آخر الاخبارأسواق

إمدادات الأدوية الأمريكية والعالمية أكثر اعتماداً على الهند مما كان يُعتقد

بوابة الاقتصاد

وسط عمليات الإغلاق الأولى التي فُرضت للسيطرة على وباء كوفيد-19 في عام 2020 والقلق تجاه إمكانية نفاد إمدادات العقاقير الهامة، بدأت منظمة غير ربحية عمرها 200 عام، غير معروفة خارج قطاع العقاقير، في رسم خريطة دقيقة لسلسلة إمدادات العقاقير التي يتناولها الأمريكيون.

كانت هذه الخطوة عملاً طموحاً لم تُقدِم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية حتى على فعله من قبل، ولطالما لعبت منظمة “يو إس فارماكوبيا” دوراً حاسماً في صناعة الأدوية، التي تعتمد على عيناتها الكيميائية للمساعدة في ضمان جودة العقاقير.

جاءت نتائج التحقيق الهائل في البيانات مذهلة، حيث وجد أن المصانع الهندية توفر قدراً هائلاً من المكونات التي تدخل في صناعة الأدوية الجنيسة التي يتناولها الأمريكيون.

يقول رون بيرفينتشينزي، الرئيس التنفيذي لـ “يو إس فارماكوبيا”، إنه فوجئ بقلة البيانات قبل سعي منظمته إلى تحديد سلسلة الإمداد أثناء عمليات الإغلاق، مضيفاً “شعرنا بالإحباط.. ليس إحباطاً فقط، بل انزعاج حقيقي”.

الهيمنة على سلسلة الإمدادات الدوائية


وجدت “يو إس فارماكوبيا” أن إنتاج المواد الفعالة تتركز في الهند بشكل أكثر مما كان يُعتقد سابقاً بسبب البيانات المحدودة التي قدمتها إدارة الغذاء والدواء، والتي جعلت الصين تبدو وكأنها لاعب مهيمن في سلسلة الإمدادات الدوائية حتى بشكل أكثر من الواقع.

جدير بالذكر أن المواد الفعالة هي التي تجعل العقار فعالاً ضد مرض أو حالة معينة.

من المعروف أن المصانع الهندية واجهت مشاكل تتعلق بالجودة على مر السنين، بالإضافة إلى أنه ليس هناك ما يمنع الحكومة الهندية من قطع إمدادات بعض العقاقير لحماية مخزونها المحلي. هذا ما فعلته الهند تماماً في بداية تفشي الوباء، فقد حظرت مؤقتاً تصدير بعض المضادات الحيوية والأسيتامينوفين، المادة الفعالة في عقار التايلينول، للتأكد من وجود ما يكفيها لتلبية الاحتياجات المحلية.

من أسرار صناعة الدواء… عقار يلوّث آخر أثناء التصنيع

أضف إلى ذلك علاقات الهند الوثيقة بروسيا في ظل مرور العلاقات بين الكرملين والغرب بوقت عصيب. أعربت الهند عن رغبتها في الحصول على مزيد من النفط من روسيا، وقد تجنب رئيس الوزراء ناريندرا مودي حتى الآن انتقاد غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا.

يقول ستيفن شوندلمير، الرئيس المشارك لمشروع إمدادات الأدوية المرنة في مركز بحوث وسياسات الأمراض المعدية بجامعة مينيسوتا: “لا أقول إن الهند تنفر من الولايات المتحدة”، بيد إنهم “أصدقاء روسيا إلى حد ما، فهم لديهم مستوى كبير من التبادل التجاري مع روسيا”، بحسب شوندلمير.

حماية سلاسل التوريد


حذرت إدارة بايدن مؤخراً من الإمدادات الدوائية الكثيرة القادمة من الصين والهند، ومن ثم قدم أعضاء الكونغرس تشريعات لحماية سلسلة تلك الإمدادات مما يعتبرونه هيمنة الصين على الصناعة.

من الضروري إعادة تقييم هذه الأوضاع بعد قرار “يو إس فارماكوبيا” باستحواذ الهند على نصيب الأسد من مصانع تصنيع المواد الفعالة للأدوية الجنيسة في العالم، والتي تمثل 90% من الأدوية التي يتناولها الأمريكيون. كذلك، وجدت “يو إس فارماكوبيا” أن شركات صناعة الأدوية الشهيرة ستتجه على الأرجح إلى أوروبا للحصول على المواد الفعالة للعقاقير.

