معركة الأسعار تشتعل بين الحكومة والتجار في مصر
بوابة الاقتصاد
الدولة تواجه “الجشع” بحظر التصدير والرقابة… ومتخصصون يطالبون الأهالي باللجوء لمنافذ السلع المخفضة الرسمية
تسعى الحكومة المصرية لكبح جماح الارتفاع في أسعار السلع الغذائية، الذي تفاقم خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وتحديداً منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا من خلال إجراءات لتوفير السلع بأسعار مخفضة، إضافة إلى “التعامل الحاسم مع التجار الجشعين”، في وقت يتطلع فيه المواطنون للسيطرة على الأسعار، ومنع أي ارتفاع جديد قبيل شهر رمضان الذي يحل بعد نحو أسبوعين.
وخلال الأسابيع الأخيرة ارتفعت أسعار اللحوم باختلاف أنواعها بنسب تتراوح بين 10 و50 في المئة، وفق تصريحات لمسؤولي شعبة القصابين في الغرفة التجارية بالقاهرة، كما ارتفع سعر رغيف الخبز غير المدعم 50 في المئة، مع زيادة سعر طن الدقيق من 9 آلاف جنيه (573 دولاراً) إلى 12 ألف جنيه (765 دولاراً)، كذلك ارتفع سعر طن المعكرونة إلى 10 آلاف جنيه (637 دولاراً) مقابل 8 آلاف جنيه (510 دولارات) قبل 3 أسابيع.
وتعتمد مصر على أوكرانيا وروسيا في استيراد نحو 80 في المئة من احتياجاتها من القمح، إذ استوردت العام الماضي 11.8 مليون طن قمح، و69.4 في المئة منها جاء من روسيا، كما كانت أوكرانيا مصدر 10.7 في المئة منها.
مسؤولية التجار
وعلى الرغم من ارتباط زيادة الأسعار بنشوب الحرب في أوكرانيا، فإن المتخصص الاقتصادي وائل النحاس أوضح لـ”اندبندنت عربية”، “أن كميات السلع الغذائية في الأسواق حالياً مخزنة لدى التجار منذ ما قبل الحرب”، مشيراً إلى “وجود أزمة عالمية في الأمن الغذائي حقيقة، لكنها متفاقمة في مصر”، موضحاً “أن نسبة زيادة أسعار الحبوب عالمياً بلغت 16 في المئة منذ اندلاع الحرب، بينما في مصر زادت الأسعار بنسب وصلت إلى 50 في المئة”، وأرجع ذلك إلى ما سماه “جشع التجار، إضافة إلى حالة عدم اليقين التي سيطرت على السوق في الاشهر الأخيرة، بسبب تغيير إجراءات التخليص الجمركي”.
“جشع التجار” تحدث عنه أيضاً رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحافي، مؤكداً “أن الحكومة ستتعامل بحزم مع أي ممارسات غير مقبولة من بعض التجار الجشعين، بخاصة أن الدولة عملت خلال الفترات الماضية، وحتى الآن، على توفير مختلف أنواع السلع الأساسية وتأمين احتياطي استراتيجي منها”. وأوضح، “أنه جرى التنسيق مع الغرف التجارية لتأمين السلع الغذائية بأسعار عادلة، وتجنب أي نوع من المغالاة”. وأشار إلى توجيهات رئيس الجمهورية بتوفير رصيد احتياطي دائم من السلع الأساسية يكفي لمدة لا تقل عن 3 إلى 6 أشهر. كما دعا مدبولي المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك وعدم تخزين السلع.
ووجه رئيس الحكومة المحافظين بمتابعة حركة الأسواق، وتوافر السلع المختلفة بها بصفة يومية، على أن يكون هناك تدخل فوري لمواجهة حدوث نقص في أي سلعة، بجانب التأكد بصفة مستمرة من أن الأسعار المطروحة بها السلع تعد عادلة، وأنه لا توجد أي مبالغة أو مغالاة في تلك الأسعار.
وتطلق وزارة الداخلية، غداً الثلاثاء، المرحلة الجديدة من مبادرة “كلنا واحد” التي توفر سلعاً غذائية بأسعار مخفضة عن مثيلاتها في الأسواق بنسب تتراوح بين 25 إلى 60 في المئة، في أكثر من ألف منفذ بيع ثابت ومتحرك وفي عدد من فروع السلاسل التجارية الكبرى. وتستمر المبادرة شهراً بهدف التخفيف عن المواطنين قبل رمضان.
حظر التصدير
وأعلنت وزارة التجارة والصناعة المصرية حظر تصدير 5 سلع غذائية لمدة ثلاثة أشهر وهي العدس والمعكرونة، والقمح والدقيق والفول. ووفق بيان للوزارة، قالت الوزيرة نيفين جامع، “إن الحظر يأتي في إطار خطة الدولة لتوفير احتياجات المواطنين من السلع، خصوصاً مع الاستعداد لرمضان الذي يشهد زيادة في نسب الاستهلاك”.
