تتميز أعياد المسلمين جميعها بالخير والبركة والفرحة والبهجة، حيث تتلاقى الوجوه والقلوب وتزينها البسمة والسعادة، ويفرح حجاج بيت الله الحرام بأداء مناسكهم، ويفرح المسلمون في بقاع الأرض بذبح الأضاحي تقربًا إلى الله -عز وجل-، وإدخالاً للسرور على الفقراء والمحتاجين، وتحقيقًا للتكافل والتراحم بين أبناء المجتمع، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]
ويوم عيد الأضحى من أعظم أيام الله عز وجل، كما روي عن عبد الله بن قرط -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أعظمُ الأيامِ عندَ اللهِ يومُ النحرِ، ثم يومُ القر». ابن خزيمة
لاجتماع جل أعمال شعيرة الحج فيه؛ فرمي الحجاج لجمرة العقبة، ونحر الهدي، والتحلل من الحج بالحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، وسعيهم بين الصفا والمروة، إضافة إلى ذبح الأضاحي لغير الحجاج.
نتعلم في يوم عيد الأضحى الفداء والتضحية، كما حدث لإبراهيم -عليه السلام- عندما رزقه الله تعالى بإسماعيل -عليه السلام-، وحين رأى في منامه أنه يذبح ولده الوحيد بعد أن بلغ معه السعي. قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ}، فما كان من الابن إسماعيل إلا أن قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102].وكان الفداء من الله -عز وجل- لإسماعيل -عليه السلام- بذبح عظيم، قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:103-107].
منذ ذلك الحين، والأضحية شعيرة عظيمة. قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: “ضَحُّوا فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُم إِبْرَاهِيمَ”.
وهي من أفضل القربات في هذه الأيام، فعَنْ أُمِّ الـمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَومَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، وَإِنَّهُ لَتَأْتِي يَومَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا»، رَوَى التِرمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
والأضحيةُ فيها توسعةٌ علي النفسِ والأهلِ، وإكرامُ الجيرانِ والأقاربِ والأصدقاءِ، والتصدقُ علي الفقراءِ والمساكين، قال – صلَّي اللهُ عليه وسلم- :”ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ”. ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
والعيد تكريم لأهل الإيمان، وتسلية لقلوبهم وفسحة لهم ولأهاليهم ولا غرابة فديننا دين السماحة واليسر؛ لأن النفس ملولة وتحب التجديد والترويح وقد جعل الله لها هذا الأعياد والمناسبات؛ وعندما قَدِمَ نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) المدينةَ ولَهُم يومانِ يَلعبونَ فيهِما فقالَ: ما هذانِ اليومانِ ؟قالوا: كنَّا نَلعبُ فيهِما في الجاهليَّةِ فقالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: «قد أبدلَكُمُ اللَّهُ بِهما خيرًا منْهُما: يومَ الأضحى ويومَ الفِطرِ». أخرجه أبو داود وأحمد
فيوسع المسلم على أهله وأولاده وأرحامه ، ويظهر سماحة الإسلام وأن يدع الأطفال والصبيان يمرحون ويلعبون في هذا اليوم خاصة؛ ولا أدل على ذلك من نهي النبي الكريم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- للصديق -رضي الله عنه- عن نهر الجواري اللاتي كن يغنين في بيت عائشة -رضي الله عنها-.
ونتعلّم في العيد صلة الأرحام بالزيارة والعطاء امتثالًا لأمر الله الغفور الرحيم واقتداءً بالنبي الكريم – صلى الله عليه وسلم-؛ وليدرك العبد أن من وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله.
ونتعلّم في العيد تهنئة المسلم لإخوانه المسلمين بهذه المناسبة؛ كما كان يفعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول جبير بن نفير -رحمه الله-: “كان أصحابُ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- إذا التقوْا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهم لبعضٍ: تقبل اللهُ منّا ومنكَ”(فتح الباري لابن حجر).
فانشروا التصالح والتسامح والمحبة، واحذروا من موجبات الفرقة والاختلاف والنعرات الجاهلية والعنصرية المقيتة، وأديموا روابط الدين والأخوة الإسلامية، واحذروا أن تقابلوا آلاء الله ونعمه عليكم بالمعاصي والآثام واللهو الحرام وقطيعة الأرحام؛ فيحل عليكم سخط من ربكم وعقاب لا ينزعه منكم حتى تعودوا إليه وتخضعوا بين يديه.
ولننثر الفرحة في الطّرقات، وفي النّفوس والقلوب، فعُمْرُ الأمّة أطول من أعمار كلّ المحن والطّغاة، فَحُقَّ لنا أن نلبس الجديد، ونهنّئ بعضنا بعضاً بمناسبة العيد، رغم وجود جراحات الأمّة وكربها، فكل هذا لا يمنعنا من الاحتفال بعيدنا لأنه سنة نبينا، فإننا نفرح ونتذكر بلدنا الذي هُجِّرنا منه، ونفرح ونتذكر إخوة لنا في السجون يعانون الكرب والشدّة، نفرح رغم انتشار البلاء والوباء، نفرح رغم القتل والتّشريد وهدم البيوت واغتصاب الحرمات، نفرح لأن ديننا علّمنا ألّا نيأس، قال جل جلاله: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
وفي الأعياد نتذكر إخواننا المكروبين في فلسطين والسودان وفي كل مكان، نقف بجانبهم ونساندهم ونساعدهم بأموالنا ودعائنا ومواجهة أعدائهم بفضحهم ومقاطعتهم ومن يساندهم، كما قال -صلى الله عليه وسلم -: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله” البخارى.
فلنحسنِ الظّنّ بربّنا، ولنجمعْ الأمل مع العمل، ولنعلمْ أنّ الشدائد الّتي تمرّ بها الأمّة هي علامة ميلادٍ جديدٍ، وتمكينٍ للمسلمين بإذن الله، والنصر آت لا محالة، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ ﴾[غافر: 51]، وقال:﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾[الإسراء: 51]
تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير .