الخبز يضع مصر باختبار صعب فهل تنجح في السيطرة؟
بوابة الاقتصاد
تستعد الحكومة لوضع “آلية جديدة” لكبح جماح سعر الرغيف ومتخصصون يرون تنفيذها “شبه مستحيل”
أعلنت الحكومة المصرية خطة جديدة للسيطرة على انفلات الأسعار في الأسواق المحلية بعد موجة التضخم والغلاء التي تمر بها البلاد، خصوصاً أسعار الخبز الحر (غير المدعوم)، إلى جانب السيطرة على أسعار السلع الأساسية قبل حلول رمضان.
آلية توحيد السعر
وبعد توجيهات رئاسية، فوّض رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وزارة التموين والتجارة الداخلية، بشكل عاجل لدراسة تكلفة إنتاج الخبز الحر، ووضع آلية لتوحيد السعر والتطبيق لمدة 3 أشهر، إلى جانب إقرار حافز إضافي بقيمة 65 جنيهاً (4.1 دولار أميركي) لكل أردب على أسعار توريد القمح المحلي من المزارعين، لتحفيزهم على زيادة الكميات الموردة من القمح المحلي للموسم الحالي.
وسينعكس ذلك على ارتفاع سعر توريد إردب القمح (يعادل 150 كيلوغراماً) بدرجة نقاوة 22.5 قيراط إلى 865 جنيهاً (55.1 دولار)، بينما وصل سعر الإردب درجة نقاوة 23 قيراطاً إلى 875 جنيهاً (55.7 دولار)، في حين ارتفع سعر الإردب درجة نقاوة 23.5 قيراط إلى 885 جنيهاً (56.73 دولار)، مع إلزام المزارعين بتوريد 12 إردباً عن كل فدان من محصول القمح بالنسبة لكل مزارع كحد أدنى وفقاً لمساحته المنزرعة بالقمح، محذرة المخالفين بالحرمان من صرف الأسمدة ومستلزمات الزراعة المدعومة أو تسهيلات تمويلية من البنك الزراعي المصري.
ردع المخابز
قرار الحكومة بالتدخل لتحديد آلية لتسعير الخبز الحر لاقى استحساناً من قبل بعض المتخصصين، الذين تحدثوا إلى “اندبندنت عربية”، بينما اعتبر بعضهم أن تحقيقه على أرض الواقع “صعب، إن لم يكن مستحيلاً”.
ويرى رئيس شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية المصرية، عطية حماد، أن تدخل الدولة لحماية المستهلكين من انفلات أسعار الخبز الحر “توقيت صائب”، لردع أصحاب المخابز في التسعير العشوائي بشكل مبدئي.
وقال حماد، “الرؤية لم تتضح حتى الآن في تحديد آلية التسعير الجديدة”. مشيراً إلى أن هناك اجتماعات تدور حالياً بين عدة جهات، سواء من وزارة التموين أو غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات أو شعبة أصحاب المخابز لـ”دراسة تكلفة صناعة الخبز أولاً قبل تحديد السعر، لوضع نظم جديدة تتعلق بوزن وسعر الرغيف”.
وأضاف رئيس شعبة المخابز، “سيكون هناك نظام جديد في تحديد سعر ووزن الرغيف الحر”. مؤكداً أن تدخل الدولة “سيعمل على تثبيت الأسعار 3 أشهر مقبلة على الأقل”، ومطالباً الحكومة بـ”تسليم تلك المخابز القمح”، حتى يكون هناك “تسعير جبري لرغيف الخبز الحر ووزنه ومواصفاته”.
هل تعتذر المخابز الحرة عن عدم العمل؟
وفي المقابل، قلل نائب رئيس شعبة أصحاب المخابز بغرفة القاهرة التجارية، عبد اللطيف وهبه، من أهمية وضع آلية لتسعير الخبز الحر. قائلاً، “المخابز الحرة انتشرت بكثافة في السنوات الخمس الأخيرة، وتوغلت في المناطق الشعبية والعشوائية في جميع أنحاء الجمهورية”. مؤكداً أن السيطرة والرقابة عليها “شبه مستحيل”، لأن “صاحب المخبز يحصل على الدقيق بالسعر الحر غير المدعوم من الدولة، وقد ارتفع سعر الطن خلال 15 يوماً فحسب بنسبة 100 في المئة”. متسائلاً: “كيف سيلتزم بالتسعيرة الموحدة في ظل ارتفاع أهم مدخل من مدخلات الإنتاج إلى جانب أعباء وتكلفة العمالة والمرافق؟”.
