تليغرام يثير نقاشا.. ويقدم مزايا استثنائية ومخاطر واسعة
تنشر إحدى القنوات على تطبيق تليغرام يومياً عدداً من الصور الفوتوغرافية للسلع غير المشروعة المعروضة للبيع لما يقرب من 26000 مشترك.
مالك القناة المجهول يداوم على الدعاية لقناته عبر صفحته العامة، ويدعو متابعيه إلى مراسلته مباشرة لإجراء عملية شراء بالبتكوين أو الدولار الأميركي.
وتتخلل إعلاناته صور لأكوام من النقود ولقطات شاشة لرسائل التقدير من العملاء السعداء!
متجر السلع غير المشروعة هذا هو مجرد واحد من عشرات الآلاف من مجموعات وقنوات تليغرام التي يتتبعها خبراء علم الجريمة والأمن السيبراني.
ويجادلون بأن تطبيق الوسائط الاجتماعية أصبح “الويب المظلم” الجديد، حيث يتباهى منتهكو القانون والمتسللون الإلكترونيون بوقاحة بالخدمات غير المشروعة ويقايضون عليها دون تداعيات، وفق تحقيق نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
نقلت الصحيفة عن الرئيس التنفيذي للقسم الحكومي في شركة LexisNexis Risk Solutions، هايوود تالكوف (الذي كان يتتبع وسائل جديدة للاحتيال تستهدف أنظمة الحكومة الأميركية)، هايوود تالكوف، قوله: “إن تليغرام عبارة عن وسيلة تواصل اجتماعية للمجرمين المنظمين”.
- انفجار عالم الجريمة في تليغرام هو مجرد جانب واحد من الارتفاع المذهل واسع النطاق للمنصة في السنوات الأخيرة، من تطبيق مراسلة متخصص إلى مصدر إخباري ومورد لا غنى عنه للتنظيم، بما في ذلك الأزمات الجيوسياسية والإنسانية مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا أو الصراع بين إسرائيل وحماس.
- منذ تأسيسها في العام 2013، سعى الرئيس التنفيذي لشركة تيليغرام، بافيل دوروف، المولود في روسيا، إلى تصوير المنصة كبديل موجه نحو الخصوصية لمنصات التكنولوجيا الكبرى، بحيث لا يمكن مهاجمته من التدخل الحكومي. ويصر على أنه ملاذ آمن مقاوم للرقابة للمواطنين الذين يعيشون في أنظمة قمعية.
- يقول دوروف: “في بعض الأسواق، يعد تليغرام واحدًا من المنصات المجانية القليلة المتبقية التي يمكن للأشخاص من خلالها التعبير عن أنفسهم”.
- وباعتبار آسيا أكبر سوق لها، يقول دوروف إن المنصة لديها 900 مليون مستخدم نشط شهريًا، ارتفاعًا من 500 مليون في بداية عام 2021.
- لدى تليغرام لديها ما يقرب من 50 موظفًا بدوام كامل، بما في ذلك فريق مكون من 30 مهندسًا مختارًا بعناية.
- يقوم فريق مكون من سبعة فقط من مسؤولي النظام بإدارة أكثر من 80 ألف خادم، مملوكة للشركة ويتم توزيعها عالميًا.
بفضل ميزاته، أصبح التطبيق قناة التواصل لعديد من القادة العالميين، حتى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والوزارات الروسية الرسمية، وحتى الجماعات المسلحة، وحركة حماس، وغيرهم، يتسخدمونه.
بخلاف ذلك، يعمل التطبيق كنقطة جذب للخارجين عن القانون، ومروجي المعلومات المضللة، ومنظري المؤامرة، والمتطرفين الذين يفرون من القيود الأكثر صرامة المفروضة على المنافسين.
وتمكن تليغرام من الإفلات من الكثير من التدقيق التنظيمي ومتطلبات إنفاذ القانون التي ابتليت بها منصات مماثلة في وادي السيليكون في السنوات الأخيرة.