أزمة نقص العقاقير


يمكن أن تتسبب العديد من المشكلات في حدوث نقص في العقاقير، لكن بدون توافر بيانات جيدة عن مصدرها، فلن يتمكن كبار المشترين، خاصة المستشفيات، من توقعها بالشكل الذي يرغبون فيه.

مع ذلك، يمكن أن تغير النتائج التي توصلت إليها منظمة “يو إس فارماكوبيا” هذا الأمر. ففي مقابل مبلغ من المال، يمكن للمنظمة الأمريكية مساعدة المسؤولين عن إبقاء المراكز الطبية مجهزة بشكل جيد، في توقع نقص العقاقير وتزويد صُناع السياسات بأداة لتحديد سبب النقص.

ويمكن أن تشجع الحوافز التي قدمها الاحتياطي الفيدرالي على إنشاء خطوط إنتاج جديدة في الولايات المتحدة، فضلاً عن أن الاستثمار بالمصانع في كندا والمكسيك سيساعد في تنويع الإمدادات بحيث إذا خرجت شركة معينة من السوق، يمكن لشركة أخرى تولي المسؤولية وصُنع نفس العقار في مكان آخر.

ارتفاع تكاليف النقل


في الوقت نفسه، يؤدي ارتفاع تكاليف النقل إلى إجهاد سلسلة الإمدادات الدوائية، مما يشجع أكثر على تقريب الإنتاج من أرض الوطن. في استطلاع أجرته رابطة الأدوية التي يمكن الوصول إليها (AAM) في أكتوبر لأعضائها، وجدت مجموعة الضغط هذه أن تكاليف الشحن الجوي ارتفعت بمعدل 227% في المتوسط مقارنة بالفترة السابقة للوباء، حسبما يقول جوناثان كيمبال، نائب رئيس رابطة الأدوية التي يمكن الوصول إليها عن شؤون التجارة. كما ارتفعت تكاليف الشحن البحري بنسبة 193%.

تعليقاً على ذلك الارتفاع، قال كيمبال إن التكاليف تفاقمت على الأرجح مع ارتفاع أسعار النفط والغاز نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

يقول توني سارديلا، كبير مستشاري الأبحاث في مركز التحليلات والرؤى التجارية في جامعة واشنطن بسانت لويس، “ما زال أمام الصناعة الكثير من العمل للقيام به. هناك 83 عقاراً من بين أكثر من 100 عقار يستخدمه الأمريكيون ليس لديهم مصدر إنتاج أمريكي لمادتهم الفعالة”.

بحسب سارديلا، فإن المادة الفعالة لـ75% تقريباً من 52 عقاراً مستخدماً لعلاج حالات الإصابة بفيروس كوفيد19، بما في ذلك مسكنات الألم وكذلك العقاقير المخصصة لأمراض الرئة والقلب، ليست أمريكية الصُنع أيضاً.

أين توجد المادة الفعالة؟


تمكنت “يو إس فارماكوبيا” من الاستفادة بعلاقاتها الوثيقة بالصناعة، وجمعت تفاصيل عن المصانع التي توفر المواد الفعالة للعقاقير، وهي معلومات تحافظ عليها شركات الأدوية الكبرى بشدة. وحددت المنظمة مواقع المصانع في جميع أنحاء العالم وبالتالي تحديد إنتاج المواد الفعالة اللازمة للسوق الأمريكية.

يتطلب جمع معلومات حول سلسلة الإمداد العالمية بشكل واسع النطاق إشارة مرجعية إلى 40 مجموعة من مجموعات البيانات الخارجية، فيما تقول فيمالا راغافيندران، التي ترأس مركز سلسلة الإمداد الدوائي التابع لمنظمة “يو إس فارماكوبيا”، إنه “مهمة ضخمة”. هذه الخطوة منحت “يو إس فارماكوبيا” قدراً من المعلومات والوقت يتجاوز بكثير بيانات إدارة الغذاء والدواء، وبالتالي تعتزم المنظمة الحفاظ على تحديث بياناتها للبيع إلى المستشفيات والهيئات الحكومية.

تقول راغافيندران: “خلاصة القول هي أنه لا يمكنك الحصول على حل واحد يناسب الجميع لمثل هذه المشكلة الكبيرة. سلسلة الإمدادات الدوائية لدينا ليست مرنة بالقدر الذي نحتاجه”.

زر الذهاب إلى الأعلى