يقول صاحب مخبز حر بإحدى المناطق الشعبية، سيد علام، إن تحديد سعر موحد للرغيف الحر “صعب جداً”. موضحاً، أن الأمر “ليس جشعاً من جانب أصحاب المخابز بقدر تعلق الأزمة بقوى العرض والطلب في السوق”.
وأوضح علام، “صاحب المخبز يحصل على كل مستلزمات الإنتاج بالسعر الحر من دون دعم نهائي من الدولة مع تحمل كل الأعباء المتزايدة من ارتفاع فواتير الكهرباء والغاز والسولار”. مشيراً إلى أن هناك عدداً كبيراً من المخابز الحرة “ستخرج عن العمل في حال توحيد السعر: لماذا أستمر في العمل، وأنا أحقق الخسائر؟”.
ملف ملتهب على مائدة الحكومة
في سياق متصل، أشارت دراسة نشرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، الأسبوع الحالي، إلى أن ارتفاع مستويات أسعار القمح عالمياً شكل ضغوطاً على الحكومة المصرية لزيادة الإنفاق السنوي على واردات القمح إلى الضعف تقريباً من نحو ثلاثة مليارات دولار إلى 5.7 مليار، وهو مبلغ قد تواجه الحكومة صعوبة لتدبيره، نظراً لعدم تغير تكلفة الخبز المدعوم منذ الثمانينيات. مؤكدة أن زيادة سعر الخبز المدعوم أحد الملفات الملتهبة التي تتسم بالسخونة على مائدة الحكومة.
وحظرت مصر تصدير القمح وغيره من السلع الغذائية التي تشمل العدس والفول الأخضر لثلاثة أشهر.
وفي الوقت الذي تحذر منظمات دولية، منها البنك الدولي، من أن زيادة أسعار الطاقة والغذاء قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية مماثلة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط تسعى القاهرة إلى طمأنة المصريين في الأسابيع الماضية بأن احتياطيات القمح الموجودة والمحصول المحلي تكفي لتغطية الطلب على الخبز المدعوم لنحو ثلثي السكان لمدة لا تقل عن ثمانية أشهر.
من جانبه، قال مساعد وزير التموين، أحمد كمال، إن هناك اجتماعات ومشاورات بين عدد من الجهات الرقابية بالدولة للسيطرة على أسعار السلع في الأسواق، وكذلك متابعة بيع إنتاج أسعار الخبز الحر، مشيراً إلى أن التنسيق يجري بين وزارات التموين والداخلية وباقي الأجهزة الأمنية، مطالباً المواطنين بالتفاعل والتواصل بشكل سريع مع جهاز حماية المستهلك للإبلاغ عن أي مخالفات تتعلق بالغش أو المبالغة في رفع أسعار السلع.
270 مليون رغيف مدعم يومياً
وفقاً للبيانات الرسمية، يصل عدد مخابز البلدية بمنظومة الدعم التابعة للدولة إلى نحو 28 ألف مخبز في الجمهورية تنتج يومياً نحو 270 مليون رغيف مدعم يومياً لنحو 71 مليون مواطن مقيد ضمن بطاقات الخبز المدعوم، وتحصل تلك المخابز على طن الدقيق بدعم يصل إلى 40 في المئة تقريباً عن السوق الحرة لإنتاج خبز مدعم بتكلفة تتراوح بين 0.70 جنيه (0.044 دولار) في حين يباع للمستهلك بخمسة قروش (0.0032 دولار) عبر البطاقة التموينية، في حين يحصل المخبز على هامش ربح من الدولة أول كل شهر جديد.
وتدعم الموازنة العامة للدولة تكلفة إنتاج الخبز بنحو 51 مليار جنيه (3.2 مليار دولار) سنوياً بينما تدعم السلع التموينية بنحو 38 مليار جنيه (2.4 مليار دولار).
وفي سياق قريب الصلة، أعلنت وزارة الزراعة عن إطلاق سلسلة من القوافل والمنافذ الاستهلاكية المتحركة في جميع المحافظات، وقال متحدث وزارة الزراعة، أحمد إبراهيم، إنها ستجوب المحافظات لتوفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مخفضة قبل حلول رمضان، مؤكداً أن المنافذ الاستهلاكية ستشمل كافة السلع الاستراتيجية التي يحتاجها المواطنون، إذ تضم اللحوم والدواجن والأسماك والخضراوات والفاكهة والحبوب والبقوليات والدقيق بأسعار مخفضة عن أسعار السوق، مؤكداً أن التخفيضات لن تقل عن 30 في المئة عن أسعار السوق في الوقت الحالي.