ما خيارات المركزي المصري بعد رفع الفيدرالي أسعار الفائدة؟
بوابة الاقتصاد
أجمع محللون على أنه لا مفر من الزيادة لكنهم تخوفوا من “عدم اليقين” الذي يسود العالم أجمع
نفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي وعوده منذ العام الماضي برفع معدلات الفائدة لتصل إلى أعلى زيادة منذ أكثر من 22 عاماً، بعدما قرر زيادة سعر الفائدة القياسي بمقدار نصف نقطة مئوية، في محاولة لكبح معدلات التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن سجّلت نحو 6.5 في المئة، ما زاد من الضغوط على بقية البنوك المركزية حول العالم، منها المركزي المصري.
البنوك المركزية العربية تسارع برفع الفائدة
وسارعت البنوك المركزية العربية، عقب قرار “الفيدرالي”، إلى رفع أسعار الفائدة، إذ أعلن المركزي السعودي رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء “الريبو” بمقدار 0.5 في المئة، من 1.25 إلى 1.75 في المئة، إضافة إلى رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس “الريبو العكسي” بمقدار 0.5 في المئة، من 0.75 إلى 1.25 في المئة.
وبالمعدل ذاته، رفع البحرين المركزي سعر الفائدة الأساسي للودائع لمدة أسبوع بمقدار 50 نقطة أساس إلى 1.75 في المئة. كما زاد أيضاً سعر الفائدة للودائع والإقراض لليلة واحدة 50 نقطة أساس إلى 1.5 في المئة و3 في المئة على الترتيب.
وبالنسبة عينها، رفع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي سعر الفائدة الأساسي بمقدار 50 نقطة أساس اعتباراً من الخميس. وقرر مصرف قطر المركزي رفع فائدة الإيداع 50 نقطة أساس إلى 1.50 في المئة وفائدة الإقراض 25 نقطة أساس إلى 2.75 في المئة. وبنسبة أقل، زاد بنك الكويت المركزي سعر الخصم بواقع ربع نقطة مئوية من 1.75 في المئة إلى 2 في المئة.
وفي القاهرة، يترقب مجتمع المال والأعمال ما سيسفر عنه اجتماع لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري المقرر عقده الخميس، 19 مايو (أيار) الحالي، وسط إجماع الآراء على اتجاه البنك إلى رفع أسعار الفائدة، في الوقت الذي اختلفت وجهات نظر المحللين في حديثهم إلى “اندبندنت عربية” حول مقدار النسبة المتوقعة لرفع أسعار الفائدة، إضافة إلى تداعيات القرار على الأسواق المحلية المصرية.
وكانت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري قررت في جلسة استثنائية في 21 مارس (آذار) الماضي، رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، أو ما يعادل 1 في المئة.
خطوة استباقية
من جانبه، قال رئيس قسم البحوث بالجامعة الأميركية في القاهرة هاني جنينة إن المركزي المصري “لا سبيل أمامه سوى زيادة أسعار الفائدة بعد إقدام غالبية البنوك المركزية في منطقة الشرق الأوسط على الرفع أيضاً”.
وتوقع جنينة رفع معدلات الفائدة في مصر بنسبة “لا تقل عن 200 نقطة أساس بما يعادل الـ 2 في المئة للحدّ من التضخم المرتفع، بعدما وصلت معدلاته إلى 12 في المئة في مارس الماضي”، مشيراً إلى أنه على البنك أن “يتخذ خطوة استباقية قبل إعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التضخم في أبريل (نيسان) الماضي”، متوقعاً “تخطيه حدود الـ 13 في المئة على أقل تقدير”.
وحول تأثير رفع أسعار الفائدة في ارتفاع تكلفة الاستثمار المحلي، أوضح جنينة أن المخاطر في الوقت الحالي “ليست في أسعار الفائدة”، شارحاً أن “أكبر المخاطر التي تواجه المستثمرين هي التضخم وحالة عدم اليقين التي تسود العالم أجمع”.
هل يتراجع التضخم؟
ومن جانبه، توقع الباحث في الاقتصاد الكلّي علي الإدريسي اتجاه البنك المركزي المصري إلى رفع معدلات الفائدة بما يتراوح بين 0.5 إلى 1 في المئة، مؤكداً أنه “لن يزيد على ذلك”.
وأضاف أن رفع أسعار الفائدة “سيقلل من معدلات التضخم بسحب السيولة من جسد الاقتصاد، ومن أيدي المواطنين مع تقليل الطلب، ما يدفع التضخم إلى التراجع”، لافتاً إلى أن رفع أسعار الفائدة “ليس الأداة الوحيدة لتقليل معدلات التضخم”، ومطالباً الحكومة المصرية بـ”اتخاذ حزمة من التدابير الوقائية لمحاربة التضخم”.
وأوضح الإدريسي أن “الحكومة عليها ترشيد عمليات الاستيراد من الخارج، علاوة على زيادة وتيرة الإنتاج المحلي، ونشر الوعي بين المواطنين بترشيد الإنفاق من خلال التركيز على شراء السلع الأساسية والاستراتيجية، وتقليل الصرف على السلع الترفيهية أو الكماليات، وترتيب الأولويات. غالبية دول العالم حالياً تدفع مواطنيها إلى إبطاء الإنفاق والاستهلاك عبر ترتيب أولويات الإنقاق”.
