صناعة تداول السلع تواجه عاما مثيرا
بوابة الاقتصاد
ازدهر تجار السلع خلال الجائحة باستخدام شبكتهم العالمية من المحطات ومستودعات التخزين وأساطيل الشحن للاستفادة من الاضطرابات في العرض والطلب المتزايد.
حققت شركة فيتول صافي دخل قياسي تجاوز أربعة مليارات دولار العام الماضي، وفقا لأشخاص شاهدوا نتائج أكبر متداول نفط مستقل في العالم، بينما حققت منافستها “ميركوريا” 1.25 مليار دولار. تمتعت “ترافيجورا” كذلك بأرقام قياسية، وأيضا ذراع جلينكور التجارية.
السؤال الكبير الآن هو: ما إذا كان بإمكان الصناعة تكرار الحيلة والاستفادة نفسها من فوضى السوق التي أثارتها الحرب في أوكرانيا؟
لن يكون الأمر بتلك البساطة. في حين أن العقوبات الشديدة المفروضة على روسيا قد أوجدت فرصا مربحة لانتقال رؤوس الأموال وإعادة تنظيم التدفقات التجارية العالمية، إلا أن ضغوط السيولة تجعل من الصعب الاستفادة منها.
مع ارتفاع أسعار السلع كالنفط الخام، الغاز، النحاس، والذرة، واجه التجار طلبات ضخمة لتغطية الهامش – أو مطالب نقدية – لتغطية عمليات التحوط التي يتم إجراؤها للمبيعات المستقبلية. أجبر ذلك البعض على تقليل النشاط والبعض الآخر على السعي للحصول على تمويل احتياطي لحماية أنفسهم من نوبة أخرى من اضطراب السوق.
قال موريل شواب، كبير المسؤولين الماليين في “جونفور”، أثناء مؤتمر “فاينانشيال تايمز” للقمة العالمية للسلع الأساسية في لوزان الشهر الماضي، “لقد عمل كل شخص في هذه الغرفة على تعديل سيولتهم وحلولهم المالية، لكنهم أيضا عملوا على تكييف حجم أعمالهم في ضوء أسعار السلع الأساسية”.
للحفاظ على حركة السلع حول العالم، لا يعتمد تجار السلع الأساسية على شبكات الخدمات اللوجستية المعقدة فحسب، بل أيضا على الوصول إلى الأسواق المالية، التي تساعدهم على إدارة مخاطر الأسعار وتقلبها. وللقيام بذلك، يتخذ التجار مراكز مكشوفة في بورصات العقود الآجلة مثل بورصة آي سي إي فيوتشرز يوروب، وإي إي إكس الألمانية للتحوط بالصفقات من أجل توفير السلع.
نظرا لأن أسعار السلع الأساسية قد أصبحت أقل استقرارا في أعقاب الحرب الروسية لأوكرانيا، فإن الهامش أو النقد الذي يجب عليهم إيداعه مقابل هذه المراكز ارتفع إلى مستويات مذهلة.
لم تغير هذه الاستدعاءات اقتصادات المعاملة الأصلية، حيث يتم إرجاع الهامش عند تسليم السلع. لكن في غضون ذلك، يمكن أن تفرض متطلبات رأس المال المتداول ضغوطا كبيرة على الموارد المالية للمتداولين، ولا سيما أولئك الذين لا يملكون إمكانية الوصول إلى خطوط ائتمان كبيرة.
قال الرئيس التنفيذي لشركة فيتول، راسل هاردي، إن متطلبات رأس المال المتداول للتحوط ونقل حمولة طاقة من الولايات المتحدة إلى أوروبا كانت “هائلة” مع وصول الهامش الأولي لتداول ميجاواط من الغاز إلى 80 يورو. علاوة على ذلك، كان على الشركات التخطيط لتقلبات الأسعار ومزيد من الطلبات النقدية. فيما وصلت أسعار الغاز بالجملة في أوروبا إلى 108 يوروهات لكل ميجاواط / ساعة الجمعة. قال، “هناك قلق عام في جميع أنحاء السوق يتسبب بفقداننا للمشاركة”.
كان كبار المسؤولين التنفيذيين في الصناعة يضغطون على صانعي السياسات للمساعدة في التعامل مع أزمة السيولة، محذرين من أن الضغوط يمكن أن يكون لها تأثير في التدفق المعطل أصلا للسلع الأساسية حول العالم.
لم يكن الدعم الفوري وشيكا، لكن صانعي السياسة يراقبون الوضع لضمان “ألا يتسبب التغيير الكبير في التكلفة والمخاطر في فشل السوق” على حد تعبير أندرو بيلي محافظ بنك إنجلترا المركزي.
لمواكبة متطلبات الهامش المتزايدة وتقلبات السوق، وضعت بعض المؤسسات التجارية خطوط ائتمان إضافية. جمعت “ترافيجورا” مبلغ 2.3 مليار دولار من بنوك التمويل التجاري هذا الشهر، في حين أمنت “ميركوريا” تسهيلات بقيمة ملياري دولار لمدة ستة أشهر.
كتبت وكالة فيتش للتصنيف في تقرير الأسبوع الماضي، “نتوقع أن تواصل البنوك تمويل طلبات هامش التغطية الخاصة بالشركات، لأن ضغط السيولة، على الرغم من خطورته، يجب أن يكون مؤقتا وأن متداولي السلع هم مصدر جيد لربح البنوك في الأوقات العادية”.
