هل اتفاقية بريكست نعمة أم نقمة؟
بوابة الاقتصاد
البحث المحموم عن العوائد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو أحد مجالات النمو القليلة في اقتصاد المملكة المتحدة، على الأقل عند قياسه من خلال استهلاك الوقت والجهد الحكومي بدلا من النتائج. الحقيقة الأقل وضوحا هي أن السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي ستكون أيضا أفضل إذا كانت المملكة المتحدة لا تزال عضوا.
المدخلات في خانة ديون بريكست في المملكة المتحدة واضحة. اتضح هذا الأسبوع أن أداء الصادرات البريطانية كان ضعيفا جدا خلال انتعاش التجارة العالمية بعد الإغلاق منذ أوائل 2021. حتى ريشي سوناك، وزير المالية، وهو أحد المتحمسين لبريكست منذ فترة طويلة، استغرق بعض الوقت في حساب عدد السيارات وأنواع الخبز المستهلكة في منزله على مضض لتقبل الضرر الذي أحدثه مشروعه. لا تملك المملكة المتحدة حتى القدرة على فحص الواردات من الاتحاد الأوروبي، ما يؤجل بشكل متكرر إدخال ضوابط كاملة على الحدود.
في ظل سعيها إلى إظهار المكاسب من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تواصل حكومة بوريس جونسون بحزم العمل على أمور رمزية مثل وضع علامة منفصلة تماما للسلامة والجودة للمنتجات “يو كي سي أيه” لمنافسة علامة الاتحاد الأوروبي “سي إي” – الازدواجية دون إلغاء الضوابط التنظيمية. كما أن محاولات المملكة المتحدة للانفصال مقيدة أيضا بالصفقات التجارية التي تلتزم بها. بدأ الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع دعوى ضد المملكة المتحدة في منظمة التجارة العالمية بشأن التمييز في الطريقة التي تدعم بها بريطانيا نظام طاقة الرياح البحرية.
قد يكون هناك بالطبع بعض المكاسب الحقيقية في المستقبل. تسمح المملكة المتحدة بتعديل الجينات للمحاصيل، وهو خروج مرحب به من خوف الاتحاد الأوروبي من علم الجينات، مثلا.
لكن حتى الآن، فإن المكسب الوحيد الذي يمكن للحكومة أن تدعيه بشكل معقول هو سرعتها النسبية في شراء لقاحات كوفيد في أواخر 2020 وأوائل 2021. نظريا، كان بإمكان المملكة المتحدة فعل ذلك مع الاتحاد الأوروبي. حصلت على تصريح تنظيمي بينما كانت لا تزال تحت رعاية وكالة الأدوية الأوروبية، ولم يكن إلزاميا على أعضاء الاتحاد الأوروبي الانضمام إلى برنامج الشراء المركزي. لكن من الناحية العملية، ربما كان من الصعب تجاهل مشروع على نطاق الاتحاد الأوروبي من الداخل.
مع ذلك، فإن عملية الشراء جعلت المملكة المتحدة تسبق الاتحاد الأوروبي بشهرين، وهي ميزة ربما لن تتكرر في المستقبل. استند تفوق المملكة المتحدة مع كوفيد على علاقة بحثية بين جامعة أكسفورد وشركة أسترازينيكا، إلى جانب تعاقد فاعل أعطى الأولوية لتزويد المملكة المتحدة. تتمتع بريطانيا بخبرة طويلة في مشتريات مجال الصحة العامة على نطاق واسع، بينما ما زالت بروكسل تتعلم ذلك.
في أي جائحة مستقبلية، ستكافح المملكة المتحدة لإعادة تقديم هذا الأداء الرائع نسبيا. كثيرا ما يتسبب الاتحاد الأوروبي في فوضى من مشكلات غير مألوفة – مثلا أزمة ديون منطقة اليورو – لكنه يتعلم بعد ذلك بسرعة كبيرة.
في المرة المقبلة، يمكنك أن تراهن على أن بروكسل ستكون مستعدة بميزانيات كبيرة وعقود شراء محكمة – وإذا لزم الأمر مخطط ترخيص تصدير آخر لتركيز أذهان الشركات المصنعة على تزويد سوق الاتحاد الأوروبي. إذا كنت تمتلك شركة أدوية كبيرة وكنت قلقا بشأن جولة أخرى من قومية اللقاحات، أي سوق تريد أن تكون عالقا فيها؟ دولة يبلغ عدد سكانها 67 مليون أو واحدة يبلغ عدد سكانها 447 مليون نسمة؟
بالتأكيد، هناك مجالات سياسية يتحرك فيها الاتحاد الأوروبي أكثر حرية نحو الاتجاه الصحيح الآن بعدما خرجت المملكة المتحدة، مثل السياسة المالية المركزية. مع ذلك، التجارة ليست واحدة منها. تتعرض سياسة الاتحاد الأوروبي التجارية لخطر الانجراف للحمائية، وتتحسر بعض الدول الأعضاء الليبرالية في شمال ووسط وشرق أوروبا بشكل خاص على خسارة التجارة الحرة في المملكة المتحدة باعتبارها عائقا.
إحدى العلامات الواضحة هي أداة مكافحة الإكراه التي يطورها الاتحاد الأوروبي حاليا. نياته جيدة – لردع نوع التخويف الذي حاولت الصين استخدامه ضد ليتوانيا. “إنها ليست ذات صلة حقا بموقف شديد مثل روسيا، حيث قفز الاتحاد الأوروبي مباشرة إلى فرض عقوبات ضخمة”. لكن يتم وضع أداة مكافحة الإكراه حاليا مع كثير من المرونة لتفسير “الإكراه” وتصميم الاستجابة، ما يتركها متاحة لجماعات الضغط الحمائية. قال كريستر نيلسون، وزير الدولة السويدي للتجارة الخارجية، في ندوة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الشهر الماضي، “أعمالنا التجارية، الشركات التي تمارس حياتها اليومية في التجارة (…) ترى أن هذه أداة واسعة جدا وقوية جدا وأيضا مسلحة”.
مثال آخر هو قانون رقائق الاتحاد الأوروبي، حيث يتم ضخ الأموال في سلسلة توريد أشباه الموصلات دون إعطاء العناية الكافية لكيفية إنفاقها – إضافة إلى الاحكام المتعلقة بشأن العرض المحلي التفضيلي الذي يمكن أن ينزلق بسهولة إلى قيود التصدير الفعلية. قد تكون المملكة المتحدة في فترة ما بعد بريكست تدور حول منح نفسها مساحة أكبر لإنفاق الأموال العامة، لكنها كانت صوتا قويا ضد إساءة استخدام مساعدات الدولة عندما كانت في الاتحاد الأوروبي.
تؤكد النظرية الاقتصادية التقليدية على المكاسب المتبادلة من التجارة. مجمل الشيء أفضل من جزئه. يبدو أن الأمر نفسه ينطبق على السياسة التجارية وبريكست. بريطانيا، حتى الآن، هي بالتأكيد أسوأ حالا خارج الاتحاد الأوروبي، لكن سيكون الاتحاد الأوروبي أيضا في نقاش أكثر توازنا وعقلانية إذا كانت المملكة المتحدة لا تزال في حجرة النقاش نفسها.