د. علي توفيق الصادق يكتب: تضخم الأسعار والاستثمارات النقدية
بوابة الاقتصاد
د. علي توفيق الصادق *
يؤدي تضخم الأسعار إلى تآكل الأموال النقدية والاستثمارات الشبيهة بالنقد لأنها لا تحقق عائداً. وبالتالي، فإن قيمتها الحقيقية تنخفض بشكل مطرد بسبب التضخم؛ لذا يبرز السؤال: كيف يحمي مالك الثروة ثروته النقدية من تضخم الأسعار؟ قد يفكر المستثمرون الذين لديهم فائض من النقد في استثمار يدرّ عائداً مع الأخذ في الاعتبار، أفق الاستثمار الفردي وإقبالهم على المخاطرة بشكل عام. انخفاض القيمة الحقيقية للنقود بسبب التضخم يشار إليها أحياناً باسم «ضريبة التضخم»، حيث عبر عن ذلك الاقتصادي الأمريكي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، ميلتون فريدمان ذات مرة بقوله، إن «التضخم ضريبة بدون تشريع».
في واقع الأمر، فإن التضخم بمرور الوقت يقلل من كمية السلع والخدمات التي يمكن للمرء شراؤها بمبلغ معين من المال. وبمرور الوقت، يمكن أن يكون للتضخم تأثير كبير جداً. على سبيل المثال، بين عامي 1986 و2021، ارتفع سعر شطيرة «بيج ماك» في الولايات المتحدة من 1.60 دولار إلى 5.65 دولار، زيادة قدرها 253%؛ أي أن الشخص الذي كان يحصل على «بيج ماك» مقابل دولار أصبح في عام 2021، يحصل على قطعة من «بيج ماك» تساوي نحو 18% فقط مقابل الدولار، بفعل التضخم الذي يحتل في الوقت الراهن مكان الصدارة في أذهان العديد من المستثمرين والمستهلكين، وهناك من يحذرون من خروج التضخم عن السيطرة.
ولكن يعتقد نفر من الاقتصاديين أنه بعد الارتفاع المفاجئ لجائحة «كوفيد 19» سيستقر التضخم، ويتوقع أن يبلغ معدله 3.6% في الولايات المتحدة الأمريكية، و2.7% في منطقة اليورو في العام الحالي، 2022.
توضح هذه الأرقام التكلفة الحقيقية للاحتفاظ بالنقد الذي لا ينتج عنه حالياً أي شيء بالعملات الرئيسية، حيث تحافظ البنوك المركزية على معدلات فائدة عند مستويات متدنية للغاية تلامس الصفر. على سبيل المثال، ارتفع التضخم في الولايات المتحدة، وفقاً للمؤشر الرسمي لأسعار المستهلك بنسبة 3% سنوياً في المتوسط منذ عام 1982، لكنها كانت قريباً من 5% «للأثرياء» في الولايات المتحدة.
وبالتالي، فإن السيولة النقدية التي لا تدر شيئاً في الأوضاع الحالية تشكل تحدياً. ومع ذلك يستند هذا التحليل إلى أرقام التضخم الرسمية المعلنة. في الواقع، لكل شخص معدل تضخم شخصي خاص به، بناء على المكان الذي يعيش فيه، ونوع المنتجات والخدمات التي يشتريها وحتى اهتماماته. والسؤال الذي يثار في هذا المجال هو: ما الذي يجب على المستثمر مراعاته عند الاحتفاظ بالنقود الزائدة؟ مناقشة السؤال تتطلب تحديد الغرض من الاحتفاظ بالنقود الزائدة. هل السبب وراء إجراء معاملات نقدية زائدة (احتياجات السيولة قصيرة الأجل)، أم احترازي (تحمل مخاطر منخفضة)، أم مضاربة (انتظار لحظة أفضل)؟ أم ببساطة لا وقت لإلقاء نظرة فاحصة على الاستثمارات الجديدة؟ هل الاحتفاظ بالنقد الفائض لحالات الطوارئ التي قد تظهر غداً أو في غضون سنوات قليلة فقط؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا ينظر في بدائل نقدية عالية السيولة؟ الدخل: هل يفي توليد التدفق النقدي لمحفظتك (أرباح الأسهم والقسائم) بمتطلباتك الآن وفي المستقبل؟ هل الحساب مستثمر بشكل كافٍ حتى يتمكن الجيل القادم من جني الزيادة طويلة الأجل في الأسواق؟ وهل الوقت الحاضر مناسب لبدء الاستثمار؟
عند التفكير في مثل هذا السؤال الصعب، قد يسأل المستثمرون الأثرياء أنفسهم عما إذا كان الآن هو الوقت المناسب للاستثمار، حيث العديد من الأسواق المالية حول العالم تشهد أعلى مستوياتها على الإطلاق. ومع ذلك، التحليل الفني للأسواق يبين أن الارتفاعات الجديدة في الأسواق تميل إلى أن يتبعها المزيد من الصعود.
وبالتالي فإن مقولة «ما يرتفع، يجب أن ينخفض» ليست بالضرورة طريقة التفكير في الأسواق المالية والاستثمار، حتى لو بدا الأمر مغرياً. وأخيراً لا بد من وضع استراتيجيات قبل أن تستثمر. هذا لا يعني أنه يجب استثمار كل الأموال الزائدة دفعة واحدة؛ بل يجب أن تكون لدى المستثمر استراتيجية مدروسة لوضع أمواله الفائضة في العمل، بما يتناسب مع توقعات عائده وتحمله للمخاطر.
*مستشار اقتصادي
نقلا عن الخليج