عمالقة التواصل الاجتماعي
من جانبه، يقول العضو المنتدب لشركة “آي دي تي” للاستشارات والنظم التكنولوجية، محمد سعيد، إن تليغرام حالياً يعد أحد عمالقة شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن الاعتماد عليه يظل أقل من واتساب صاحب القيمة السوقية وعدد المستخدمين النشطين الأكبر.
ويؤكد سعيد في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الأنشطة الإجرامية بما في ذلك تداول البرامج والأفلام والمسلسلات المقرصنة منتشرة على تليغرام بشكل أكبر من نظائره، بسبب:
- مساحة الحرية والخصوصية التي يتيحها لمستخدميه، والتي تأتي على حساب الأمان فهي ميزة في مواجهة المنافسين ولكنها أيضا عيب جوهري في المنصة إذا استُخدم بشكل غير مسؤول.
- قلة القيود المفروضة على المحتوى مقارنة بنظرائه.
- وجود خوادم وسيرفرات عملاقة تخدم على عمليات المحادثات.
وينوه سعيد بأن المستخدم هو المسؤول عن أمانه الشخصي، عن طريق تنمية وعيه بالمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها على هذه المنصات، مؤكدًا: “كلما زادت الحريات، زادت المخاطر”.
لدى الشركة فريق سياسات صغير مكون من حوالي 10 أشخاص، بالإضافة إلى عدة مئات من الوسطاء الخارجيين. لكن تظل هناك أسئلة حول كيفية قيامها باتخاذ القرار بشأن الاعتدال، بتطبيق هذه السياسات.
وبالعودة لتحقيق صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فقد نقل عن المؤسس المشارك ورئيس قسم الأبحاث في معهد النزاهة، وهو مركز أبحاث أميركي، جيف ألين، قوله: “يتعين أن يشعر المستثمرون بالقلق بشأن عالم الجريمة وكذلك قضايا النزاهة الأوسع في تيليغرام”.
توسع التطبيق من تركيزه على “المحادثات السرية” إلى دمج العشرات من الميزات الجديدة كل عام، بما في ذلك واجهة قابلة للتخصيص، وأدوات لمشاركة الملفات الكبيرة، ومجموعات تصل إلى 200000 عضو، وقنوات – لبث الرسائل في اتجاه واحد – مع عدد غير محدود من المشتركين.
تداول المعلومات
- على نحو متزايد، أصبح تليغرام أداة للاتصالات في زمن الحرب، فقد أصبح أيضًا ساحة معركة لحرب المعلومات.
- يقول الباحثون إن تليغرام غالبًا ما يكون المنصة التي يتم فيها زرع الادعاءات المشكوك فيها قبل نشرها في مكان آخر.
- وتقول الشركة إن القنوات التي تركز على التطورات الحالية في غزة أو أوكرانيا “أثبتت أنها لا غنى عنها للصحفيين والباحثين ومدققي الحقائق ومنظمات حقوق الإنسان التي تتطلع إلى تقييم هذه الأحداث بشكل مستقل أثناء ظهورها”.
الخصوصية والأمان
ويشير خبير التطوير التكنولوجي وأمن المعلومات، هشام الناطور، إلى أن تليغرام دائماً ما يثير الجدل حول طبيعته ودوره بعالم التواصل الاجتماعي، خاصة من ناحية الخصوصية والأمان، فبعض الناشطين يرونه ملاذا آمنا للنشاطات غير القانونية والمعلومات المضللة، وآخرون يرونه ملاذا أكثر أمناً للخصوصية من منافسيه، مثل واتساب وويت شات.
الناطور في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يشير إلى أن تليغرام يحتوي على مميزات مثل تقنية التشفير من طرف لطرف، فلا أحد يمكنه فك تشفير الرسائل باستثناء المرسل والمستقبل، كذلك اتساع مجموعات وقنوات تليغرام لأكثر من 200 ألف عضو، وقنوات الذكاء الاصطناعي والبوتات، علاوة على تقنية الرسائل المؤقتة، ودعم مشاركة الملفات الكبيرة، وهي من أبرز مميزاته لافتقاد كثير من المنافسين إليها، علاوة على سهولة واجهة المستخدم.
