د.منجى على بدر يكتب: الاقتصاد المصرى بين الأمل والعمل وتحديات المستقبل
بوابة الاقتصاد
يعتبر اقتصاد مصر من أكثر الاقتصاديات تنوعا وتساهم قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات بنسب متفاوتة في مكونات الناتج القومى ونتيجة لمراحل الإصلاح الهيكلى الذى يطبق الجيل الثالث منه حالياً، فإن اقتصاد مصر يحقق نمواً مستنداً إلى مناخ جاذب للإستثمار وما تمتلكه مصر من بنية تحتية قوية للنقل والمواصلات والاتصالات ومصادر الطاقة، والأيدى العاملة الماهرة، والمدن الصناعية الحديثة، والمناطق الحرة، والنظام المصرفي، وسوق الأوراق المالية.
وقد اعتادت مصر العيش في خضم تعقيدات خارجية، لكن هذه هي المرة الأولى التي تجتمع عليها أزمات في غزة وليبيا والسودان وجنوب البحر الأحمر والحرب الروسية الاوكرانية دفعة واحدة، حتى قلنا أن مصر تتعايش مع حزام نارى فى منطقة الشرق الاوسط القلقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
وتتألم الدول بسبب التحديات التي تواجهها في الداخل أو الخارج، وتتألم أكثر عندما تجتمعان معا، وهذا هو حال مصر، حيث تواجهها صعوبات إقليمية على جبهات متعددة، ومع كل هذه الأزمات وارتداداتها تستطيع القاهرة ، بل استطاعت تفكيك الأزمات تدريجيا والحد من تداعياتها على الأمن القومي، بسبب الجبهة الداخلية الصلبة التى لديها مناعة كبيرة للمقاومة.
وأود الاشارة الى مقولة تنموية عالمية تم تطبيقها فى عدد من الدول ومنها دول جنوب شرق آسيا فحواها: ” لاثراء بدون بنية تحتية وطرق ولا استقرار بدون زراعة ولاثروة بدون صناعة “.
ومصر حققت العديد من بنود المقولة بنسب مختلفة تؤدى لتنمية اقتصادية مستدامة ولابد من انعاش القطاع الخاص المصرى واخراجه من شرنقة القطاع الخدمى ، والتى استمرت منذ بدء سياسة الانفتاح عام 1974 وحتى الآن ، الى الاقتصاد الحقيقي الانتاجى .
وقد عانت معظم دول الشرق الأوسط من أزمات عميقة ولكن كانت مناعتها الداخلية هشة وإن كانت أحوالها الاقتصادية جيدة، ومن حسن حظ مصر أنها تتشكل من سبيكة سكانية متماسكة إلى حد بعيد، مما يجعل لُحمتها الوطنية قوية تمكن الحكومة المصرية من الاستمرار في تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية، أو على الأقل إمكانية تجاوزها قريبا.
والحمد لله يتمتع المصريون بقدرة على التحمل والصبر، وبإمكانهم التكيف مع الصعوبات الداخلية والتكاتف خلف القيادة السياسية للتصدي للأزمات التى تواجهها بلدهمشريطة توافر رؤية شاملة، وهو ما يتوفر على المستوى الأمني بما تحوزه مصر من قدرات عسكرية كبيرة تسمح لها بمجابهة أية مخاطر.
ونرى أن سرعة التحول الى الاقتصاد الانتاجى هو التحدى الهام أمام الشعب المصرى بكل فئاته لأنه الضامن الحقيقي لتحقيق التنمية المستدامة ، مع تطوير القطاع الخدمى وخاصة خدمات التعهيد فى مجال تكنولوجيا المعلومات والسياحة والتركيز على القطاعات الرائدة مثل تكنولوجيا المعلومات والذكاءالاصطناعى والهيدروجين الاخضر والأدوية والكيماويات والتعدين والصناعات الهندسية .
وعلى الجانب الآخر ، استخدمت العولمة نمو التجارة الدولية والاستثمارات الاجنبية وتطور الاتصالات الحديثة كمطية لكى تنتشر بسرعة واقناع دول العالم بأهمية العولمة كوسيلة للنمو الاقتصادى والقضاء على الفقر مما زاد من انغماس المجتمع المحلى فى المجتمع الدولى وما له من ايجابيات وسلبيات، وكذا خلق طبقات مستفيدة من العولمة ومدافعة عنها باستماتة ، كما زاد التطور فى الذكاء الاصطناعى وتحدياته حيث لاتعرف الدول النامية مدى التطور الذى تم للذكاء الاصطناعى فى دول الغرب ويرى بعض الخبراء أن مانعرفه هو القشور فقط ، فهل يعود مرة أخرى التمايز التقنى والمعرفى بين الشمال والجنوب باستثناء الصين ، حيث سبق أن بدأت الثورة الصناعية فى أوربا وكنا نحن الدول النامية بعيدين عن آلياتها ومستهلكين فقط لمنتجاتها.
ان المستقبل يحمل توقعات وتحديات قد لايتحملها المواطن البسيط وستزداد تعقيدات الحياة وقد يتأثر مفهوم متعة الحياة ، كما سيزداد دور الدول الكبرى وتتعملق الشركات متعددة الجنسيات وتتقلص حرية الدول الصغيرة فى صنع مستقبلها بل قد يفرض عليها المستقبل وتنفذ ماهو مطلوب منها دون تردد.
ولكن هل مازال الوقت مبكرا لكى تتخذ الدول الحرة موقفا حاسما وحازما من الآن؟ وذلك بتفعيل سياسات براجماتية وتطوير اقتصاداتها وتنويع مصادر سلاحها والوصول لتحقيق أمنها الغذائى وحشد الموارد بما يمكنها من مواجهة تحديات المستقبل وحشد الموارد لتحقيق التنمية الشاملة ، حيث لم يعد الاستعانة بالشباب اختيار بل التزام واجبار على أن تقوم الحكومة بتخصيص حاضنات أعمال للشباب فى عدد من المجالات أهمها : تكنولوجيا المعلومات (Information Technology) والذكاء الاصطناعى (Artificial Intelligence) وعلوم الفضاء(Space Sciences) والهندسة الحيوية (Bioengineering) ، حيث أنه بغير القوة الشاملة لن تكون هنالك سيادة للدول .
==
الوزير المفوض الدكتور/ منجى على بدر
خبير العلاقات الدولية وعضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة
20مايو 2024