قامت شركات أخرى بتقليص أنشطتها للحفاظ على السيولة النقدية. إن تأثير هذه القرارات محسوس بالفعل في السوق الفعلية، حيث تتلقى شركات التكرير عروضا أقل في مناقصات النفط الخام. أحد الأمثلة التي حدثت أخيرا، تلقت شركة النفط الحكومية في أوروجواي أربعة عروض فقط في مناقصة حديثة، مقارنة بـ15 عرضا في المعتاد.
يقول مصرفيو السلع الأساسية إن هذه التوجهات تعمل لمصلحة اللاعبين الأكبر مثل “ترافيجورا”، “جلينكور”، و”فيتول” التي لها قدرة أكبر على التعامل مع تقلبات السوق بسبب حجمها.
قال جيريمي وير، الرئيس التنفيذي لـ”ترافيجورا”، إن 2022 “من المحتمل أن يكون عاما بارزا مرة أخرى”، وتوقع “هوامش إجمالية أعلى قليلا هذا العام”.
يعتقد كريستوف سالمون، كبير الإداريين الماليين في الشركة، أن الزيادة اللازمة في رأس المال للحفاظ على تدفق السلع حول العالم منذ حرب روسيا لأوكرانيا، ستؤدي إلى طرد المؤسسات التجارية الصغيرة خارج السوق. قال “عندما نمر بهذه الأزمات – لكن دعونا لا ننسى أننا ما زلنا نخرج من عامين ونصف العام من الوضع الناجم عن كوفيد – ستكون هناك مجموعة أخرى من الدمج لقطاع تجارة السلع الأساسية”.
في ظل هذه الخلفية، يبحث تجار السلع أيضا في كيفية الاستفادة من مصادر تمويل جديدة حتى يتمكنوا من الاستمرار في توسيع أعمالهم.
وقال توربيورن تورنكفيست، المؤسس المشارك لـ”جونفور” والمساهم الأكبر فيها، في قمة “فاينانشيال تايمز”، “بالنسبة لنا، يجب أن أقول، كي نستغل إمكانات الشركة فعلا، سيكون من المرغوب به استكشاف أسهم إضافية”. أضاف، “نحن منفتحون على إيجاد حليف يمكنه أن يزيد من حجم الشركة”.
مع انخفاض أسهم معظم السلع الأساسية بسبب اضطرابات العرض، يعتقد المصرفيون والمحللون أن المؤسسات التجارية للسلع الأساسية ينبغي أن يكون أداؤها قويا في 2022 طالما أن الطلب لا يزال قويا وأن أسعار الطاقة المرتفعة لا تدفع أوروبا إلى الركود. وقال ماركو دوناند، الرئيس التنفيذي لشركة ميركوريا، أثناء القمة إن الإقليم وروسيا سيكونان “الخاسرين الكبيرين” من الأزمة الحالية.
“هناك كثير من النقاش حول حالات الركود الإقليمية، وربما حتى مع تأثيراتها العالمية. قد يقلل ذلك من أحجام التداول”، كما قال رولاند ريختستاينر، الشريك في “أوليفر وايمان” والمؤلف المشارك لتقرير سنوي عن صناعة تداول السلع.
يمكن لجولة أخرى من الطلبات الضخمة لهامش التغطية أن تختبر أيضا شهية البنوك لمواصلة إقراضها للقطاع، في حين أن هناك خطر تخلف الطرف المقابل عن السداد إذا ظلت الأسواق متقلبة.
كتب كريستوفر لافيمينا، محلل في “جيفريز”، في تقرير حديث، “كنا نعتقد أن أرباح جلينكور التسويقية لـ2022 يمكن أن تتجاوز الرقم القياسي للعام الماضي البالغ 3.7 مليار دولار”. تابع القول، “لكننا نعتقد الآن أنه من المرجح أن يكون أقرب إلى الطرف العلوي من (…) النطاق التوجيهي بين 2.2 مليار دولار إلى 3.2 مليار دولار نتيجة لمتطلبات أعلى للهامش وإدارة المخاطر الأكثر صرامة”.
فيما يتعلق بروسيا، يعترف كبار التجار بأنهم ما زالوا يقومون بتحميل الخام الذي تنتجه شركات من بينها “روسنفت”، قائلين إنهم ملزمون قانونا بالوفاء بالعقود التجارية الحالية. لم يتم حتى الآن فرض عقوبات على النفط الروسي في أوروبا على الرغم من إعلان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن حظره.
ومع ذلك، بسبب “المعاقبة الذاتية” من قبل المستهلكين الغربيين، أصبح من الصعب بشكل متزايد العثور على مشترين حتى عند تقديم تخفيضات كبيرة. وردا على سؤال عمن كان يشتري الخام الروسي، قال هاردي، “هذا هو السؤال بقيمة 64 ألف دولار للشهرين المقبلين”.
يقدر ريختستاينر أن إجمالي هوامش التداول للقطاع – المبلغ الذي تم تحقيقه في الصفقات قبل خصم التكاليف مثل الضرائب والرواتب والمكافآت – بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق بنحو 61 مليار دولار العام الماضي.
في حين أن هناك مخاطر بما في ذلك ارتفاع تكاليف التمويل والتخلف عن السداد من قبل الأطراف التجارية المقابلة، يرى ريختستاينر عاما جيدا آخر في الأفق، حيث تفرض الحرب في أوكرانيا إعادة تنظيم الإنتاج وتوزيع واستهلاك السلع على مستوى العالم.
قال، “لقد أعطتنا بداية 2022 كثيرا من الأسباب للظن أن الاضطراب موجود هنا ليبقى، وهو ما قد يوحي بعام مثير للاهتمام لصناعة تداول السلع الأساسية”.