د. شعبان عبد الحميد رفاعي يكتب: تدوين الحديث الشريف في مطلع القرن الثاني الهجري
تدوين الحديث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد: فقد تحدثت في مقال سابق عن كتابة السنة في العهد النبوي، وذكرت وبما لايدع مجالا للشك أن قدرا كبير من الحديث النبوي كتب في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وبين يديه وبإذن منه صلى الله عليه وسلم. وفي هذا المقال سألقي الضوء على موضوع له علاقة وطيدة بكتابة السنة والمحافظة عليها؛ ألا وهو موضوع تدوين السنة في بداية القرن الثاني الهجري باعتباره مرحلة تالية للكتابة التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. والمقصود بالتدوين؛ جمع الأحاديث التي كتبت في الصحف – في العهد النبوي – في ديوان أي كتاب للحفظ والعناية، مع عدم مراعاة ترتيب الأحاديث في هذه الكتب أو تبويبها كما حدث في القرن الثالث الهجري. وهذه المرحلة بدأ العمل بها في بداية القرن الثاني الهجري؛ حيث رأى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جمع الأحاديث والسنن في الصحف, وأن تدون تدوينا عامًا في الكتب حتى لا يختلط الصحيح بالضعيف, وحتى لا يضيع منها شيء بموت حفاظها, فكتب إلى عماله في الأمصار الإسلامية يأمرهم بذلك. ففي صحيح البخاري:” وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ وَذَهَابَ العُلَمَاءِ، وَلاَ تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم، وَلْتُفْشُوا العِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ، فَإِنَّ العِلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا”. وقد عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بهذه المهمة إلى جماعة من كبار العلماء في زمانه أمثال: الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني أحد الأئمة وعالم أهل الحجاز والشام المتوفى سنة أربع وعشرين ومائة هجرية. وقد وجد هذا الأمر من عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قبولا عند الولاة والعلماء أمثال أبي بكر بن حزم والزهري وسعيد بن أبي عروبة. والربيع بن صبيح وغيرهم، فقاموا بهذا الأمر خير قيام، خير قيام. وأقبلوا على جمع الأحاديث والسنن وتجميعها وتمييز صحيحها من سقيمها. وكان لحركة تدوين السنة هذه أسباب كثيرة منها؛ اتخاذ التدوين طابعا رسمياً للدولة الإسلامية بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز وتنفيذًا لرغبته، وكذلك ظهور الوضع والوضاعين, ذلك أن أعداء الدين أحكموا كيدهم المتين, وأرادوا طعن الإسلام من الخلف بعد أن عجروا عن النيل منه, وضعفوا عن مواجهته، كفاحاً، ويضاف إلى الأسباب أيضاً؛ تفرق الصحابة ومن بعدهم التابعون, وانتقالهم إلى الأمصار كل يحدث بما سمع ويبلغ ما وعى, مما دعت الحاجة معه إلى جمع ما تفرق, وتأليف ما توزع. هذا بالإضافة إلى أن اتساع رقعة الدولة بعد الفتوحات الإسلامية، وانشغال الناس بالدنيا، وسعي الكثيرين منهم في طلب تحصيلها؛ أدى إلى ضعف ملكة الحفظ, فأصبحت الحاجة ماسة إلى تدوين الحديث مخافة أن يضيع. إن هذا الجهد الذي قام به العلماء من الجمع والتصنيف لم يأت من فراغ، وإنما كان ثمرة لجهد وكد السابقين الذين تركوا خلفهم زادا ضخماً، وحصادا عظيما يواصل إحياء ذكرهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- د. شعبان عبد الحميد رفاعي جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UniSHAMS) ماليزيا