ويعتبر الناطور أن تليغرام لا يمكن تصنيفه كتطبيق آمن بسبب الشكوك التي تدور حول قدرة موظفيه على الاطلاع على رسائل المستخدمين، وانتشار المحتوى غير قانوني، ونشر المعلومات المضللة.
يقدم تليغرام ميزة الدردشة السرية التي تقدم مستوى أعلى من الأمان، كما يقدم رسائل توفر خصوصية أكثر مثل الرسائل المؤقتة ذاتية التدمير، منوهاً إلى أن هذا الميزة تتوفر الآن في واتساب أيضًا.
كذا يوفر تليغرام ميزة تخزين البيانات على هواتف المستخدمين وليس على خوادم المنصة؛ ما يصعب على السلطات الوصول لهذه البيانات، لكن هذه الميزة تمثل نقطة ضعف فعند اختراق أجهزة المستخدمين يمكن الوصول لرسائل التليغرام حتى مع وجود التشفير.
ويبدي خبير تكنولوجيا المعلومات تعجبه من اعتقاد بعض المستخدمين بأن تليغرام يحمي خصوصياتهم، مشيرا إلى حدوث بعض التسريبات في الماضي من قبل موظفي تليغرام، ما أدى إلى الكشف عن بيانات المستخدمين، وفي بعض الحالات تعاون موظفو تليغرام مع السلطات لتقديم بعض بيانات المستخدمين، “فكل هذا يجعلنا نعرف أن تليغرام ليس بالتطبيق الآمن بالشكل الذي يروج له”.
ويستطرد الناطور: “بعض المجرمين قد يستخدمون تليغرام، للتواصل والتخطيط للأنشطة الإجرامية”.
وينصح خبير تكنولوجيا المعلومات المستخدمين حتى يستخدموا تليغرام بشكل آمن بأن يستخدموا كلمات مرور قوية تحوي الحروف اللاتينية والأحرف الكبيرة والأرقام، وتفعيل المصادقة الثنائية، وعدم مشاركة المعلومات الشخصية مثل رقم الهاتف أو العنوان أو البريد الإلكتروني، والإبلاغ عن أي محتوى مشبوه، كذا يحذر الناطور من الروابط مجهولة المصدر لأنها قد تكون بوابة لقرصنة الحساب.
خطط مستقبلية
بعد أن جمعت حوالي ملياري دولار من تمويل الديون في السنوات الأخيرة، تحاول تليغرام تحقيق الدخل، إلى حد كبير من خلال تقديم منصة إعلانية وعائدات الاشتراك. تدعي شركة Durov أنها تقترب من الربحية بعد عامين من طرح عروضها الإعلانية في أسواق معينة.
تهدف مبيعات تليغرام على المدى الطويل إلى أن تصبح متجرًا شاملاً يسمح للمطورين ببناء تطبيقات التجارة الإلكترونية والألعاب والعملات المشفرة في النظام الأساسي، لتصبح واحدة من الشركات الرئيسية القليلة التي تتبنى تقنية “web3” اللامركزية.
سيتم دعم هذا النظام البيئي بواسطة TON blockchain، والذي تم تطويره في البداية بواسطة فريق تيليغرام وجذب المستثمرين الروس الأفراد والمؤسسات من بين آخرين، ولكن تم تطويره الآن بشكل مستقل عن الشركة من خلال مجتمع مفتوح المصدر، بعد أن واجه المشروع مشاكل تنظيمية في الولايات المتحدة.
ويقول الرئيس التنفيذي للشركة، إنه يتوقع الوصول إلى “مليار مستخدم نشط شهريًا خلال فترة تتراوح بين 12 و14 شهرًا”، بحسب ما نقلته عنه صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.