سيناريوهات شهادات الادخار مرتفعة العائد في مصر بين دولارات رأس الحكمة وتحرير الجنيه
رئيس بنك مصر: لا توجد حصيلة مستهدفة للشهادات حتى الآن ولم يُحدد موعد لإيقافها
محللون: استمرار الشهادات يساهم بتحفيز الاستثمار في الجنيه مع التراجع المتوقع لسعر الدولار بالسوق الموازية
توقعات بطرح شهادات جديدة بأسعار فائدة تفضيلية قد تصل إلى 35% مقابل التنازل عن الدولار
بعد جمع بنكي “الأهلي” و”مصر” الحكوميين نحو 700 مليار جنيه، عبر شهادات الإدخار ذات العائد الكبير البالغ 27%، تثار تساؤلات حول جدوى استمرارية الشهادات خلال الفترة المقبلة، وسط تدفق مليارات الدولارات لخزينة الدولة من صفقة رأس الحكمة.
في حين يُتوقع أن تسهم أموال الصفقة بفك اختناقات السلع في الموانئ المصرية، بما يؤدي إلى انخفاض الأسعار، والمساهمة في كبح التضخم، ما يخفف بدوره الحاجة إلى مثل هذه الشهادات التي تستهدف بالأساس امتصاص السيولة وضبط الأسواق، فإن حصول مصر على سيولة مليارية من الدولار، قد يسرع عملية تحرير سعر الصرف المرتقبة، وخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، الأمر الذي سيفاقم وتيرة التضخم حتى استقرار السوق، بما يدعو إلى الحاجة للاستمرار بإصدار شهادات ذات عائد مرتفع، يُقدّر البعض وصوله إلى 35%.
يواصل أكبر بنكين حكوميين في مصر من حيث الأصول، بيع الشهادات لامتصاص السيولة الوفيرة بالأسواق، وذلك ضمن مساعي البلاد لكبح جماح التضخم الذي ارتفع لمعدلات قياسية.
قال محمد الإتربي، رئيس بنك مصر ورئيس اتحاد البنوك المصرية، لـ”الشرق” إن مصرفه والبنك الأهلي، ليس لديهما حصيلة مستهدفة من الشهادات، ولا توقيت محدد لوقف تلك الشهادات بعد حتى الآن.
ويأتي استمرار الشهادات وسط تدفق مليارات الدولارات على مصر بعد توقيعها في فبراير مع الإمارات، صفقة استثمار عقاري، تستحوذ بموجبها شركة “القابضة” (ADQ) على حقوق تطوير مشروع “رأس الحكمة” مقابل 24 مليار دولار بهدف تنمية المنطقة، بجانب تحويل 11 مليار دولار من الودائع التي سيتم استخدامها للاستثمار في مشاريع رئيسية بكافة أنحاء البلاد.
تحفيز الاستثمار في الجنيه
يرى محللون استطلعت “الشرق” أراءهم، أن استمرار الشهادات يساهم في تحفيز الاستثمار في الجنيه كملاذ آمن مع الانخفاض المتوقع لسعر الدولار في السوق الموازية بعد الصفقة الإماراتية الكبرى.
وقد رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة منذ مارس 2022، وحتى الآن بإجمالي 1300 نقطة أساس لاستيعاب توحش التضخم الذي بلغ أعلى معدلاته على الإطلاق، يبلغ سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق عند مستويات 21.25%، و22.25% و21.75% على التوالي.
في مطلع العام الجاري، طرح البنكان الحكوميان، شهادات ادخار بعائد 23.5% سنوياً يُصرف شهرياً، ويصل إلى 27% حال صرف العائد سنوياً، في محاولة لإغراء من يحمل الدولار للتنازل عنه للبنك مقابل فائدة كبيرة، ومواصلة مجابهة التضخم وعدم السماح بأموال شهادات ذات عائد 25% التي انتهت يناير الماضي للنزول للأسواق وزيادة مؤشرات التضخم بالأسواق.
مستويات تضخم مرتفعة
رغم مواصلة التضخم في مدن مصر التباطؤ في يناير الماضي للشهر الرابع على التوالي، بسبب سنة الأساس التي تحتسب عليها المقارنة، إلا أن الأرقام مازالت في مستويات مرتفعة وسجلت 29.8% خلال يناير على أساس سنوي، مقابل 33.7% في ديسمبر، أما على أساس شهري؛ فقد زادت وتيرة التضخم إلى 1.6% من 1.4% في ديسمبر.
ولا يزال التضخم الحالي فوق متوسط مستهدفات البنك المركزي التي تتراوح من 5% إلى 9%، خلال الربع الأخير من العام الجاري، ومن 3% إلى 7% خلال الربع الرابع من عام 2026.
