المستشار الاعلامي احمد سلام يكتب :العمليات اللوجستية.الاستثمارات الصينية في الخارج
بوابة الاقتصاد
المستشار الاعلامي احمد سلام يكتب :العمليات اللوجستية.الاستثمارات الصينية في الخارج
1. الاستثمار الأجنبي المباشر: تُعد الصين من أكبر الدول المستثمرة في الخارج، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصينية حوالي 163 مليار دولار في عام 2022. تتنوع هذه الاستثمارات بين مختلف القطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية. وتستثمر الصين بكثافة في الدول النامية، وخاصة في إفريقيا وآسيا، حيث تساعد هذه الاستثمارات في تمويل مشاريع تنموية كبيرة، مثل بناء الطرق والجسور ومحطات الطاقة. وهذا يساهم في تحسين البنية التحتية وتوفير فرص عمل وتحقيق النمو الاقتصادي في تلك الدول.
2. زيادة التعاون الاقتصادي: شهدت السنوات الأخيرة تعزز التعاون الاقتصادي بين الصين والدول الأخرى، من خلال زيادة الاستثمارات والمشاريع المشتركة. فالصين تلعب دوراً كبيراً في دعم الاقتصادات النامية من خلال توفير التمويل والخبرات التقنية اللازمة لتنفيذ المشاريع الكبرى. فعلى سبيل المثال، تستثمر الصين بكثافة في دول مثل مصر، كينيا، ونيجيريا، حيث تعمل على تطوير مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية. ونتيجة لذلك، تحسنت العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول والصين، مما أدى إلى تحسين الظروف الاقتصادية للمجتمعات المحلية.
الاقتصاد الرقمي الصيني وعلاقاته بالعالم:
1. الريادة في التكنولوجيا الرقمية: تُعد الصين من الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا الرقمية والاقتصاد الرقمي. ففي عام 2023، مثل الاقتصاد الرقمي الصيني حوالي 40% من الاقتصاد الرقمي العالمي. وهذا يُعزى إلى التقدم الكبير في مجالات مثل التجارة الإلكترونية، الذكاء الاصطناعي، وسلسلة الكتل (Blockchain). وتساهم الشركات الصينية مثل “علي بابا” و”تينسنت” و”بايدو” في دفع عجلة الابتكار في التكنولوجيا الرقمية، وتلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد الرقمي العالمي. ومن خلال استثماراتها في الخارج، تعمل هذه الشركات على توسيع حضورها الدولي وتعزيز التعاون مع الشركات التقنية العالمية.
2. العملات الرقمية والتكنولوجيا المالية: تعتبر الصين رائدة أيضاً في مجال التكنولوجيا المالية، وخاصة العملات الرقمية. ففي السنوات الأخيرة، عمل البنك المركزي الصيني على تطوير العملة الرقمية “اليوان الرقمي”، التي تستخدم الآن على نطاق واسع داخل الصين، وتساعد في تسهيل المعاملات المالية وتخفيض تكاليف العمليات المالية. كما أن الصين تتعاون مع دول أخرى لتبني العملة الرقمية الصينية في المعاملات التجارية الدولية، مما يعزز دور الصين في الاقتصاد الرقمي العالمي.
التحول نحو الطاقة النظيفة:
1. ريادة الطاقة المتجددة: تُعد الصين أكبر منتج للطاقة المتجددة في العالم، حيث أنتجت أكثر من نصف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم بحلول عام 2023. وهذا يضع الصين في مقدمة الدول التي تقود التحول نحو الطاقة النظيفة ومكافحة تغير المناخ. وتسعى الصين إلى تقليل اعتمادها على الفحم والطاقة التقليدية، واستبدالها بالطاقة النظيفة والمتجددة. وفي هذا السياق، استثمرت الصين مليارات الدولارات في تطوير تقنيات الطاقة الشمسية والرياح، وتعمل على تصدير هذه التقنيات إلى الدول الأخرى.
2. التعاون في مجال البيئة والمناخ: تلعب الصين دوراً هاماً في تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة تغير المناخ، من خلال مبادرات مثل الحزام والطريق الأخضر، حيث تسعى الصين إلى تعزيز استخدام الطاقة النظيفة في الدول النامية. كما تشارك الصين بفعالية في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة، مثل اتفاقية باريس للمناخ، وتلتزم بتخفيض انبعاثات الكربون وتحقيق الاستدامة البيئية. وهذا التعاون يعزز العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول الأخرى في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
دور الشركات الصينية في الاقتصاد العالمي:
مع توسع الطبقة الوسطى في الصين، تزداد الحاجة إلى المزيد من الابتكار والتطور الصناعي. وهذا أدى إلى بروز العديد من الشركات الصينية كشركات رائدة عالمياً في مجالات مثل التكنولوجيا، الصناعة، والخدمات. حيث تعمل الشركات الصينية الآن على توسيع نطاق أعمالها عالمياً، عبر تصدير منتجاتها وخدماتها إلى مختلف دول العالم، كما تستثمر في الشركات الأجنبية. وهذا التوسع يعزز التعاون الاقتصادي بين الصين والدول الأخرى، ويدفع عجلة النمو الاقتصادي العالمي.