مزيد من الضغوط على الدول المثقلة بالديون
ومن جانبه، قال المستشار الأسبق لرئيس هيئة الرقابة المالية مدحت نافع إن رفع الفائدة الأميركية “يعني مزيداً من الضغوط على الدول المدينة، التي ستكون مضطرة الى سداد أصل وفوائد الديون بدولار أغلى نسبياً”، مضيفاً أن الدول المُثقلة بالديون “ستضطر إلى الاستدانة مجدداً لسداد القروض القائمة بفوائد أعلى”.
وأضاف، “أحد التداعيات السلبية لرفع أسعار الفائدة هو ارتفاع تكلفة الحصول على الدولار، ما يعني تأثر الواردات وزيادة عجز موازين التجارة مع ارتفاع فاتورة الاستيراد، متخوفاً من تكرار أزمة 2013 في الاقتصادات الناشئة.
وحول قرار المركزي المصري في اجتماعه المقبل، قال إنه يصعب التكهن بقراره، “لكن في الوقت ذاته تميل الترجيحات إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة لتفادي تناقص الفائدة الحقيقية مع ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير”.
وسجّل معدل التضخم السنوي في مصر خلال مارس الماضي نحو 12.1 في المئة، مرتفعاً للشهر الرابع على التوالي مقارنة بـ 8 في المئة في يناير (كانون الثاني) الماضي و10 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبذلك المعدل، تخطّى التضخم في مصر مستهدفات البنك المركزي المصري، إذ يضع نطاقاً مستهدفاً لمعدل التضخم السنوي عند مستوى 7 في المئة (بزيادة أو نقصان 2 في المئة) في المتوسط حتى الربع الأخير من 2022.
من جانبه، توقّع مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية عبد المنعم السيد أن استمرار سياسة الاحتياطي الفيدرالي في التشديد الكمّي النقدي “ستنعكس بشكل سلبي على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في أدوات الدين بالأسواق الناشئة، وعلى رأسها مصر”، مشيراً إلى أن القاهرة تعتمد بشكل كبير على “استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية (الأموال الساخنة)، وهو ما يهدد استقرار سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي علاوة على سحب نسبة من السيولة من البورصة المصرية، عن طريق تراجع حجم معاملات الأجانب، التي تتركز في الأسهم القيادية. كما ستدفع أسعار الذهب عالمياً إلى التراجع”، ومرجّحاً أن “يتراجع سعر الأوقية إلى أقل من 1800 دولار”.
أسعار الفائدة تصل إلى البرلمان
وأسعار الفائدة في مصر لم تنتهِ عند عتبات المركزي المصري فحسب، بل انتقلت إلى قبة البرلمان، إذ تقدمت عضو لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب آمال عبد الحميد بطلب إحاطة إلى الحكومة، وطالبتها بضرورة التدخل وإصدار التدابير الاحترازية لمواجهة تداعيات رفع أسعار الفائدة بعد قرار الفيدرالي الأميركي، على الأسواق الناشئة.
وأوضحت عبد الحميد في تصريحات صحافية أن “هناك تساؤلات تدور في ذهن المواطن المصري ومخاوف من موجة تضخم أخرى، وموجة غلاء جديدة في أسعار السلع والمواد الغذائية بعد قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي، البنك المركزي الأميركي برفع سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية لمكافحة التضخم المتزايد، في أكبر رفع للفائدة الأميركية منذ عام 2000”.
وتابعت أن القرار من شأنه أنه “يضع مزيداً من الضغوط على الدول ذات المديونية الكبيرة، وتصبح تسدد الدولار بقيمة أعلى، كما من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار، ومن ثمّ رفع قيمته أمام الجنيه، وهو ما سيؤثر بطبيعته في سعر الصرف، وسيتسبب بمزيد من زيادة الأسعار في مصر وزيادة معدلات التضخم، فضلاً عن نزوح الأموال الساخنة”.
وطالبت النائبة الحكومة باتخاذ التدابير الاحتياطية لمواجهة تداعيات ذلك، ومجابهة الآثار السلبية لرفع سعر الفائدة الأميركية وتقليل فاتورة الواردات والتزام التقشف الحكومي.
عاصفة اقتصادية
وعبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، اعتبر المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلّي هاني توفيق، قرار رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة “أسوأ عاصفة اقتصادية منذ 40 عاماً تقريباً”.
وقال، “هناك انخفاض في تدفق الأموال الساخنة إلى الأسواق الناشئة بما يزيد على الـ 40 في المئة خلال شهر واحد فحسب، ما يعني صعوبة استمرار اعتماد الدول في الأسواق الناشئة، من بينها مصر، على الديون القصيرة الأجل خلال الفترة المقبلة”، مشيراً إلى أن “الغموض يسيطر على موقف الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، ولا يمكن لأحد أن يتوقع الأحداث المقبلة”.