د. محمد حامد سعيد يكتب: أنت السبب في تنشئة عقلية معاقة؟
من المسلم لدينا جميعاً أن فطرة الإنسان إنما فُطرت على حُب الأولاد حُباً جمّاً، وأن هذا شيء فطر الله تعالى بنى الإنسان عليه مصدق ذلك قوله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ}[آل عمران:14]، فأولادنا أحب شيء إلى قلوبنا جميعاً، وكما يقول المثل العربي:”من الحب ما قتل”.
ومن شدة الحب للأولاد نحن كأبآء -إلا من رحم ربي- جعلنا منهم جيلاً بل أجيالاً معاقة تارة تكون الإعاقة بدينة، وتارة أخرى تكون الإعاقة ذهنية، -وحين أذكر هنا الإعاقة لا أقصد الإعاقة الحسية الحركية، وإنما أقصد الإعاقة المعنوية التي تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها- وبمعنى أوضح أننا تركنا أولادنا وشبابنا ينشأوون دون تحمل للمسؤولية الإيجابية، المسؤولية التي هي بناء عقلي، وبناء حسي للشخصية السوية، فحينما تركنا أولادنا ولم توقظهم لصلاة الفجر خوفاً عليهم من برد الشتاء فهذه إعاقة لهم، وحينما تركهم يستيقظوا من نومهم دون ترتيب لمكان نومهم وإعداده إعداداً جيداً فهذه إعاقة لهم، وحينما شجعنا أولادنا على عدم الاستمرار للذهاب للمدرسة في الصباح وجعلنا الدروس الخصوصية بديلاً عن المدرسة فهذه إعاقة لهم عن الحركة والنشاط وعن الاعتماد على النفس في المذاكرة والتحصيل الذاتي كما كان حالنا نحن في طفولتنا حيث كان الفعل هذا سبباً لهم في الإعاقة ونحن في أكبر غفلة في حياتنا، وحينما تركنا أولادنا يلعبون في الشوارع ويُسببون الازعاج لهذا وذلك دون ذهاب لمراكز الشباب التي أعددتها الدولة للشباب في المدن والقرى والنجوع والمراكز الكبرى في المحافظات كنا سبباً أساسياً في إعاقة أولادنا دون أن نشعر-وأذكر هنا أن في منطقتنا التي نعيش فيها ثلاث قرى تقريباً لا يفرق بين حدوهم سوى 5 كيلو مترات في كل قرية منها مركزاً للشباب وهذا مثال فقط بهذا المناسبة-، وحينما تركنا أولادنا ولم نُعرّفهم محبة الوطن ومكانة الدولة في قلوبنا وكيفية المحافظة على ممتلكاتها الخاصة والعامة كنا سبباً في إعاقتهم، فالممتلكات العامة للدولة إنما هي مِلك لهذا الطفل اليوم وذاك الشاب غدا، وهي هي التي سوف يبكي إذا هي فُقدت أو ضاعت منه، لكونه لا يعلم قيمتها اليوم، وحينما تركنا لأودنا الحبل على طوله ولم نقف معهم وقفات في حياتهم الخاصة والعامة بحجة أنهم كبروا الآن ويستطيعوا أن يعرفوا مصلحتهم فلا شك أن هذا إعاقة لهم في حياتهم الخاصة والعامة، فمثلاً الفتاة في وقت بلوغها وظهور التغيرات الفسيولوجية إذا لم تلجأ للأم في هذه المرحلة خاصة من حياتها الخاصة فلمن تلجأ، أليس بُعد الفتاة عن أمها في مرحلتها هذه إعاقة لها وعدم تواصل بينها وبين أقرب الناس إليها، وعند ظهور شعرات في وجه الشاب الصغير ظاهراً وباطناً إذا لم يلجأ لأبيه فلمن يلجأ يا كرام؟ أليس هذا إعاقة لهم، وحينما يفقد الشاب الأمل في مستقبل حياته ويترك الأخذ بالأسباب أليس هذا إعاقة لهم، أليس من الإعاقة أن لا تتعلم الفتاة الأمور المنزلية في بيت أبيها وأمها حتى إذا انتقلت لبيت زوجها كانت قادرة على إدارة الأمور الداخلية للبيت كما كانت أمها كذلك، أليس من الإعاقة يا كرام أن نترك الشاب قد بلغ خمسة عشر عاماً وأكثر وليس له حرفة أو صنعة أو مهنة بجوار تعليمه بحجة أنه مازال صغيراً ولا يقدر على العمل، ونسينا أو نحاول أن ننسى ما جاء في سيرتنا المطهرة أن أسامة بن زيد رضي الله عنه قاد جيشاً عظيماً ضد الروم وعمره ثمانية عشر عاماً، وفي هذا الجيش كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كسيدنا أبى بكر وهو خليفة للمسلمين بعد وفاة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وسيدنا عمر وغيرهم الكثير والكثير، ألا يُعد هذا إعاقة لشبابنا يا كرام، أليس من الإعاقة أن الشاب انتهى من المرحلة الجامعية وبلغ عمر الزواج ومازال يعتمد على أبيه وأمه في أمر زواجه، أليس من الإعاقة أن الشاب يعتمد على الدولة في إيجاد فرصة للعمل، وإيجاد بيت الزوجية، وإيجاد وظيفة بمرتب كبير وكبير مع ساعات عمل قليلة.
إننا من نجعل من أولادنا معاقين ذهنياً وبدنياً بكثرة حبنا الزائد لهم، يا كرام إن الإعاقة ليست إعاقة بدن وإنما هي إعاقة ذهن وفكر واعتماد على الأخر، اخلعوا أيديكم عن أولادكم اتركوهم يواجهوا مصاعب الحياة منذ صغرهم حتى إذا كبروا اعتمدوا على أنفسهم، وأصبحوا أداة إيجابية خادمة للدين والوطن، حتى لا نكن سبباً في تنشئة عقلية معاقة من أولادنا.
أد/ محمد حامد محمد سعيد – الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين وعلوم القرآن واللغة العربية – جامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UNISHAMS)- ماليزيا