إن تأثير الاقتصاد الصيني ومساهمته الإيجابية في دفع النمو الاقتصادي العالمي، يواجه بالعديد من التحديات الخارجية، ولعل من أبرزها الحروب والقيود الأمريكية على التكنولوجيا الصينية؟!!. ونتعرض هنا لبعض الأمثلة لهذه الحروب، ففي أغسطس 2022، وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن على “قانون الرقائق” الذي يوفر ما يقرب من 53 مليار دولار من الدعم لبناء المصانع. وقد فرضت إدارة الرئيس بايدن مجموعة عوامل تقييدية على ضوابط التصدير، والتى تستهدف عدم وصول بكين إلى أشباه الموصلات ذات المنشأ الأمريكي والمنتجات المرتبطة بها؛ حيث أضحت الشركات الصينية غير قادرة على شراء الرقائق المتقدمة وتكنولوجيا صناعة الرقائق من واشنطن دون حصول المورد الأمريكي على ترخيص بذلك من حكومة الولايات المتحدة. وفي أكتوبر 2023، فرضت إدارة بايدن الأمريكية قيوداً أكثر شمولاً على صناعة الرقائق في الصين، وذلك بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة بغرض تقييد التكنولوجيا الصينية، مما نتج عنه الحد من بيع الرقائق المتقدمة للصين؛ مما يحرم الصين من القوة الحاسوبية الرقمية التي تحتاجها بكين لتدريب الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
وفي يناير 2024 شددت الولايات المتحدة قبضتها، من خلال إقناع هولندا واليابان بالحد من صادرات التكنولوجيا المستخدمة في إنتاج الرقائق، كما شجعت واشنطن العديد من الشركات، مثل شركة “تي إس إم سي” التايوانية على بناء مصنع في ولاية أريزونا لإنتاج شرائح “النانو”، “غيغا فاب”، كما قررت الولايات المتحدة أيضاً إنشاء مصنع فائق الحداثة باستثمارات تقدر بـ 40 مليار دولار بحلول عام 2027، في ولاية أريزونا أيضاً، وفي السياق نفسه كثّفت إدارة بايدن منافستها مع بكين في صناعة أشباه الموصلات، كما وقّعت إدارة بايدن على قانون الرقائق والعلوم، وهو أحد السياسات الصناعية التى تهدف إلى تعزيز الأبحاث والدراسات وتعزيز مرونة سلاسل التوريد، والتى تبلغ تكلفته 52.7 مليار دولار.
وفي تقديري، فإن بكين ، وفي ظل بروز تعدد الأقطاب ستفوز في سعيها للتفوق على المنتجات الغربية، من خلال تميزها في الأداء الجيد والسعر المعتدل؛ مما سيساهم بشكل كبير في ولوج الصين لصناعة الرقائق المتطورة، حيث تسعى الصين للتغلب على الحظر المفروض علي تصدير العناصر الداخلة في تصنيع أشباه الموصلات إلى السوق الصينية، حيث أشارت بعض التقارير إلى محاولة الصين التقارب مع الشركات الألمانية والكورية الجنوبية للاستثمار بشكل قوي في السوق الصيني، حيث تسعى الصين إلى استثمار مئات المليارات من الدولارات لبناء سلاسل توريد ذكية بغرض القضاء وعدم الاعتماد على موردي التكنولوجيا الغربية.
وفي الختام، فإن العلاقة بين الاقتصاد الصيني والعالم تمثل قوة إيجابية تدفع عجلة الاقتصاد العالمي نحو المزيد من التكامل والتعاون. فالصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد عالمي، مؤهلة لأن تلعب دوراً محورياً في تعزيز التجارة الدولية، والاستثمارات، والتعاون الاقتصادي. ومن خلال مبادرات مثل الحزام والطريق، والاستثمارات في الطاقة المتجددة، والريادة في الاقتصاد الرقمي، تواصل الصين تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في الساحة الاقتصادية العالمية.
ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي مثل تغير المناخ، التفاوت الاقتصادي، والتحول الرقمي، تتطلب تعاوناً دولياً قوياً، وتظل الصين في مقدمة الدول التي تسعى إلى تحقيق هذا التعاون من خلال بناء شراكات اقتصادية واستراتيجية مع مختلف دول العالم، ترتكز بشكل رئيسي على تحقيق المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة.
وبالعودة إلى احتفال الصين بمرور 75 عاماً على تأسيس الصين الجديدة، فلا شك أن الصين تسعى وتخطط للحلم الصيني بأن تصبح واحدة من الدول الأكثر تقدماً في العالم بحلول موعد احتفالها بعيدها المئوي في 2049. ولتحقق حلمها؛ سوف تؤسس خلال السنوات المقبلة بنية تحتية أكثر مما تمتلكه بقية دول العالم في تاريخها، إضافة إلى العمل على تحديث المدن والمباني وجعلها صديقة للبيئة، وتحسين أسلوب الأفراد في السفر والتجارة، واحتضان التكنولوجيا، وإيجاد سبل جديدة للعناية بأكثر من 1.4 مليار شخص وتوفير الغذاء لهم.
*المستشار الاعلامي المصري السابق بسفارة مصر ببكين
والخبير بالشأن الصيني