د.محمد حامد سعيد يكتب: وقفات مع غزوة بدر الكبرى
وقفات مع غزوة بدر الكبرى
بقلم : أد/محمد حامد محمد سعيد – الأستاذ المساعد بجامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية يوني شمس (UniSHAMS) – ماليزيا
من المعلوم لدينا جميعاً أن الله تعالى فضل شهر رمضان على سائر أشهر العام، فخصه الله تعالى بنزول القرآن الكريم فيه وذلك في ليلة القدر فقال الله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…..}[البقرة:185]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}[الدخان:3]، وقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1]، ثم كان التخصيص الإلهي للشهر المبارك بأن كان محلاً للكثير من معارك المسلمين، والتي كان من عظمة هذه المعارك أيضا أن النصر كان دائماً حليف جيوش المسلمين الصائمين.
فبنظرة تأملية لهذه الانتصارات نرى أن بدايتها كانت غزوة بدر الكبرى والتي وقعت في السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني من هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذه الغزوة التي نزلت سورة قرآنية كاملة تتحدث عنها تُسمى سورة “الأنفال”، في غزة بدر قادت الأقدار الرسول وأصحابه لدخول معركة ليست في حسبانهم ولم يعدوا العدة لها؛ لأنهم لما خرجوا خرجوا لاعتراض قافلة أبي سفيان القادمة من بلاد الشام، والمحملة بالخيرات لأهل قريش، ومعلوم أن الكثير من الصحابة لما هاجروا من مكة إلى المدينة تركوا ديارهم وأموالهم وثرواتهم داخل مكة، فكان لزاماً عليهم أن يأخذوا حقهم أو بعضاً مما تركوه في أرض مكة، فكان الخروج لاعتراض قافلة أبي سفيان.
وتأتي الحكمة الإلهية التي لا يعلمها إلا الله تعالى في تغير الغنيمة من غنيمة لقافلة لغنيمة حرب كبيرة، حيث خرجت قريش ومعها أغلب قبائل العرب ولم يتأخر من قريش إلا أقل القليل، ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد نصراً –وهو القافلة-، وأراد الله تعالى نصراً أعظم –وهو غنائم بدر-، يا لقدر الله تعالى الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، وما أجمل التعبير القرآني القائل:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:123]، فالشكر دائماً سبب من أسباب سِعة الأرزاق.
وفي هذا الشأن يقول د/ وهبة الزحيلي عند تعليقه على بدايات سورة الأنفال إن:”صلاح الجماعة وقوة الأمة وعزتها مرهون بأمور ثلاثة: تقوى الله في السر والعلن، وإصلاح ذات البين، أي الحال التي يقع بها الاجتماع، وطاعة الله والرسول، ثم إن امتثال أمر الله تعالى من ثمرات الإيمان، وإن سبيل المؤمن أن يمتثل أوامر الله تعالى”.
إن انتصار المسلمين في غزوة بدر لهو أكبر دليل على تعلق القلب بالله تعالى فما بعد ذلك أيسر؛ حيث إن ظاهر المعركة يقول باستحالة انتصار المسلمين هم قرابة 300 مقاتل، وجيش قريش قرابة 1000 مقاتل، فالواحد من المسلمين يساويه ثلاثة من المشركين تقربياً، عملية عقلية ثمرتها استحالة النصر على العدو، ولكن حينما يتعلق القلب بالخالق عز وجل ترى كل شيء هين، وما أروع قوله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:249]، فمشيئة الله تعالى أولاً، يعقبها الصبر الذي يتحلى به المسلم المجاهد؛ حيث يجعل الصعب سهلاً، والمستحيل جائزاً ، والبعيد قربياً، والهزيمة نصراً، وصدق الله تعالى حيث قال:{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأنفال:126}.
وللحديث بقية مع وقفات مع غزوة بدر الكبرى