة العقارات، التي تمثل ملاذا آمنا للمستثمرين، وإن كانت بعوائد أقل، تماما كما هو الحال مع الذهب الذي يلجأ إليه المستثمرون عادة في ظل المصاعب الاقتصادية العامة، والتوترات السياسية الدولية والصراعات المسلحة. وتمويل العقارات الذي يسبق ارتفاع الفائدة، يسهم في دعم هذه الاستثمارات، خصوصا إذا كانت شروط التمويل ثابتة، أي ليست مرتبطة بحركة الفائدة. وكل هذا مرتبط بصورة أو بأخرى في النهاية بالمساحة الزمنية لحالة الاضطراب الاقتصادي هنا وهناك.
ولا شك أن السندات توفر ملاذا آمنا للمستثمر. فالسندات مرتبطة بأسعار الفائدة، التي تعد السلاح الأسرع والأمثل لكبح جماح التضخم. فالسندات التي تسبق زيادة الفائدة ستكون أقل استقطابا للمستثمرين، ما يرفع بالتالي من وتيرة بيعها. وفي كل الأحوال تبقى الحالة الاقتصادية العالمية العامة هي المحور الرئيس أمام استقرار الاقتصادات الوطنية، وبالتالي رفع مستوى الثقة بها، واستقطاب الاستثمارات في كل القطاعات. ولذلك، فإن الصراع الدائر حاليا بين روسيا وأوكرانيا سيواصل تأثيره في الميدان الاقتصادي الذي يشهد أكبر عقوبات تفرض على دولة “روسيا” على الإطلاق، كما أنه يشهد تحولات ستغير كثيرا مما كان قائما عليه قبل الحرب. والاستثمار كغيره من فروع الحراك الاقتصادي لا يحتاج إلا إلى بيئة مطمئنة ومستقرة، وأدوات سياسية تحل الخلافات مهما بلغت حدتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى