الإمارات تسعى لتكثيف صفقاتها في أفريقيا وتتفوق على لاعبين تقليديين
استثمارات الإمارات في القارة بلغت 44.5 مليار دولار في العام الماضي وسط تركيز على مشاريع الطاقة المتجددة
قررت الامارات في 2021 القيام بتوسعات كبيرة في أسواق خارج نطاق استثمارها المعتاد، سعياً وراء كسب تأثير جيوسياسي. منذ ذلك الوقت تعهدت الدولة باستثمارات في اقتصادات افريقيا تتجاوز أي دولة أخرى، وباتت تتنافس مع الأطراف الفاعلة، مثل الصين وفرنسا.
تكثف الدولة الخليجية الجهود لتحقيق أهدافها من خلال القطاعين العام والخاص، فسارعت في الشهر الماضي إلى إنقاذ الاقتصاد المصري بصفقة قيمتها 35 مليار دولار، ما يمثل 7% من ناتجها الاقتصادي السنوي، وتعتزم استثمار مبلغ مشابه في دول أفريقية أخرى إذا سنحت فرصة جديدة، وفق مسؤول مطلع على خطة إنقاذ اقتصاد مصر طلب عدم الكشف عن هويته.
رغم أن بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر هذه تحتسب المبالغ المتعهد بها وليس المنفقة بالضرورة، أعرب أكبر بنك في أفريقيا عن ثقته بأن الإمارات ستصبح أحد أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي في القارة خلال السنوات الخمس المقبلة، بناء على الصفقات التي شهدها.
راسم زوك، الرئيس التنفيذي في “ستاندرد بنك غروب” (Standard Bank Group) في الشرق الاوسط وأفريقيا، قال في مقابلة إن نمو الاستثمار الأجنبي لا يسير “بمعدل ثابت”، مضيفاً: “قبل عامين كان النمو قوياً، وفي العام الماضي استمر بمعدل من رقمين”، مضيفاً أن العامين أو الثلاثة المقبلة “ستشهد عودته إلى ما يتجاوز 30%”.
استثمارات أكبر من المنافسين
مع تراجع التمويل الصيني لمشاريع البنية التحتية، وتذبذب المشاركة الغربية، اقترنت استثمارات أبوظبي بتحركات دبلوماسية مكثفة، وهو نهج سلكته كلّ من السعودية وقطر أيضاً، وإن كان بدرجة أقل. هذه الخطوات أخرجت الإمارات من دائرة النفوذ التاريخية لدول الخليج المقتصرة على شمال أفريقيا والقرن الأفريقي القريب، إلى كل أرجاء القارة.
قال أندرياس كريغ، محاضر في القضايا الأمنية في الشرق الأوسط في “كينغز كوليدج” في لندن، إن ما تمارسه الإمارات عبر تلك الصفقات يعد نوعاً من “فن الإدارة المرتكز على بناء الشبكات”، وسعياً للتأثير “يحاول الإماراتيون إظهار أنفسهم على أنهم بوابة دخول روسيا والصين، وحتى الدول الغربية، إلى أفريقيا”.
تعهدت الإمارات باستثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 52.8 مليار دولار في 2022، عندما تصدرت تصنيف الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمرة الأولى. يتجاوز ذلك المبلغ 20 ضعف إسهامات الصين، و7 أضعاف مثيلتها الأميركية، وفق البيانات الصادرة عن “إف دي آي ماركتس” (fDI Markets). تراجع ذلك الرقم إلى 44.5 مليار دولار في 2023، غير أنه ما زال يمثل ضعف استثمارات الصين، التي حلت في المرتبة الثانية.
تركز تلك الاستثمارات بشكل رئيسي على الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا، والعقارات، والزراعة فبعد جائحة كورونا، “وضعت السوق مستوى أساسياً جديداً من حيث التقييمات، لذلك هناك فرصة مثيرة جداً لدخول العديد من المستثمرين خلال الفترة الحالية”، وفق زوك من “ستاندرد بنك غروب”.
إنقاذ مالي
وسّعت خطة إنقاذ اقتصاد مصر في الشهر الماضي نطاق استراتيجية الإمارات لتقديم خطط مساعدة للدول الأفريقية، بعدما سارعت إلى دعم السودان وإثيوبيا. فضلاً عن تلك الصفقات، أبرمت أبوظبي منذ 2019 أكثر من 10 اتفاقيات استثمار مع دول بعيدة عنها، مثل زامبيا وزيمبابوي والكونغو الديمقراطية.
بعيداً عن الاستثمارات، أدّت الإمارات أيضاً دوراً سياسياً في أفريقيا، فدعمت قائد الجيش خليفة حفتر في ليبيا، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالنزاع في إقليم تيغراي. كما زعم تقرير غير معلن للأمم المتحدة عن مساعدتها لقوات “الدعم السريع” في السودان، حيث أسفر الصراع الدامي عن أكبر نزوح داخلي في العالم، وسط اتهامات للأطراف المتصارعة بارتكاب جرائم حرب. لكن الإمارات تنفي تزويد أحد أطراف الصراع بأسلحة.