تحريك العملة
قال منصف مرسي، رئيس قطاع البحوث في شركة سي أي كابيتال، خلال مقابلة مع “الشرق”، إن استمرار بنكي “الأهلي” و”مصر” في بيع الشهادة باعتبارها إحدى الأدوات المستخدمة في سياسة التشديد النقدي يهدف إلى امتصاص السيولة من السوق المصرية والسيطرة على الضغوط التضخمية، متوقعاً استمرارها لفترة أطول.
يستحوذ بنكا “الأهلي” و”مصر” على 55% من إجمالي ودائع العملاء بالقطاع المصرفي المصري البالغة نحو 9.8 تريليون جنيه بكافة البنوك المصرية بنهاية سبتمبر الماضي، وفق البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري والبنكين.
خلال الشهر الجاري، اتجهت بعض البنوك الخاصة إلى طرح ودائع وحسابات توفير بأسعار فائدة مرتفعة تماشياً مع توجه سياسة التشديد النقدي بصفة عامة في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وفق ما قاله منصف.
لكن مسؤول في أحد البنوك العامة قال لـ”الشرق” مشترطاً عدم نشر اسمه: “قريباً جداً قد يتم إيقاف هذه الشهادات مع أي تحريك في سعر العملة كما هو متوقع خلال الفترة القريبة المقبلة”.
يُتوقع على نطاق واسع تحريك سعر الصرف خلال الربع الجاري، رغم انقسام المحللين حول حجم التحريك، وما إذا كان سعر الدولار سيزيد عن 50 جنيهاً.
في السوق الآجلة غير القابلة للتسليم، ارتفع عقد الجنيه المصري لأجل 12 شهراً بأكثر من 17% منذ الإعلان عن صفقة “رأس الحكمة”، مما يشير إلى توقعات بخفض أقل في قيمة العملة خلال معاملات الأسبوع الماضي.
بدائل استثمار متنوعة
من جانبها، قالت أماني شعبان، محللة قطاع البنوك في برايم لتداول الأوراق المالية، إن استمرار الشهادات حتى الآن رغم ما جمعته من حصيلة تجاوزت 700 مليار جنيه يعني أنها لم تصل إلى الحصيلة المستهدفة وهذا يعود إلى وجود بدائل استثمار متنوعة ما بين الذهب والعملات الأجنبية.
شهدت مصر خلال الأشهر القليلة الماضية إقبالاً واضحاً من المصريين على شراء السبائك الذهبية والعملات الأجنبية والعقارات كمخزن للقيمة في ظل تراجع وتدهور العملة المحلية مقابل الدولار الأجنبي بسبب شح السيولة الدولارية التي عانت منها أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان خلال الفترة الماضية.
أضافت: “أغلب حصيلة الشهادات عبارة عن مدخرات داخل البنوك واستمرارها حتى الآن باعتبارها وعاءً استثمارياً متاحاً في السوق وخاصة أنها لم تحدث خللاً في السيولة لدى البنوك الخاصة التي لم تسارع لإصدار شهادات مشابهة كما فعلت العام السابق.
الشهادات ملاذ آمن
هاني جنينة، كبير الاقتصاديين في شركة كايرو كابيتال لتداول الأوراق المالية، يرى أن استمرار الشهادات يساهم في تحفيز العملاء على الاستثمار في الجنيه كملاذ آمن مع الخفض المتوقع لسعر الدولار في السوق الموازية بعد الصفقة الاستثمارية الكبرى في مدينة رأس الحكمة شمال البلاد.
صعدت قيمة الجنيه في السوق الموازية بنحو 20% إلى نحو 50 جنيهاً للدولار، وفقاً للعديد من التجار والمستوردين الذين تحدثت معهم “بلومبرغ” الأسبوع الماضي، وأدى ذلك إلى تضييق الفجوة، ولكنها لا تزال أقل بكثير من السعر الرسمي، الذي ظل ثابتاً عند نحو 30.95 للدولار مقابل الجنيه خلال العام الماضي في وقت عانت فيه مصر من نقص حاد في العملات الأجنبية.
شهادات جديدة
توقع جنينة، أن تطرح البنوك شهادات جديدة بأسعار فائدة تفضيلية قد تصل إلى 35% مقابل التنازل عن الدولار في بعض البنوك، مع قرب البنك المركزي للعودة إلى مرونة سعر الصرف، أو عقد اجتماع استثنائي لرفع سعر الفائدة خلال الفترة القريبة المقبلة.
أوضح أن البنوك تستطيع استيعاب تكلفة الشهادات الجديدة ذات العائد القياسي بعد زيادة أسعار الفائدة على أذون وسندات الخزانة -أدوات الدين الحكومية- التي تُعد من أحد المصادر المتاحة أمام البنوك لاستثمار السيولة لديها.