آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

رضا مقدم يكتب: 3 مسارات أمام المركزي الأوروبي لتشديد السياسة النقدية

بوابة الاقتصاد

رضا مقدم
بعد مفاجأة تضخم سيئة أخرى الشهر الماضي، ومع عدم استبعاد كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، رفع أسعار الفائدة في 2022، تلقت الأسواق المالية رسالة مفادها أن تشديد السياسة على قدم وساق. بدأت أسعار الفائدة طويلة الأجل في الارتفاع في منطقة اليورو، خاصة في إيطاليا واليونان، حيث ارتفعت الفروق إلى أعلى مستوياتها منذ تفشي الجائحة (165 و230 نقطة أساس، على التوالي).
في حين ينبغي أن ترتفع أسعار الفائدة لتهدئة الطلب ومنع التضخم المرتفع من أن يترسخ في التوقعات، فقد تكون العملية فوضوية. ذلك لأن البنك المركزي الأوروبي، قال مرارا وتكرارا إنه لن يرفع أسعار الفائدة إلى أن ينهي برنامج شراء الأصول السيادية. رسميا، لا يوجد تاريخ نهاية للبرنامج. لكن من الناحية العملية، بدأ البنك المركزي الأوروبي بتقليص المشتريات هذا الشهر، وتم إعطاء الأسواق شعورا بأن البرنامج الذي يدعم هوامش السندات المنخفضة والمستقرة منذ 2015 سينتهي في أوائل الصيف.
بالنظر إلى المستويات المنخفضة الحالية، يوجد بالتأكيد مجال لارتفاع أسعار الفائدة والفروق. لكن من المهم أيضا أن يتم تقييد الفروق بطريقة ما – لأسباب ليس أقلها أن ارتفاعها وتقلبها يعوقان انتقال السياسة النقدية عبر منطقة اليورو.
في الظروف الحالية، هناك ثلاث مسارات لتشديد السياسة النقدية.
أولا، يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن ينهي عمليات شراء الأصول بسرعة ويقبل أسعار فائدة أعلى وفروق أعلى على المدى الطويل، وظروف مالية أكثر تشددا، كما يمكن رفع أسعار الفائدة على المدى القريب بعد ذلك بوقت قصير. يمكن أن تنجح هذه الاستراتيجية – لكن فقط طالما أن الركيزة الأخرى للاستقرار الأوروبي، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الإيطالية ماريو دراجي، لا تزال في مكانها. يمكن أن يؤدي التغيير في الظروف بسهولة إلى ارتفاع في الفروق في كثير من البلدان الهامشية.
ثانيا، يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يتخلى عن القيود التي يفرضها على نفسه بأن التسهيل الكمي يجب أن ينتهي قبل ارتفاع أسعار الفائدة. الأساس المنطقي لهذا التسلسل هو أن ارتفاع أسعار الفائدة يقلص الطلب، في حين أن استمرار شراء الأصول يحفزه – لذا فإن السعي من أجل الأمرين في وقت واحد يرسل إشارات اقتصادية وإشارات سوقية متضاربة، مثل القيادة بقدم على المكابح والأخرى على دواسة البنزين.
القلق بشأن الإشارات المختلطة والتأثيرات غير المؤكدة على الاقتصاد الكلي أمر مبالغ به. من ناحية، سيرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة من المستويات السلبية، التي – بسبب إحجام البنوك التقليدي عن تمرير هذه الأسعار للمودعين الأفراد – من المحتمل أن يكون لها تأثير محدود فقط، وبالتالي ينبغي ألا تتسبب بقدر كبير من الفوضى في البداية. بعد ذلك، لن يمنع أي شيء البنك المركزي الأوروبي من معايرة ارتفاع الأسعار وشراء الأصول بحيث يكون التأثير الصافي انكماشيا. قد تكون مشتريات الأصول المعتدلة، مثلا من 20 مليار يورو إلى 30 مليار يورو شهريا، كافية للحفاظ على الاستقرار في أسواق السندات، مع السماح بتشديد صاف في الظروف النقدية. ليس من المستغرب أن تشارك البنوك المركزية في معارضة معاملات في الأصول قصيرة الأجل وطويلة الأجل: فعل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ذلك أكثر من مرة من خلال “أوبريشن تويست”.
ثالثا، يمكن لحكومات منطقة اليورو أن تخفف عبء البنك المركزي الأوروبي المتمثل في كبح الفروق السيادية. تتمثل الطريقة الأكثر مباشرة في فعل ذلك في إنشاء تسهيل مالي مركزي، مثل صندوق التعافي من فيروس كورونا التابع للاتحاد الأوروبي، ما يوفر قروضا ومنحا للدول الأعضاء التي تواجه صعوبات مؤقتة. على الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي ينسب إليه الفضل في الحفاظ على الفروق السيادية منخفضة ومستقرة خلال الجائحة، فإن الكثير من الفضل يعزى إلى صندوق التعافي، الذي يعد إشارة ملموسة على التضامن السياسي والاقتصادي الأوروبي أكثر من أي إجراء طارئ للبنك المركزي الأوروبي. يجب أن يكون الوصول إلى مثل هذا التسهيل مع بعض الضمانات. لكن لا ينبغي أن تكون الشروط مرهقة مثل برامج التعديل التي يتطلبها، مثلا، برنامج المعاملات النقدية الصريحة للبنك المركزي الأوروبي، الذي يعد سياسية غير مجدية في بلدان مثل إيطاليا.
سيكون هذا الخيار هو الأكثر منطقية من الناحية الاقتصادية، حيث يسهل الحاجة على المدى القريب للتشديد النقدي ومعالجة الفجوة طويلة الأجل في الهيكل المالي لمنطقة اليورو. كما أنه سيكون له فائدة فصل الاعتبارات النقدية عن مخاوف الاستقرار المالي، ما يسمح للبنك المركزي الأوروبي بالتركيز على تفويضه الأساسي المتعلق بالتضخم. يعد الإصلاح القادم لميثاق الاستقرار والنمو فرصة لإنشاء تسهيل مالي مركزي على أرض الواقع، ويمكن أن يتمتع بمستوى أكثر صرامة للنزاهة المالية إذا اختارت البلدان الأعضاء ذلك.
بينما تصبح قضية التشديد النقدي ملحة، فإن أفضل حل اقتصادي في الوقت الحالي ليس واقعيا من الناحية السياسية. في هذه الحالة، ينبغي على البنك المركزي الأوروبي التخلي عن توجيهاته الحالية بشأن تسلسل التشديد النقدي. أسوأ ما يمكن أن يفعله هو تجاهل الحقائق السياسية والاقتصادية والمضي قدما ببساطة بأقصى سرعة في إنهاء عمليات شراء الأصول ورفع أسعار فائدة البنك المركزي الأوروبي.

الرئيس السابق لقسم الشؤون الأوروبية في صندوق النقد الدولي، وكبير المستشارين الاقتصاديين في مورجان ستانلي.

زر الذهاب إلى الأعلى