ركزت الشركات التي يقع مقرها في الإمارات بشكل رئيسي على اقتصادات أفريقيا الأكثر تقدماً، حيث تعزز البنية التحتية القوية والتوسع الاقتصادي الطلب على الطاقة، وفق سانديل هلوفي، مدير قسم الحكومة والبنية التحتية في “إرنست آند يونغ” (EY) في أفريقيا.
شملت تلك الاقتصادات مصر والمغرب وجنوب أفريقيا وكينيا، التي أصبحت في فبراير الماضي سادس دولة تبرم اتفاقية تجارة حرة خاصة مع الإمارات بعد اقتصادات كبرى مثل الهند وإندونيسيا.
تطوِر “أيميا باور” (AMEA Power)، ومقرها في دبي، مشاريع في أكثر من 10 دول أفريقية، وتعتزم إنفاق مليار دولار على مشاريع الطاقة المتجددة في القارة خلال العام الجاري. فقال حسين النويس رئيس مجلس إدارة “النويس للاستثمار” مالكة “أيميا”: “يحتاجون للكهرباء ولديهم الموارد الطبيعية”، ومن بينها وفرة طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية، في الوقت الذي نجد أن قرابة نصف سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى محرومون من الكهرباء، وفق البنك الدولي.
تركيز على الطاقة المتجددة
سيلعب النحاس والليثيوم والكوبالت المستخرج من وسط أفريقيا وجنوبها دوراً حاسماً في تحول الطاقة الذي تأمل الإمارات في قيادته، وفي جهود الدولة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط والغاز اللذين وفرا القوة الدافعة لنهضتها السريعة.
ففي نوفمبر الماضي، استحوذت الشركة العالمية القابضة مجموعة الشركات التي تبلغ قيمتها 240 مليار دولار ويترأسها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان شقيق رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد على حصة 51% في شركة “موباني كوبر ماينز” (Mopani Copper Mines) الزامبية مقابل 1.1 مليار دولار.
ترسخ التركيز على الطاقة المتجددة في قمة أفريقيا للمناخ في سبتمبر الماضي، أي قبل شهر من استضافة دبي لمؤتمر المناخ “كوب 28″، إذ تعهد سلطان الجابر رئيس شركة “أدنوك”، بتمويل العمل المناخي في القارة بمبلغ 4.5 مليار دولار. ومن المقرر أن تساهم شركة الطاقة المتجددة المملوكة للحكومة “مصدر”، التي يرأس الجابر مجلس إدارتها، بالجزء الأكبر من هذا التمويل، فيما تعهدت “أيميا” التابعة لـ”النويس” باستثمار مليار دولار في الأسهم في إطار الصفقة. ويمثل ذلك مؤشراً إلى كيفية تحرك القطاعين الخاص والعام في البلاد معاً.
قال النويس إن “الإمارات تنظر إلى هذا الأمر على أنه فرصة، وبصفتي مستثمراً أعتبر أنه فرصة كبيرة. أفريقيا قارة غنية، تتوافر فيها كل أنواع الموارد، لكنها لم تتطور بشكل كامل حتى الآن للأسف”.
استحوذت مصدر أيضاً في 2022 على حصة في شركة للطاقة المتجددة في جنوب أفريقيا “ليكلا باور” (Lekela Power)، التي تعد واحدة من أكبر شركات الطاقة النظيفة في القارة.
حضور لوجيستي
الإمارات ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تبذل جهوداً لتوسيع نطاق حضورها في أفريقيا، حيث بذلت السعودية وقطر جهوداً مشابهة خلال السنوات الماضية، وعبر القطاعين العام والخاص أيضاً؛ فأبرمت “أكوا باور” (ACWA Power)، ومقرها في الرياض، مذكرة تفاهم لاستثمار 10 مليارات دولار على مدى 10 سنوات بقطاع الطاقة المتجددة في جنوب أفريقيا.
لكن هذه الجهود لم تصل إلى الدرجة التي وصلت إليها الإمارات في دول مثل السنغال وأنغولا وجنوب أفريقيا. تقود شركة الخدمات اللوجستية ” موانيء دبي العالمية ومقرها في دبي، استثمارات الإمارات في أفريقيا، وتشغّل حالياً 9 موانئ في القارة. كما تمثل الشركة التواجد الأبرز للدولة في أفريقيا، وعقدت أولى صفقاتها في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأبرمت أحدثها مع تنزانيا في أكتوبر الماضي.
وفي 2022 استحوذت الشركة الإماراتية على شركة “إمبريال لوجيستيكس” (Imperial Logistics) الجنوب أفريقية مقابل 890 مليون دولار، ما وفر لها إمكانية الوصول إلى قنوات ومخازن الخدمات اللوجستية في أنحاء منطقة جنوب الصحراء الكبرى.
كذلك اتجهت الإمارات إلى أفريقيا لمعالجة حاجاتها والتي تشمل اعتمادها على الواردات الغذائية. وضمن الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي، اشترت الشركات الإماراتية مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في السودان وزيمبابوي وأنغولا، حيث أبرمت “دبي للاستثمار” و”إي 20 إنفستمنتس” (E20 Investments) اتفاقية لتطوير مزارع أرز وأفوكادو على مساحة 3,750 هكتاراً (حوالي 8930 فداناً)، أي ما يعادل مساحة 5,500 ملعب كرة قدم.