آخر الاخباراستثماراقرأ لهؤلاء

د. شعبان عبد الحميد رفاعي يكتب: التنمية العمرانية في ضوء السنة النبوية

بوابة الاقتصاد

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد: فالمقصود بالتنمية العمرانية؛ النشاط الذي يقوم به الإنسان لتوفير حالة من الرفاهية أو الحياة الكريمة من خلال التطور في البنيان والزراعة والصناعة، والمحافظة على الموارد الطبيعية، والتمدن الذي يترتب عليه اجتماع الإنسان.

الرفاعي
الرفاعي

وقد اعتنى الإسلام بعمارة الأرض وعمارتها، وتنميتها عناية خاصة وأولاها اهتماما مشهودا، فالله سبحانه وتعالى خلق الكون وهيأ فيه الظروف المثلى للحياة السعيدة المستقرة، ثم استخلف الإنسان ليقوم بإعماره على الوجه الأكمل الذي يحقق به مرضاة ربه وخدمة بني جنسه وخدمة الكون من حوله؛ قال تعالى:” هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } [هود: 61]. ومعنى استعمركم فيها: أمركم بعمارتها، وتنمية ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار، وشق أنهار. وقد ورد لفظ العمارة في كلام الإمام علي رضي الله عنه للدلالة على التنمية؛ فقد أرسل خطابا إلى واليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر رضي الله عنه، جاء فيه: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب خراجها؛ لأن ذلك لا يُدْرَك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة فقد خرب البلاد، وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المئونة عنهم، فغنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك”.

وجاءت السنة النبوية المطهرة لتأكد على دور الإنسان في إعمار الأرض والمحافظة عليها، وتنميتها؛ فوضع صلى الله عليه وسلم من خلال سنته القولية، وسيرته العملية مجموعة من الضوابط والأسس التي تضبط قضية الاستخلاف بضوابط الشرع الشريف، وتكون نبراسا للمسلم في كيفية عمارة الأرض، وتنمية ذلك العمران. ومن أهم ما نادت به السنة المطهرة لتحقيق التنمية العمرانية؛ الدعوة إلى العمل الجاد؛ فعمارة الأرض لا تقوم إلا بالعمل؛ قال تعالى وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾الأعراف: 129.

ولِعِظَمِ مكانة العمل ذكره القرآن الكريم مقرونًا بالإيمان في أكثر من سبعين آية من آياته، وقد حثَّ الإسلام على العمل، وأعلى من شأنه وبيَّن أهميَّتَهُ. قال الله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [الجمعة 9- 10]. فقد دعت الآية الكريمة إلى طلب البيع والشراء والتوجه إلى السعي في الأرض عقب الانتهاء من الصلاة المفروضة لإعمارها بالعمل الجاد طلبا للرزق والتماس الكسب الحلال.

وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم؛ الدعوة إلى العمل والحث عليه؛ فقد بين صلى الله عليه وسلم أن أفضل الكسب؛ كسب الرجل من عمل يده. عَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:” مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ”. قال الحافظ ابن حجر: ” والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد”. هذا؛ وللحديث بقية وبالله التوفيق والهداية.

جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UniSHAMS)

زر الذهاب إلى الأعلى