كما اتجهت الحكومة لزيادة المعروض من السلع في المنافذ الحكومية، إذ أكد متحدث مجلس الوزراء السفير نادر سعد، “أن الحكومة ستستخدم ما لديها من مخزون استراتيجي من السلع المختلفة، وتتيحها بالأسعار المعروضة قبل موجة الزيادة الأخيرة”، معتبراً أن تلك الطريقة هي الأكثر تأثيراً في ضبط الأسواق”، وأوضح في تصريحات تلفزيونية “أن المواطن يستطيع الحصول على السلع بالأسعار القديمة من المنافذ التابعة لوزارتي التموين والداخلية وجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة”.
وأضاف، “أن الجهات الرقابية ستضبط التجار الذين يمتنعون عن إتاحة السلع انتظاراً لزيادة سعرها”، مؤكداً “أن القانون ينص على مصادرة تلك السلع، إضافة إلى تدخل جهازي حماية المنافسة والمستهلك، إذا ما جرى رصد اتفاقات معينة تضر بآليات التوازن الطبيعية المعتادة”.
ونفذت وزارة الداخلية المصرية حملات عدة لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات حجب السلع الغذائية عن التداول بقصد رفع أسعارها، وأعلنت ضبط 1392 قضية تموينية متنوعة، بينها قضايا حجب سلع غذائية، وبيع بأسعار مرتفعة عن السعر الرسمي، والاستيلاء على المدعومة منها. وأصدرت النيابة العامة المصرية قراراً الخميس الماضي بحبس 12 شخصاً لاتهامهم بارتكاب “جرائم تموينية”، فيما لاقت تحركات الحكومة ترحيباً شعبياً، على أمل أن تكبح جماح الأسعار التي يتخوف كثيرون أن ترتفع مجدداً في الأسبوع الذي يسبق شهر رمضان.
موجة ارتفاع جديدة
أمام إحدى السلاسل التجارية الكبرى في القاهرة وقفت عبير صبحي (52 سنة) تراجع الفاتورة التي تضمنت معظم ما تحتاجه أسرتها المكونة من 4 أفراد في رمضان، ووضح تأثير زيادة الأسعار في تعبيراتها الممتعضة، وقالت “إنها سمعت عن إجراءات الحكومة لضبط السوق”، واعتبرت “أنها خطوة مهمة للتخفيف عن المواطنين الذين تعبوا من التجار الجشعين والزيادات غير المتوقعة في أسعار السلع الغذائية”.
في وقت قررت نشوى حسن، موظفة متقاعدة، الذهاب إلى المجمع الاستهلاكي (منفذ بيع تابع لوزارة التموين المصرية) القريب من منزلها لشراء ما يلزمها من سلع في الأيام المقبلة، بعدما زادت الأسعار بصورة لا تتناسب مع ثبات معاشها بعد التقاعد، وأعربت عن مخاوفها من زيادة الأسعار مجدداً في رمضان.
ويرى المتخصص الاقتصادي وائل النحاس، “أن الأسعار وصلت إلى ذروتها، ولن ترتفع مجدداً”، وتوقع “أن تثبت على حالها أو تتراجع بنسبة ضئيلة خلال الأيام المقبلة، بفضل توفير الحكومة سلعاً بأسعار مخفضة والرقابة على الأسواق”، لكنه أشار إلى “أنه في حال طال أمد الحرب وتوقفت خطوط الشحن قد ترتفع الأسعار من جديد”. وأكد “أن تدخل الحكومة المصرية جاء في الوقت المناسب، بحيث يجري حل أزمة الأسعار دون الدخول في صدام مباشر مع كبار التجار”.
كذلك، توقع الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية المصرية علاء عز، تراجع أسعار السلع خلال الفترة المقبلة، موضحاً في تصريحات تلفزيونية “أن سعر الجملة بالنسبة إلى القمح وعديد من السلع بدأ في الانخفاض والتراجع بدءاً من السبت”، وكشف عن “أن الاجتماعات التي عقدها رئيس الوزراء مع كبار التجار كان لها التأثير الأكبر في الحفاظ على أسعار السلع من الزيادة المفرطة والمتسارعة”، مؤكداً “أهمية دور الحكومة في ضبط الأسواق”.
واستبعد محمود العسقلاني، رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء”، وجود موجة غلاء جديدة في الأيام المقبلة، مؤكداً “أن المواطن عليه اللجوء لمنافذ بيع السلع المخفضة التي توفرها الدولة لمواجهة جشع التجار”، واعتبر “أن الارتفاع الأخير في الأسعار لا مبرر له، لأن السلع مخزنة لدى التجار، ولم تتأثر بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا”.
وأكد العسقلاني، في تصريح خاص، “أن المجتمع المدني والمواطن عليهم مسؤولية في مساندة الدولة بتنبيه الأجهزة الرقابية لأي حالات جشع تجاري”. مؤكداً “أن الحكومة المصرية تعمل على خطط متوسطة وطويلة المدى لتحقيق الاكتفاء الذاتي في سلع عدة أبرزها اللحوم”.
نقلا عن اندبندنت عربية