آخر الاخباراقرأ لهؤلاء

د.منجى على بدر يكتب: دورالصين وروسيا فى اعادة تشكيل النظام العالمى ومدى قدرة أمريكا على المقاومة

    بعد أكثر من 4 عقود من الجهود الأمريكية لتأسيس وتعزيز نظام دولي أحادي القطبية، نشهد علامات تدهور النظام الدولي المتمركز حول أمريكا وتشكيل نظام دولي جديد ، فالشواهد والوقائع وتطورات المستجدات العالمية تؤكد أن الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي من جانب، وكل من الصين وروسيا من جانب آخر  يدور على شيء بدأ يترنح وهو النظام العالمي الذي تريد واشنطن تعزيزه، وتعمل بكين وموسكو على تغييره الى متعدد الأقطاب .

   ويتصاعد الحوار حول دور الاقتصاد فى النظام الدولي، وفي ظل زيادة التحدي للقوة الأمريكية من قوى أخرى منافسة وخاصةً روسيا والصين لا سيما فى ظل تراجع قدرة واشنطن على إقناع حلفائها بدعم الموقف الأمريكي، ودخول العالم في مرحلة جديدة من التعددية القطبية ، وتدرك القيادة الصينية جيداً الفوائد التي يمكن أن تعود على بكين من التحولات القائمة على الصعيد الجيوسياسي ، وقدمت فكرتها الشاملة الجديدة إلى المسرح العالمي وركزت قبل عقد من الزمن على الهياكل الإقليمية مثل “مبادرة الحزام والطريق” التي نجحت في جذب 149 عضواً، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي يضم 106 أعضاء، ويضم معظم الدول الأوروبية مع كندا، وأيضا تركيز الصين نحو المبادرات الدولية المشتركة، بما في ذلك “بنك التنمية الجديد” ومجموعة “بريكس” التي توسعت عضويتها في القمة الأخيرة الى 10 دول .

   ووفق المشهد الدولى الحالى من صعود تحالفات وتكتلات وتجمعات لدول بعينها تحدد ملامح النظام العالمى الجديد فى مقابل تراجع التحالفات الحالية مثل حلف الناتو والأمم المتحدة التى اختزلت دورها فى الشجب والإدانة، ونظام اقتصادى جديد تجاوز العملة الواحدة (الدولار) والاتجاه للعملات المحلية وسلة عملات جديدة، وتعمل التعددية القطبية الجديدة على تغيير النظام الدولى الحالى الذى أسس عقب الحرب العالمية الثانية وظهور التجمعات والتحالفات مثل البريكس والميركسور والاتحاد الاوربى والاتحاد الافريقى.

   ومن ناحية أخرى ، تعمل التعددية القطبية على تدشين نظام اقتصادى جديد قائم على الاندماج بين الدول المتقدمة والنامية الذى من شأنه تضييق الفجوة الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية أو الناشئة  ، كما حرصت التعددية القطبية على تبنى سياسة الوفاق والتعاون لنهضة الدول مما سينتج عنه نظام عالمى أكثر عدالة، ونهوض الدول النامية.

 انه نظام اقتصادى جديد يسمح بتدخل الدولة لضبط الإيقاع الاقتصادى مثل حالة الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل (المجموعة المؤسسة لتجمع بيركس) ويخدم مصالح الدول ، ويتبقى تدشين النظام العالمى الجديد بأقطابه المتعددة وتحالفاته الجديدة رهن التكاتف الفعلى لإنهاء الصراعات والنزاعات على مستوى العالم بأكمله، كما توقّع خبراء من المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” في سويسرا فى يناير الماضى أن يتم تدشين نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب خلال العشر سنوات القادمة ، وفى المستقبل القريب ستكون هناك تكتلات متعددة تتنافس على حكم العالم، وسيتعين على هذه التكتلات أن تتعايش معًا بسلام.

 ويبدو عبر منصات التكنولوجيا سواء تكنولوجيا المعلومات أو الذكاء الاصطناعى أن الدوافع الرئيسة للرقمنة والاتصال في العصر الحديث تقترب من الوصول إلى مستوى التشبع. ومع ذلك قد تتحد مجموعة من التقنيات الحديثة ( لا سيما الذكاء الاصطناعي ( (AIوالهندسة الحيوية ما بين الدول، لخلق طفرة كبيرة أخرى من التقدم مستقبلَا وقد تنتقل التكنولوجيا إلى طليعة المنافسة الجيوسياسية وهو مايحدث حاليا بين الصين وأمريكا.

   وحين أدرك الغرب قوة الصين الصاعدة اقتصاديا وانعكاسها على هيكل النظام الدولي مع تمددها في أسواق إفريقيا وأمريكا الجنوبية باتفاقات طويلة المدى، بدأت تتحرك لعرقلة هذا التمدد خصوصاً بعد أزمات مالية عالمية منذ عام 2008 حتى تاريخه ، ودفعت باقى القوى الغربية للتحرك في محاولة  لمحاصرة النمو المتسارع للاقتصاد الصيني وفك الارتباط بينه وبين روسيا، وصارت مصالح العالم الغربي تتمثل في احتواء الصين وروسيا بالعداء المباشر أما الهند بالاحتواء غير المباشر المتمثل فى التعاون الاقتصادى.

   وشكّلت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما على روسيا في إطار الأزمة الأوكرانية، تراجعًا كبيرا في ظاهرة العولمة وخصوصا العقوبات التي استهدفت البنوك الروسية وتشجيع الشركات الغربية على مغادرة روسيا الاتحادية، وكل هذه العقوبات أسهمت في المزيد من تراجع ظاهرة العولمة، وطرح البعض فكرة الحاجة إلى قواعد جديدة للنظام الاقتصادي الدولى.

   أن تحدي الولايات المتحدة في هذه اللحظات التاريخية لن يقتصر فقط على روسيا، وسوف تسعى دول أخرى (كبرى وإقليمية) وخاصة الصين إلى اختبار حدود القوة الأمريكية، وإظهار التراجع الأمريكي كقوة عظمى، وهو أمر ستكون له نتائج طويلة المدى فيما يتعلق بموازين القوى في النظام الدولي .

   انه الاقتصاد الذى يقود العالم ويمثل أحد العوامل الاساسية فى اعادة تشكيل العالم من أحادى الى متعدد الأقطاب وأيضا اعادة تدشين منظمات اقتصادية جديدة على شاكلة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية

  الوزير المفوض الدكتور / منجى على بدر

  المفكر الاقتصادى وعضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة

   8 مارس 2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى